العلّامة الطّاهر آيت علجت يتحدّث عن أخيه العلامة أحمد سحنون
** بدايةً كيف ومتى تعرفتم على الشيخ أحمد سحنون رحمه الله؟
بسم الله والحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله
معرفتي بالشيخ كانت سنة 1946 في أول اجتماع لجمعية العلماء المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية- كان ذلك بالجزائر العاصمة بباب الواد – أين تم تجديد المكتب الإداري للجمعية وتجددت أيضا (ج ع م ج) إذ دخلت مرحلتها الثانية وتم تنصيب الإدارة الجديدة والتي كان على رأسها آنذاك الشيخ البشير الإبراهيمي-رحمه الله- وكان الشيخ أحمد سحنون أحد الوجوه البارزة والنشطة في الإدارة الجديدة وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ أحمد سحنون التحق بالجمعية كمعلم في مرحلته الأولى والتي تبدأ من حين إنشائها إلى بداية الحرب العالمية الثانية حيث التقى برائدها الشيخ بن باديس –رحمه الله- وأخذ عنه الكثير من التوجيهات فيما يخص طلب العلم والمطالعة.
في هذه المرحلة الثانية كان الشيخ سحنون محل ثقة الشيخ الإبراهيمي إذ كان يعوّل عليه ويرسله إلى المناطق التي تثور فيها الأزمات أو الخلافات وكان له من الاستعداد ما يؤهله للقيام بهذا الدور، دور الإصلاح والاتصال بمختلف الجهات والجماعات لأنه كان واسع الفكر واسع الصدر قلبه يسع الناس جميعا ولهذا كان يعوّل عليه الشيخ الإبراهيمي.
وقد كنت أتصل بالشيخ سحنون كلما زرت الجزائر العاصمة إذ أني كنت أقيم في منطقة القبائل إلا أن اتصالي الوثيق به كان من خلال رابطة الدعوة الإسلامية (1989) حيث كنا لا نكاد نفترق طوال اليوم هناك عرفت الشيخ حق المعرفة.
** أثناء المرحلة الثانية للجمعية بعد 1946 وأثناء قيادة الشيخ الإبراهيمي هل جمعتك بالشيخ سحنون أعمال ما؟
لا إنما كنا نلتقي هكذا بالمصادفة فهو كان يدرِّس هنا في العاصمة وأنا كنت أدرِّس في منطقة القبائل وكان الاتصال آنذاك صعبا.
** ذكرتم أن الشيخ كان ذو طاقة كبيرة وقد ظهر نتاج تلك الطاقة بعد الاستقلال حيث وظفها في العديد من المساجد(يقاطع الشيخ)
بل أثناء الثورة كان يقوم بمجهودات كبير في توعية الناس إذ كان يدعو إلى الجهاد أثناء دروسه وخطبه حتى في مسجد الأمة بالعاصمة وقد سجن ونجى من الموت بأعجوبة.
وكان يكتب في جريدة البصائر إذ كان له موضوع أسبوعي في التوجيه الإسلامي والتوعية وقد نجح نجاحا كبيرا في التوعية والتوجيه لأنه كان معلما مميزا، وما رأيت أحدا أفضل وأحسن منه في ارتجال الخطب وقد ساعده عل ذلك سعة ثقافته وإطلاعه، وكان قد طلب العلم في الزوايا وخاصة بمسقط رأسه بقرية لشانة دائرة طولقة ولاية بسكرة في الجنوب الجزائري، ولكن التكوين الشخصي له دور كبير في صقل مواهبه حيث كانت له مكتبة كبيرة لا يكاد يسمع بكتاب إلا اقتناه.
وفي أثناء الثورة عندما كان ينشط ويحرض الجزائريين على الجهاد ألقي عليه القبض وقيل له ألا تخشى أن نقتلك فقال: ” إن قتلكم لي شرف عظيم”
ولكن الله أنجاه من القتل وإن كان قد نجي من القتل فإنه لم ينج من التعذيب والاعتقال إذ زج به في معتقل بوسوس في نواحي الصحراء ولا أذكر كم لبث فيه.
ولكن زملاءه الذين كانوا معه يستطيعون إفادتنا في ذلك من أمثال الشيخ محمد أمقران دليل فقد كان معه في المعتقل وهو الآن متواجد بالجزائر العاصمة.
** وماذا عن المجهود الذي كان يبذله الشيخ سحنون أثناء الثورة؟
جمعية العلماء عندما جاءت تلك القوانين الاستعمارية الجائرة بعد اندلاع الثورة التحريرية تم حلها إذا لم تكن هي من كلفته بذلك ولكن كان له اتصال بالمجاهدين وقد طلب منهم الالتحاق بهم فرفضوا لأهمية الدور الذي كان يلعبه حينئذ.
** إن البعض إلى يومنا هذا مازال يعتبر أن إلتحاق الجمعية بالثورة لم يكن إلا بعد مرور سنتين على انطلاقها أي (في 1956) فهل أن القرار الإداري بحل الجمعية كان قد أحال أفرادها على التقاعد وأعفاهم من كل مسؤولية؟
كلا فهناك الشيخ الإبراهيمي والشيخ الشهيد العربي التبسي وهناك الشيخ سحنون الذي كان يدعو إلى الجهاد جهارا نهارا في بداية الثورة وحتى في كتاباته في البصائر كانت له مقالات حول الثورة.
ولئن كانت مجموعة الأفراد التي دعت إلى الثورة وفجرتها محدودة العدد إلا أن التمهيد لها قبل اندلاعها وإذكاء نارها بعد اندلاعها شاركت فيه الجمعية وغيرها بل وحتى الزوايا القرآنية وبعض الطرق الصوفية كان لها دور في إنجاح الثورة.
** على ذكر الزوايا (المدارس القرآنية) كان قد ذكر لنا ابنك أن الزاوية التي كنت تشرف عليها بمنطقة القبائل قدمت العديد من الشهداء؟
نعم ما يزيد على 100 شهيد لأنها كانت مركزا للمجاهدين ولما علم الاستعمار بذلك قنبلها ودمرها، عندها التحق أفرادها بالثورة وقد سقط منهم ما يزيد عن 100 شهيد رحمة الله عليهم جميعا.
في الفترة الأخيرة بعد 1990 اتصل القوم (الحكام) بالشيخ أحمد سحنون وعرضوا عليه منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ولكنه رفض.
وليست زاويتنا وحدها بل كل الزوايا بما فيهم الزوايا الطرقية وأخص بالذكر الزاوية العلوية وكنت شاهدا عندما كتب الشهيد عميروش رسالة إلى شيخ الزاوية -الطريقة- العلوية الشيخ المهدي رحمه الله وأرسلها مع بعض إخوانه يدعوه إلى التعاون مع الثورة فاستجاب وكذلك الشأن بالنسبة للعديد من الزوايا في شتى أنحاء البلاد ونحن هنا نتكلم على الزوايا الطرقية أما الزوايا القرآنية (المدارس القرآنية) في منطقة القبائل فقد كانت ثورية قبل الثورة طلبتها كلها ثوريين ومجاهدين وكذلك لا يستطيع أحد أن يدعي أن الجمعية كانت متخلفة عن الثورة أو بمعزل عنها.
** بعد الاستقلال ماذا حدث للجمعية والشيخ سحنون عضو فيها؟
كانت هناك محاولة لإعادة بعث جمعية العلماء وتحت اسم جمعيه القيم بعد الاستقلال ولكن هذه بدورها تم حلها سنة 1966 من طرف السلطة بعد الرسالة التي وجهتها إلى الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر في قضية إعدام سيد قطب رحمة الله عليه.
ولكن بقي أعضاء الجمعية يعملون فرادى ومنهم الشيخ سحنون الذي رفع راية المعارضة للنظام منذ البداية أي منذ عهد الرئيس بن بلة وكان ينتقد النظام بشدة ولا يجامله حتى أنه في إحدى خطب العيد أين كان الرئيس بن بلة حاضرا بالجامع الكبير خطب الناس وانتقد النظام بشدة حتى قال في أحد الإخوة من أعضاء الجمعية: “لقد حشمنا الشيخ” وكان انتقاده مؤدبا يعرف كيف ينصح ويعرف كيف ينتقد.
** هل كان الشيخ يعارض التوجه الاشتراكي آنذاك؟
نعم كان الشيخ يعارض التوجه الاشتراكي وكل ما يمس بالدين الإسلامي وقيمته.
** وعن الوظيف هل قبل الشيخ به؟
كان الشيخ إماما أما غير ذلك فلا حتى أنه في الفترة الأخيرة بعد 1990 اتصل به القوم وعرضوا عليه منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ولكنه رفض هذا ما أعلمه أما قبل هذا فلا علم لي.
** أثناء المعارضة الصريحة من الشيخ سحنون للنظام هل تعرض للمضايقات؟
نعم فقد كان خطيبا بالمسجد الكبير وقد كان هو المسجد الرسمي الذي يصلي فيه الرسميون ثم نقل منه إلى مسجد الأمة وتعرض للاعتقال ووضع تحت الإقامة الجبرية بعد أحداث 1982 هو والشيخ عبد اللطيف سلطاني رحمة الله عليهم جميعا.
** ألم يحدث أي تقارب بينه وبين النظام الجديد بعد انقلاب جوان 1965 ومجيء بومدين إلى سدة الحكم؟
لا لم يحدث وبقي الشيخ على معارضته فهو لم يكن يعارض شخصا وإنما كان يعارض توجها بعيدا عن الإسلام ولكن النظام آنذاك تجاهله بل إنه نقل من المسجد الكبير إلى مسجد الأمة في عهد الرئيس بومدين وليس في عهد بن بلة.
** في هذه الفترة ما كانت جهود الشيخ وأعماله؟
كان للشيخ نشاطا في العديد من مساجد العاصمة يلقي الدروس والخطب ويبث الوعي في صفوف المصلين
في آخر حياته كان للشيخ أمنية تتمثل في بناء مدرسة قرآنية -زاوية- بمحاذاة مسجد أسامة، المسجد الذي كان يشرف عليه
** هل كانت للشيخ علاقة بعلماء الإسلام في المشرق؟
نعم كانت له علاقة بالعلماء (الشام خصوصا) من أمثال الشيخ البوطي والشيخ الغزالي رحمه الله
والشيخ الصواف رحمه الله والشيخ الصابوني وبعض علماء السعودية.
** في عهد الشاذلي وقد كان هناك نوع من الانفتاح هل كان هناك اتصال بالسلطة؟
نعم بالفعل كان هناك انفتاح وكانت البداية بالبيانات ثم رأى بعض الإخوة أن يكون الاتصال مباشرا وقد كان، وكنا كلما اتصلنا بالرئاسة إلا ووجدنا قبولا وتفهما أفضل وأحسن مما كنا نجده عند بعض الأحزاب الإسلامية.
** عن تجربة الرابطة والتي زادت في الرابطة بينك وبين الشيخ سحنون ما كان الهدف من إنشائها ولماذا آلت إلى ما آلت إليه؟
أما الهدف فهو جمع الكلمة وتوحيد الصف بين كل العاملين في سبيل الله دون استثناء أو إقصاء أي أحد وقد اتصلنا بالكثير من الدعاة والعاملين والمثقفين قصد تكوين الرابطة لأن الرابطة في الحقيقة لم تكن قد تأسست وإنما كنا نسعى لتأسيسها ولكن حالت الظروف الأخيرة دون بلوغ ذلك الهدف.
** هل ترك الشيخ سحنون آثارا أو كتبا؟
نعم للشيخ كتاب تحت عنوان توجيهات إسلامية منشور ومتداول وهناك أيضا كتابات أخرى لم تنشر وهي مخطوطة وقد وعد ابن أخته (وهو رجل فاضل) أخت الشيخ بنشرها كما أبدت العديد من دور النشر اهتمامها بطباعة تلك الكتب وهي كتب تدور في مجملها حول مواضيع اجتماعية ومقالات وتوجيهات إسلامية.
** ما هي في رأيكم أهم مميزات الشيخ سحنون التي جعلت له كل ذلك القبول بين الناس حتى إن الجماهير كانت تنتظر فتواه وموقفه قبل أن تقدم على أي أمر ما هو السر في ذلك؟
سلوكه الشخصي زهده في الحياة ومجهوداته وتضحياته التي بذلها في توجيه الشباب من خلال خطبه ودروسه وكذلك إخلاصه، إخلاصه كان له دور كبير في قبول الناس له.
كان الشيخ أحمد سحنون شديد التأثر لما يصيب الأمة فإذا سمع بحدث من الأحداث السيئة أصاب الجزائر خاصة أو بلاد الإسلام عام يصاب بالمرض الذي يلزمه الفراش أياما رحمة الله عليه
** هل كانت للشيخ أمنية أو وصية أوصى بها؟
في آخر حياته كان للشيخ أمنية تتمثل في بناء مدرسة قرآنية -زاوية- بمحاذاة مسجد أسامة، المسجد الذي كان يشرف عليه.
** كلمة أخيرة في الشيخ أحمد سحنون؟
الشيخ أحمد سحنون كاد يكون أمة وحده لأنه انفرد بأشياء وانفرد بصفات فكثير من الصفات تفرقت عند غيره من الدعاة واجتمعت عنده بما فيها الزهد القناعة مكارم الأخلاق والحكمة في الدعوة إلى الله والتأثر فقد كان شديد التأثر لما يصيب الأمة فإذا سمع بحدث من الأحداث السيئة أصاب الجزائر خاصة أو بلاد الإسلام عام يصاب بالمرض الذي يلزمه الفراش أياما رحمة الله عليه.