الثورة في شعر ابن باديس ونثره
بقلم: د. علي الصلابي-
استعمل عبد الحميد بن باديس في العديد من مواضيع شعره ونثره، كلمات وعبارات تحمل دلالات ثورية وتحررية، استعملها من أجل بث الحماسة في نفوس من يخاطبهم بخطبه أو يلقي عليهم ما نظمه من قصائد، فكانت بدورها دالة على الفكر الثوري التحرري في شخصيته. فقد جاء في القصيدة التي ألقاها ليلة حفلة جمعية التربية والتعليم بقسنطينة يوم الأثنين 13 ربيع الأول 1356هـ / جوان 1937م والتي بعنوان تحية المولد:
وبخلقه يحمي حماهـا أو ببارقة الغـــضــب
حتى يعــود لقــومــه من عزّهم ما قد ذهب
ويرى الجزائر رجّـعت حق الحـــــياة المستـلب
وفي هذه الأبيات استعمل عبارة حماسية تحث على الجهاد، كإيراده لفظ «حماها» «وعزّهم» الذي قال عنه أنه ذهب ليأمل بأن يرى الجزائر «رجّعت» بتشديد الجيم «حق الحياة المستلب». ثم واصل قائلاً:
يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب
خذ للحياة سلاحها وخُض الخطوب ولا تهب
من كان يبغي ودّنا فعلى الكرامة والرحب
أو كـان يبغي ذلنا فله المهـــانة والحــرب
هذا نظــــام حياتنا بالنور خط وباللهــب
هذا لكم عهدي به حتى أُوَسَّدَ في الترب
فإذا هلكت فصيحتي تحــــــــيا الجزائر والعرب
ونرى ابن باديس في هذه الأبيات استعمل كلمات ثورية مثل: «سلاحها» «الخطوب» «الحرب» «اللهب» ليذكر أن ذلك عهده إلى أن يموت، فإذا مات «تحيا الجزائر والعرب».
وفي القصيدة التي ألقيت ليلة احتفال جمعية التربية والتعليم الإسلامية بالمولد النبوي الشريف بقسنطينة بعنوان: القومية والإنسانية، دعا ابن باديس إلى تحرير الناس من رق الملوك، مما يعكس شخصيته التحررية فقال:
وحرروا الناس من رق الملوك ومن هم وحــرروا الدين من غش ومن كذب
وختم ابن باديس خطابه التاريخي في الجلسة الختامية للمؤتمر الثاني لجمعية العلماء سنة 1937م بقصيدة حث فيها الجزائريين على المطالبة والتضحية حتى الفناء من أجل الحصول على حقوقهم، التي ذكّرهم أنهم لن ينالوها إلا بسواعدهم ونفوسهم الأبية فقال:
أشعب الجــــزائر روحي الفداء لما فيــك من عــزة العــربية
فدوموا على العهد حتى الفنا وحتى تنالـــوا الحقــوق السنية
تنالـــوها بســــواعـــدكــم وإيمانكم والنفـوس الأبـــــية
فضحــــوا وهــا أنا بينكـم بذاتي وروحي عليكم ضحية
وارتجل ابن باديس في حفل إقامته مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة يوم 27 رمضان 1356هـ بمناسبة إحياء ليلة القدر نشيد «اشهدي يا سماء» نشر في جريدة البصائر وممّا جاء فيه:
اشهدي ياسماء واكتبن يا وجود
إننا للحمى سنكون الجنود
فنريح البلاد ونفكّ القيود
إلى أن قال:
ونذيق الردى كل عات كنود
فيرى جيلنا ذكريات الجدود
ويرى قومنا خافقات البنود
ويُرى نجمنا للعلا في سعود
فتضم اسمنا صفحات الخلود
هكذا هكذا هكذا سنعود
ونلمس في الأبيات السابقة العمق الثوري في شخصية الإمام ابن باديس وتعطشه إلى الحرية والتي نلمسها في قوله «فنريح البلاد.. ونفك القيود». كما توعد المحتل بقوله: ونذيق الردى.. كل عات كنود، ونجده أيضاً في هذه الأبيات يستعمل كلمات ذات بعد تحرري وثوري: مثل «الحمى» «جنود» «القيود». واستدل ابن باديس في أحد خطبه ببيت الأحنف بن قيس، ليبرز ما على القائد من واجبات، فقال:
إنّ على كلّ رئيس حقا أن يخضب الصعدّة أو تندقّا
والصعدّة هي الرمح، يريد أن يخضب بالدماء أو تنكسر وتندق في يده أثناء محاربته للأعداء، ومن خلال استدلاله بهذا البيت نلمس أيضاً ثورية ابن باديس. وقد أتبع كلامه السابق بالقول: لكن صعدتنا هي القلم، وخضابه الحبر، ولكن لا يندق هذا القلم حتى تندق أمامه جبال من الباطل.
فعلا القاعة تصفيق عال وهتاف بكلمة الله أكبر.
وذكر ابن باديس في العدد الخامس من جريدة المنتقد الصادرة يوم الخميس 11 محرم 1344هـ / 30 جويلية 1925م قوله نشرنا قصيدة العالم الشاعر الحاج أحمد البوعوني مبتهجين بأن يكون المنتقد ميداناً تلتقي فيه تجربة الشيوخ بنشاط الشبان، حتى يحق له أن يقول أنه يتقدم للجهاد الحيوي، ثم ذكر بيتاً شعرياً:
بشبّان يرون القتال مجداً وشِيب في الحروب مجربين
فابن باديس اعتبر أن جريدة المنتقد تهدف إلى إعداد الشباب لما سمّاه «الجهاد الحيوي»، الذي عرّفه بأنه «القتال» و«الحروب»، والذي يشارك فيه الشباب المندفعون والشيوخ المجربون، كما كانت الخطب التي يلقيها الإمام عبد الحميد بن باديس مليئة بمعاني الجهاد وإثارة الحماسة في النفوس ورافعة للهمم والمعنويات.
وقد كان ابن باديس في كثير من خطبه يستدل بالأحداث والأمجاد التاريخية، لإثارة الحماسة في نفوس من يخاطبهم، ومن ذلك قوله لمّا ذكر بلدة سيدي عقبة أنها: مدفن أسلافنا الفاتحين الذين محقوا الشرك والاستبداد عن هذه البلاد، فقد أنجبت لنا المصلح الشيخ الطيب العقبي، الذي يجاهد اليوم ليسحق البدعة والفساد من هاته الأرض، ذرية بعضها من بعض، كما تضمنت خطبه كلمات ذات بعد ثوري، فقد جاء في قوله بمناسبة صدور مجلة الزيتونة والابتهاج بصدورها، قوله: ويحق لي وأنا جندي من جنود الإصلاح الإسلامي العام أن أسرَّ سروراً خاصاً بتعزز معاقل الإصلاح بها، كما وصف في نفس البيان جريدته المنتقد التي صودرت بـ: «الشهيدة».
يتبين لنا ممّا سبق أن ثورية الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس أبانت عنها خطبه وأشعاره والعبارات التي كانت تجري على لسانه، ممّا يؤكد لنا البعد الثوري والتحرري في شخصية ابن باديس الثائر على المحتلين والغزاة.
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2)