في ذكرى وفاة الأستاذ سعد الله

بقلم: محمد الهادي الحسني -

منذ عشر حِجَجٍ، وفي يوم 14-12- من سنة 2013 جاء اليقينُ عبداً من عباد الله الصالحين الذين كتَب الله -عز وجل- ما قَدَّمُوا وأبقى آثارهم في الناس يستفيدون منها ويعتبرون بها، وإذا كان عباد الله الصالحون كُثْراً، فإن عباد الله الصالحين الذين وفَّقهم الله -عز وجل- فآتاهم علما نافعاً وخُلقا حَسَناً قِلَّة، وهذا العبد الصالحُ العالِمُ الذي خالط الناسَ بإحسان وصَبَرَ على أَذَاهم هو الأستاذ أبو القاسم سعد الله، رحمه الله وأكرم مثواه.

قرأت اسم أبي القاسم سعد الله لأول مرة في سنة 1963 في مجلة “المعرفة” التي كانت تصدرها وزارة الأوقاف أنذاك، إذ كان الأستاذ سعد الله أنذاك في الولايات المتحدة الأمريكية يتابع دراسته العليا.. وفي يناير من عام 1966 ذهبتُ إلى الكويت الشقيقة للدراسة الثانوية، وهناك حيث عدد المكتبات كعدد المقاهي عندنا، وجدتُ كتاب الأستاذ سعد الله عن محمد العيد آل خليفة، رائد الشعر في الجزائر، وكانت مقدمته بقلم الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ثم ديوان سعد الله “النصر للجزائر” الذي كتب مقدِّمتَه الأستاذ أحمد توفيق المدني، وبعدهما كان كتاب “الحركة الوطنية الجزائرية 1900-1930” للأستاذ سعد الله قد نُشِرَ فاشْتَرَيْتُهُ، ومنذ تلك الفترة أحسست بانجذاب وَمَيْلٍ لهذا الأستاذ.

وفي سنة 1970-1971 تشرَّفت بالتَّتَلْمُذِ على هذا الأستاذ في قسم التاريخ من كلية الآداب في جامعة الجزائر..

وإذا كنتُ مَدِيناً لكل من تشرَّفتُ بالتتلمذ عليهم في هذه الجامعة فإنَّ علاقتي الإنسانية لم تستمر إلا مع هذا الأستاذ، وذلك لما يتحلى به من أخلاق، على رأسها “التواضع العزيز” في غير ذِلَّةٍ ولا مَسْكَنَةٍ، هذا “التواضع العزيز” الذي رأيته في أستاذي في حلِّه وترحاله الذي رافقته فيه داخل الوطن وخارجه، كما رأيته في بيته (شقة من ثلاث غرف) في حي الأسفوديل، ثم في بيته في حي دالي إبراهيم الذي بناه مما ادّخره من دنانير بعد تعاقده مع جامعة آل البيت في الأردن، ولذا سَمَّى هذا البيت “بيت الأردن”.

لقد درسنا في تلك السنة (70-71) على الأستاذ سعد الله تاريخ آخر عهد “التحالف الجزائري العثماني”، وأوائل أشأم وأظلم عهد في تاريخنا كله، وهو عهد الاحتلال الصليبي الفرنسي اللعين، وكان أهم ما تعلّمناه على أستاذنا هو “نقد المصادر” خاصة المراجع الفرنسية عن تاريخ الجزائر، وهو ما دعَا الأستاذ محمد الشريف ساحلي إلى كتابة رسالة صغيرة سماها Décoloniser l’histoire  إذ كان الأستاذ سعد الله يمارس هذا التحرير عمليا بكتبه ومقالاته ومحاضراته العامة والخاصة.

إذا كان الشيخ مبارك الميلي (ت 1945) هو واضع حجر الأساس في بناء “المدرسة التاريخية الجزائرية” في العصر الحاضر بكتابة “تاريخ الجزائر في القديم والحديث” الصادر في نهاية عشرينيات القرن الماضي؛ فإن الأستاذ سعد الله هو مُسْتَأْنِفُ البناء في هذه المدرسة في عهد استرجاع السيادة والاستقلال، وكان أهم ما تنبَّه إليه الأستاذ هو عدم الاعتماد على المراجع الفرنسية فقط، وقد كانت “مقدسة” عند ذوي اللسان والثقافة الفرنسيين.

كان من أصعب ما واجهني في يوم 14-12-2013، وكنا في قصر الثقافة -مفدي زكرياء- في حفل إسداء “وسام العالم الجزائري” الذي أسسه الصالحون في “معهد المناهج”، وكان الأستاذ سعد الله هو أول من أُسْدِيَ إليه في 2007؛ في ذلك اليوم همس في أُذنِي أحدُ الإخوة من “معهد المناهج” ليطلب مني إعلان “النبإ العظيم” نبإ وفاة الأستاذ سعد الله، فخانتني العبارات وخنقتني العبرات.

(1) تعليق

  1. Cierra Kunze

    Mon frère m'a suggéré d'aimer ce site web Il avait tout à fait raison Cet article a réellement fait ma journée Vous ne pouvez pas imaginer combien de temps j'ai passé pour cette information Merci

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.