جامع الزيتونة
جامع “الزيتونة” ثاني الجوامع التي أقيمت بإفريقية بعد جامع “عقبة بن نافع” بالقيروان. ويعد أول جامعة علمية إسلامية، فتحت أبوابها أمام طلبة العلم، فأمته أعداد هائلة من طالبي المعرفة.
يقول عنه السراج في كتابه «الحلل السندسية»: «جامع الزيتونة مسجد إذا بدا لك تبلج نوره اللامع أيقنت أنه الجامع المفرد والمفرد الجامع.. ما سرح ناظر المؤمن في أثنائه إلا امتلأ علما من بادرات ثنائه (….) واختص بأن يشرح لوارديه الصدر، فما ضاق صدر مهموم ودخله إلا انفرج وانفتحت له بلطيف عنايته أبواب الفرح».
وذكر هذا الجامع في الكثير من كتب المؤرخين في كتبهم ومن بينهم البكري في «المسالك والممالك»، وابن خلدون في «العبر»، والسراج في «الحلل السندسية في تاريخ البلاد التونسية»، وحسن حسني عبد الوهاب في «خلاصة تاريخ تونس»، وأحمد ابن أبي الضياف في «إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان»، وابن أبي دينار في كتابه «المؤنس في تاريخ افريقية وتونس». وهو ما يؤكد على الأهمية الكبرى التي حظي بها جامع الزيتونة.
وجامع الزيتونة جامع بهيج يقع على ربوة تكاد تطل على كامل المدينة العتيقة، وهو في موقع الوسط بين الأسواق العديدة التي تحيط به من كل جانب، وأمامه بطحاء فسيحة ومرتبطة بمجموعة من الأنهج التي تكون بدورها تشكل شريان المدينة. ولجامع الزيتونة المكان الوسط بين الأبواب ذات الشكل الدائري، فهو لا يبعد كثيرا عن باب البحر والمسافة لا تزيد عن ثلاثمائة متر، ونفس المسافة تقريبا تفصله عن باب الجديد وباب الجزيرة وباب عليوة وباب منارة. وتزيد قليلا المسافة الفاصلة بين جامع الزيتونة وبقية الأبواب المكونة للمنظومة التقليدية لحراسة المدينة وهي في حدود الكيلومتر أو أكثر بقليل بالنسبة لباب الخضراء وباب العسل وباب سعدون. إلا أن انفتاح المدينة العربي على بعضها البعض وارتباط الأنهج فيما بينها يجعل هذه المسافة هينة بعد أن يدرك أهل المدينة أسرار أنهجها الضيقة.
وينسب أمر تشييد جامع الزيتونة إلى عبيد الله بن الحبحاب والي هشام بن عبد الملك على إفريقيا، كما ينسب إلى حسان بن النعمان فاتح تونس، فيكون أمر بنائه لأول مرة سنة 79 للهجرة، وهذا هو الأرجح لدى المؤرخين، إذ من غير المنطقي أن تبقى مدينة في حجم تونس دون مسجد بين 79 هجرية و116 للهجرة تاريخ قدوم ابن الحبحاب.
وقد بني هذا الجامع بمواصفات فريدة إذ أنه ظل ولمدة قرون محور اهتمام الخلفاء والأمراء الذين تعاقبوا على تونس. وهو يتميز ببيت صلاة على شكل مربع غير منتظم يحتوي على 15 مسبكة و7 بلاطات عريضة. ومساحة بيت الصلاة 1344 مترا مربعا وهي مغطاة بسقوف منبسطة. ويوجد أمام بيت الصلاة صحن دون أروقة وهو مسيج بجدران مدعمة في الركنين ببرجين. واعتمد في بنائه بالأساس على الحجارة مع استعمال الطوب في بعض المواقع. ويحتوي مسجد الزيتونة على أجمل ختمة للقرآن الكريم كتبت في تونس، وقد تم الانتهاء منها وإهداؤها للمسجد أيام الشيخ تاج الدين البكري في أواخر القرن 12 للهجرة. وتوجد بالمسجد كذلك ساعة لضبط أوقات الصلاة حسب الفصول، وكانت في زمنها من أتقن الصناعات وأكثرها دقة في ضبط الوقت. وتتميز قبة محرابه بزخرفة كامل المساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف بالغة الدقة وهي دون شك تعتبر أنموذجا فريدا من نوعه في العمارة الإسلامية في عصورها الأولى. ومثلما اختلف الرواة حول باني المسجد الجامع، فقد اختلفوا كذلك حول جذور التسمية. فمنهم من ذكر أن الفاتحين الأولين وجدوا في مكان الجامع شجرة زيتون منفردة فاستأنسوا بها وقالوا: «إنها لتؤنس هذه الخضراء وأطلقوا على الجامع الذي بنوه هناك جامع الزيتونة». وبالإضافة إلى الدور الديني المهم الذي لعبه جامع الزيتونة كمنارة للعلم والمعرفة، فقد تخرج من أروقته علماء أفذاذ ومصلحون ذوو صيت كبير. كما لعب أدوارا متقدمة في مختلف مراحل النهضة الاجتماعية والثقافية التي عرفتها بلاد المغرب العربي. ولم تكتف جامعة الزيتونة بالتالي بلعب دور المنارة التي تشع بنورها على العالم بعلمها الصحيح ومعارفها القيمة، بل كانت إلى جانب ذلك قاعدة التحرر والتحرير من خلال تخرج دفعات من الزعامات الوطنية التي سعت إلى ترسيخ الوعي بالهوية العربية الإسلامية للبلاد خاصة إبان سنوات الاستعمار.
وقد تخرج الشيخ العلامة عبد الحميد من باديس من جامع الزيتونة سنة 1911 م بعد 03 سنوات من الجد والاجتهاد أثمرت بحصوله على شهادة التطويع وقد نجح في امتحان التخرج نجاحا باهرا، إذ حصل على الرتبة الأولى ضمن قائمة جميع الناجحين في تلك الدورة، وكان الطالب الجزائري الوحيد الذي تخرج في دفعة تلك السنة من الجامع وذلك بناء على وجوده في رأس قائمة الناجحين التي نشرتها جريدة “المشير” التونسية. وقد وبقي بعد التخرج سنة أخرى يُدرس ويَدرس على عادة المتخرجين في ذلك العهد.
{AG}zaitouna{/AG}