الإشراف التربوي في مدارس جمعية العلماء المسلمين ج1
بقلم: د. توفيق جعمات-
لم تكن مدارس جمعية العلماء المسلمين مجرد فصول تعليمية أو كتاتيب تتوخى رفع الأمية والجهل المتفشي في الأمة وتقتصر على تعليم أوليات العلوم، كالأجرومية وقطر الندى أو رسالة أبي زيد القيرواني أو متن خليل … وإنما كانت مؤسسات حرة مستقلة عن نظر الاستعمار، تستهدف بناء قاعدة صلبة من المربين والمعلمين ترتقي من خلالهم الأمة من الوهدة التي تردت فيها بعد قرن من الاحتلال، وتحيي بهم ما اندرس من علم وحضارة عرفت بها الأمة في عصورها الزاهرة، وهذا لن يكون إلا من خلال فكرة كامنة وراء هذا التعليم، توجهه وتحدد غاياته وتوحد التصور حول قضاياه، وتوحد أساليبه ووسائله وتضع مناهجه ومقرراته، وقد كان هذا متحققا بفضل هيئات إشراف تشظّت عنها صدفة الإبداع في جمعية العلماء المسلمين، من أهمها «لجنة التعليم العليا» التي وصفها الشيخ عبد الرحمن شيبان بأنها: وزارة تربية شعبية.
وهذه الهيئة لم تكن أول آليات الإشراف التربوي وإنما كانت ذروة السنام في جملة آليات متابعة وإشراف، وكانت قبلها آليات أخرى تناسبت ومراحل التعليم ومدى انتشاره في القطر، ومن هذه الآليات المبكرة ما يلي:
آليات الإشراف الإداري: ويتم ذلك بعدة وسائل أهمها التقارير التي يعدها مديرو مدارس التربية والتعليم التي ترفع إلى المكتب الإداري لجمعية العلماء المسلمين بشكل دوري، ومن خلال تقارير الشُعَب الولائية للجمعية، ومن خلال تقارير «المتفقدين» الذين تنتدبهم الجمعية لتفتيش الولايات سنويا، أومن خلال متفقدي جريدة البصائر الذين يجوبون كل مدن القطر سنويا لتحصيل الاشتراكات ويرفعون بالإضافة إلى ذلك تقارير مفصلة تنشر أسبوعيا في البصائر عن نشاط جمعية العلماء في المدارس والمساجد والنوادي، ومن أشهر المتفقدين الجوالين في الثلاثينيات الشيخان على مرحوم وأحمد حماني.
آليات الإشراف التربوي: وتكون بتوحيد التصورات حول غايات التعليم وأهدافه ومضامينه ومناهجه ووسائله، ومن أهم هذه الآليات «مؤتمرات المعلمين الأحرار»، التي كانت الجمعية تقيمها قبل ظهور لجنة التعليم العليا، وهي ملتقيات يحضرها كل معلمي المدارس الحرة ويتباحثون فيها حول مسائل التعليم والمشكلات التي تعترضهم في الميدان، ويتبادلون فيها التجارب الناجحة، ومن أشهر تلك المؤتمرات ذلك الذي دعا إليه الشيخ عبد الحميد بن باديس في 22/23 مارس 1937، الذي انعقد بنادي الترقي بالعاصمة، وجاء في نص الدعوة أن الغاية من هذا الملتقى هي: الوصول إلى توحيد مناهج التعليم العربي، وهناك ملتقيات أخرى للمعلمين الأحرار عقدت بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس، منها مؤتمر المعلمين الأحرار الذي عقد بقسنطينة في 6 مارس 1946 ، والمؤتمر الذي عقد في العاصمة في سبتمبر 1946. التوجيه التربوي القيادي: وهذا يضطلع به رئيس جمعية العلماء، وفي فترة الشيخ عبد الحميد بن باديس كان هو من يتولى التوجيه خاصة ما يتعلق بالمقررات والمناهج، وبعد وفاته كان الشيخ البشير الإبراهيمي يضطلع بهذا التوجيه من خلال المقالات التي كانت مخصصة للمعلمين والتي تحتوي على توجيهات عامة مثل مقالات : « إلى أبنائنا المعلمين الأحرار» و « كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار» و « حقوق الجيل الناشئ علينا»… أو ما كان تقنيا خاصا بالمعلمين مثل « مرشد المعلمين» وهو منهاج تفصيلي للسنوات الست من التعليم الابتدائي في مدارس التربية والتعليم، وهو بالإضافة إلى احتوائه مراجعَ مقترحةً لكل مستوى، فإنه يضم أصولا هامة من علوم التربية، وقد وضعه الإبراهيمي أثناء الإقامة الجبرية بآفلو.
لجنة التعليم العليا: تأسست هذه اللجنة بعد أن قطع التعليم الحر مراحل كثيرة ، وتجاوزت مدارسه المائة و تجاوز معلموه المتفرغون المائتين، وقد ظهرت للوجود بقرار من المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين في 13 سبتمبر 1948 لتتولى الإشراف على كل مسائل التربية والتعليم بالمدارس الحرة، وسنحاول في هذه العجالة أن نلم شعث المعلومات المبعثرة حولها في المجلات والمراجع في عِقد يظهر عبقرية رجال الجمعية، وتفننهم في الاهتمام بمقومات هذه الأمة التي كان الناشئة يتربون عليها في تلك المدارس.
1- التشكيلة البشرية للجنة التعليم العليا: أ- التشكيلة الأولى اللجنة : ظهرت في 1948 وهي تتكون من أحد عشر شيخا من قدماء المعلمين، من ذوي الخبرة والتجربة، انتقتهم قيادة الجمعية وهم: إسماعيل العربي، أحمد حماني، وعلي مرحوم، وأحمد رضا حوحو، وأبو بكر الأغواطي، والعباس بن الشيخ الحسين، وعبد القادر الياجوري، والصادق حماني، ومحمد الغسيري، وأحمد بن ذياب، ومحمد الصالح رمضان. وقد انبثق عن هذه اللجنة مكتب دائم يتكون من ثلاثة مشايخ هم: إسماعيل العربي رئيسا أبو بكر الأغواطي عضوا محمد الغسيري عضوا وتجتمع اللجنة بكامل أعضائها مرتين في السنة، مرة قبل الدخول المدرسي، ومرة بعد انتهاء الموسم الدراسي، أما المكتب فله لقاءاته الدورية.
ب- التشكيلة الثانية للجنة: تم أحداث تعديل على تركيبة لجنة التعليم العليا في 14سبتمبر 1950 إذ أضيف إليها أعضاء ليعوضوا المغادرين، كالشيخ أبي بكر الأغواطي وأحمد حماني وأحمد رضا حوحو والعباس بن الشيخ الحسين وعبد القادر الياجوري، لصعوبة الجمع بين عدة مهام بالنسبة للمغادرين، فجلهم تقريبا من أعضاء المجلس الإداري للجمعية وكلهم منشغلون بالتدريس إن في مدرسة الأغواط بالنسبة للشيخ أبي بكر أو في معهد بن باديس بالنسبة لكل الآخرين، والأعضاء الذين الجدد هم المشايخ: باعزيز بن عمر، وأحمد سحنون، وأحمد بن بوزيد قصيبة… وقد أجريت تعديلات على بعض لوائحها من ذلك تغيير اسم « رئيس اللجنة» إلى « الكاتب العام» كما أصبح منصب الكتابة العامة بالانتخاب بين أعضاء اللجنة، وقد أسفرت عملية الانتخاب عما يلي: – باعزيز بن عمر كاتبا عاما – محمد الصالح رمضان نائبا عاما عن عمالة وهران – الصادق حماني نائبا عن عمالة قسنطينة.
ج- التشكيلة الثالثة: ظهرت هذه التشكيلة بعد الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين المنعقد في 30 سبتمبر 1951 حيث كان من بين قراراته إنشاء لجان فرعية تابعة للمكتب الدائم لجمعية العلماء ، ومن هذه اللجان: لجنة التعليم العليا وقد انتخبت اللجنة مكتبا دائما لها يتكون من: – الشيخ العربي التبسي رئيسا – العباس بن الشيخ الحسين – عبد القادر الياجوري – نعمان النعيمي – عبد الرحمن شيبان – أحمد حماني – الصادق حماني – عبد الحفيظ الجنّان والملاحظ أن هذه التشكيلة أو جلها هم من أساتذة معهد ابن باديس بقسنطينة، ورئيسها ( العربي التبسي) هو نفسه مدير المعهد الباديسي، ولعل قيادة الجمعية توخت في هذه التشكيلة تسهيل عمل اللجنة وسهولة لقاء أعضاء مكتبها ، بدليل نقل مقر مكتب اللجنة من العاصمة إلى قسنطينة في فاتح جانفي 1952، واستمر الشيخ العربي التبسي في إصدار بلاغات اللجنة في البصائر باسمه إلى عام 1953، بصفته رئيسا لها، ثم حصل تغيير في الرئاسة عند انتقال الشيخ العربي التبسي إلى العاصمة إذ أسندت رئاستها إلى الشيخ عبد القادر الياجوري ثم أعيد مكتبها إلى العاصمة في خريف 1954 وأصبحت بلاغات اللجنة تصدر باسم نائب رئيس الجمعية الشيخ محمد خير الدين، كما وانضم إليها آخرون مثل الشيخ حفناوي هالي وغيره وفي عام 1955 تم إسناد رئاستها إلى الشيخ أحمد حماني وهو آخر رئيس لها. وسنتم الكلام- إن شاء الله- عن لجنة التعليم بالتعرض إلى مهامها ووظائفها.
المراجع:
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي صراع بين السنة والبدعة أحمد حماني حياتي مذكرات أبو القاسم سعد الله جريدة البصائر: عدد 83/1937 ، عدد 206/1952، عدد168/1951، عدد59/1948.