نشاط جمعية العلماء المسلمين تحت رادار المخابرات الفرنسية
الصالح بن سالم

نشاط جمعية العلماء المسلمين تحت رادار المخابرات الفرنسية

بقلم: الصالح بن سالم-

رغم أن جمعية العلماء المسلمين أثناء تأسيسها بتاريخ 05 ماي 1931م ومن خلال قانونها الأساسي الذي صاغه العلامة محمد البشير الإبراهيمي يذكر صراحة بأن الجمعية تنأى عن ممارسة العمل السياسي. إلا أن المخابرات الفرنسية كانت تدرك جيدا بأن تلك المادة الفضفاضة ما هي إلا مناورة ومكيدة صاغها كل من الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي حتى لا تخضع الجمعية للقوانين الخاصة بالأحزاب السياسية، وكأنه استشراف مسبق من الشيخين، فعلى اثر مظاهرات 08 ماي 1945م قامت فرنسا باصدار قرار يلغي بموجبه جميع الأحزاب الجزائرية الموجودة في الساحة السياسية، واشترطت على هاته الأحزاب أن تغير من تسميتها ان هي أرادت العودة للساحة (حزب الشعب بقيادة مصالي الحاج تحول لحزب حركة الانتصار الحريات الديمقراطية، وحركة أحباب البيان والحرية بقيادة فرحات عباس تحول لحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري). لكن جمعية العلماء لم ينطبق عليها هذا الاجراء وبقيت تنشط بشكل عادي.

هذا النشاط للجمعية كان تحت مراقبة مستمرة ومكثفة من قبل الشرطة الفرنسية وجناحها المخابراتي التي كانت تضع تقارير دورية لكل نشاطات وتحركات شيوخ الجمعية داخل وخارج الجزائر، وقد قام الدكتور نور الدين ثنيو أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الأمير عبد القادر بجرد هاته التقارير ووضعها في هذا الكشاف الذي بين أيدينا، والذي صدر سنة 2011م ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية.

وقد تضمن هذا العمل القيم أخبار جمعية العلماء بأرشيف قسنطينة، ويقدر عدد التقارير الخاصة بها أكثر من 180، كما أرفق العمل بملحق يضم قائمة الدوريات الجزائرية والفرنسية والمغاربية التي تضمنت معلومات عن جمعية العلماء المسلمين بين (1931-1956م).

ومن بين التقارير الفرنسية التي كانت تخص جمعية العلماء والتي تتواجد بأرشيف قسنطينة نذكر:

1/- تحركات الشيخ العربي التبسي بين مختلف المدن والقرى الجزائرية التي زارها والشخصيات التي التقى بها ونوع الخطب التي قدمها في مساجدها، وأعتقد بأن العربي التبسي رحمه الله وصلت تحركاته المزعجة لأن تقرر المخابرات الفرنسية التخلص منه بتلك الطريقة البشعة التي يعلمها الجميع من خلال اذابة جثته في زيت محركات السيارات.

2/- المدارس الحرة التي كانت تفتح وتشيد في مختلف القرى والمداشر من قبل الجمعية، فقد كانت المخابرات تتبع هاته القضية بدقة، وكانت تضع عنها تقارير حول تاريخ ومكان افتتاح المدرسة ومن طرف من ومن هو مديرها وأساتذتها ونوع البرامج المقدمة بها والتلاميذ المتخرجين منها، وقد شكل هذا الملف ازعاجا كبيرا جدا للسلطات الاستعمارية التي كانت تراهن على المدارس الفرنسية النظامية لغسل دماغ الأطفال الجزائريين، ومحو هويتهم العربية الإسلامية إلا أن مدارس التهذيب كانت تقف لهذا المشروع بالمرصاد.

3/- الاجتماعات التي كانت تعقد بين شيوخ الجمعية في مختلف المناسبات الرسمية وغير الرسمية مثل الأفراح والجنائز، والتي لم تكن تخفى عن أين المخابرات الفرنسية حيث كانت تسجل كل التفاصيل عنها، فعلى سبيل المثال جنازة الشيخ محمد الميلي بتاريخ 10 فيفري 1945م ذكرت هاته التقارير بأن عدد الحضور تجاوز 4000 شخص.

4/- النشاط الإعلامي للجمعية والذي كان في منحنى تصاعدي (البصائر، الشهاب، السنة، الصراط، الشريعة)، فقد كانت المخابرات الفرنسية تسجل كل صغيرة وكبيرة عن هاته الجرائد من إدارتها وعناوين المقالات وأصحابها ونوعية هاته المقالات والخطر الذي تشكله على الأمن القومي الفرنسي، وهو ما جعلها تقوم دوريا بتوقيف نشاط هاته الجرائد.

5/- التمويل المالي للجمعية كان تحت الرقابة هو الآخر، وكان يشكل هاجسا كبيرا للمخابرات الفرنسية بسبب الاشتراكات الكبيرة التي كانت تجمع، والتي تؤكد روح التضامن الوطنية أثناء عملية تشييد المساجد والمدارس والمعاهد، وكانت فرنسا تتخوف أن ينتقل الأمر سرا لشراء الأسلحة والذخيرة.

6/- دوريات الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي داخل وخارج الجزائر، فقد كانا يخضعان لمراقبة خاصة لما يشكلانه من تهديد ضمني وصريح للسلطات الفرنسية خاصة لما شاهدوا ذلك الاستقبال الكبير الذي يحظى به الشيخين عند زيارة مختلف القرى والمداشر الجزائرية.

7/- من التقارير التي وضعتها المخبارات الفرنسية محذرة السلطات العليا من نشاط وتأثير الجمعية وسط الجزائريين ذلك المؤرخ في شهر جويلية 1944م حيث يذكر حرفيا: (نفوذ متزايد للعلماء في الأوساط الأهلية بلغ المقاهي والسينما وحتى الحانات في كل من برج بوعريريج وسطيف وقسنطينة وسكيكدة وجيجل وعين البيضاء وبجاية ...).

كل هذا الرعب الذي كان يتملك السلطات الفرنسية ومخابراتها من نشاط الجمعية، ويأتي اليوم معتوه ومعقد هوياتيا ويقول بكل بساطة بأن الجمعية كانت موالية لفرنسا ولم تساهم في تفجير الثورة التحريرية.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.