الأمير عبد القادر الجزائري
علم مجاهد، ومقاوم شاعر، بايعه الجزائريون عام 1832 أميرا لمقاومة المستعمر الفرنسي. مرت حياته بثلاث مراحل أساسية، الأولى قضاها في طلب العلم والتعرف على أوضاع البلدان العربية في طريق الحج، والثانية عاشها في الجهاد ومقاومة العدو، وقضى الثالثة أسيرا في فرنسا ثم مناضلا محتسبا في دمشق.
المولد والنشأة
ولد الأمير عبد القادر سنة 1807 في قرية القيطنة بولاية وهران الجزائرية.
الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه الأولي بالزاوية التي كان يشرف عليها أبوه محي الدين شيخ الطريقة الشاذلية، وانتقل بعد ذلك إلى مدينة وهران، فتلقى عن عدد من علمائها أصول العلوم، كالتاريخ والفلسفة والرياضيات والأدب العربي وعلم الفلك والطب وغير ذلك.
التجربة السياسية
اصطدم والده محي الدين بالحاكم العثماني لمدينة وهران، فوضعه تحت الإقامة الجبرية في بيته، وفي عام 1825 سمح له بأداء فريضة الحج فخرج وابنه عبد القادر.
زار عبد القادر خلال تلك الرحلة العديد من الدول العربية بداية من تونس ثم مصر فالحجاز وصولا إلى بلاد الشام فالعراق التي زار فيها ضريح عبد القادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية التي تضم الزاوية التي كان يشرف عليها والده.
بعد ذلك مر على الحجاز، وفي عودته إلى الجزائر عرج على مصر وطرابلس واستقر في قريته (القطنة)، ومكنت الرحلة عبد القادر ووالده من الابتعاد عن سيطرة حاكم وهران الذي كان متخوفا من النفوذ العقائدي لعبد القادر ووالده محي الدين.
بعد عامين من ذلك تعرضت الجزائر للاحتلال الفرنسي في شهر محرم عام 1246 الموافق 5 يوليو/تموز 1830، وهي المرحلة الأهم في حياته لما حفلت به من تطورات خطيرة تتعلق بمواجهته للفرنسيين، فبعد أن اعتذر أبوه عن قيادة المقاومة الشعبية تولى هو قيادتها.
وبويع على الجهاد في رجب 1248 الموافق نوفمبر/تشرين الثاني 1832، وحصلت له البيعة العامة بمعسكر في 17 رمضان 1248، الموافق 4 فبراير/شباط 1833.
سارع لتشكيل حكومته ووضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة، وجمع المتطوعين وكون جيشا قويا وحقق نجاحات أرغمت قائد الجيش الفرنسي في وهران "دي ميشال" على عقد اتفاق هدنه معه في 26 فبراير/شباط 1834.
وتنص الاتفاقية على هدنة أقرت له من خلالها فرنسا سلطته على منطقة الغرب الجزائري ومنطقة الشلف، لكن الاستعمار لم يلتزم ببنود المعاهدة وخرقها عدة مرات.
أجبر مرة أخرى الفرنسيين في 30 مايو/أيار 1837 على المفاوضات معه وإمضاء معاهدة التافنة، التي تعترف بسيادته على الناحية الغربية والوسطى من الجزائر، والتي أمضاها الجنرال الفرنسي بيجو.
كرر الفرنسيون خرق الهدنة، ونهجوا سياسة الأرض المحروقة باستعمال أساليب وحشية في قتل الأطفال والنساء والشيوخ وحرق كلي للمدن والقرى المساندة له.
ولخص الجنرال بيجو تلك السياسة في تهديد موجه لرجال الأمير "لن تحرثوا الأرض، وإذا حرثتموها لن تزرعوها، وإذا زرعتموها لن تحصدوها"، وهي السياسة التي أدت إلى سقوط مدنه ومراكزه العسكرية، وأرغمته على شن حرب العصابات (1844-1847).
مع استمرار الضغط الفرنسي عليه لجأ إلى المغرب الأقصى أملا في دعم السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن، لكن ضغوط الفرنسيين وتهديدهم باحتلال المغرب حال دون ذلك، فاضطر الأمير إلى إعلان استسلامه في ديسمبر/كانون الأول 18477.
فنُقِل إلى سجن بمدينة "بو" في الجنوب الفرنسي ثم في آمبواز بإقليم اللوار، لكن قرر نابليون الثالث فيما بعد إطلاق سراحه، فسافر إلى تركيا في 2 ديسمبر/كانون الأول 1852، ومنها انتقل إلى سوريا واستقر بمدينة دمشق بداية من 18555، حيث درَّس في المسجد الأموي وقبل ذلك في المدرسة الأشرفية وفي المدرسة الحقيقية.
احتضنت منازله وحمت أكثر من 15 ألف مسيحي بعد أحداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين عرفتها دمشق عام 1860، وهو الموقف الذي كان محل إشادة عالمية.
المؤلفات
كتب الأمير عبد القادر عددا من المؤلفات كـ"المقرض الحاد"، و"السيرة الذاتية"، و"ذكرى العاقل" الذي ترجم مرتين وكان يعرف باسم "رسالة إلى الفرنسيين"، و"المواقف" بالإضافة إلى رسائل أخرى.
الوفاة
توفي الأمير عبد القادر بدمشق في 26 مايو/أيار 1883 عن عمر ناهز 76 عاما، ودفن بحي الصالحية بجوار الشيخ ابن عربي تنفيذا لوصيته، وفي عام 1965 تم نقل جثمانه إلى الجزائر ودفن في المقبرة العليا.
المصدر: الجزيرة