طاهر الجزائري.. العازب الذي أدمن القهوة طلبا للعلم
طاهر بن صالح الجزائري، عالم وتربوي سوري من أصل جزائري، بذل جهودا مهمة لتطوير قطاع التعليم، وقد عرف بانتقاده للوجود العثماني واضطر للهجرة إلى مصر بعد أن ضاق الأمن بأفكاره ونشاطاته.
المولد والنشأة
ولد طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري السمعوني عام 1852 في دمشق، لعائلة علم جزائرية تنتمي لقبيلة سمعون الأمازيغية، وكان أبوه قد تقلد منصب الإفتاء على مذهب الإمام مالك في دمشق بعد قدومه إليها عام 1847، بعد نفي الأمير عبد القادر الجزائري. وقد نشأ طاهر في دمشق وقضى فيها معظم حياته، وعاش دون أن يتزوج متفرغا للعلم وتحصيله.
الدراسة والتكوين
درس على والده مبادئ العلوم العربيّة والشرعيّة، ثم التحق بالمدرسة الجقمقية المجاورة للجامع الأموي بدمشق، حيث تلقى العلم على عبد الرحمن البستاني والفقيه الأصولي عبد الغني الغنيمي الميداني والشيخ عبد الرحمن البوشناقي.
أتقن العربية والتركية والفارسية إلى جانب لغته الأمازيغية، ودرس على العلماء الأتراك العلوم الطبيعيّة والرياضيّات والفلك والتاريخ.
خلال فترة دراسته وما بعدها، كان حريصا على اغتنام وقته والانتفاع به في طلب العلم ونشره، مما جعله يدمن على شرب القهوة لتساعده على السهر للمطالعة، وكانت الكتب رفيقه الدائم أينما حل وارتحل.
الوظائف والمسؤوليات
تولى التدريس في المدرسة الظاهرية الابتدائية، وشغل عضوية "الجمعية الخيرية" التي تحولت إلى "ديوان معارف" في عهد والي الشام مدحت باشا. ثم عُيّن مفتشا عاما على المدارس الابتدائية، وفي عام 1898 عُيّن مفتشا على دور الكتب العامة.
التجربة العلمية والسياسية
بعد صحبته للعديد من العلماء في دمشق وتقلده لوظائف في قطاع التعليم، برز الشيخ طاهر الجزائري ناشطا سياسيا ومصلحا تربويا إلى جانب كونه واحدا من أبرز علماء عصره.
ومن خلال عمله في قطاع التعليم أدرك سبب الانحطاط الذي تعاني منه الأمة واختزله في ضعف مناهج التعليم، فعمل على النهوض بالمدارس وتطوير برامجها، وحمّل ما يسميه الاستبداد العثماني المسؤولية عن تردي قطاع التعليم.
عُرف الشيخ طاهر الجزائري بمعاداة الاستعمار والوجود العثماني في سوريا وغيرها من البلدان العربية.
في عام 1878 شارك في تأسيس "الجمعية الخيرية"، وهي الأساس الذي قام عليه التعليم الحديث في دمشق، إذ تحولت لاحقا إلى "ديوان المعارف".
وحظيت هذه الجمعية بدعم الوالي التركي في ذلك الوقت مدحت باشا، وقامت بفتح مدارس كثيرة لمواجهة تحدي النشاط التعليمي للإرساليات التبشيرية التي توالت على دمشق حينها.
وضمن جهوده، نقل الشيخ طاهر التعليم في دمشق من الكتاتيب وحلقات المساجد إلى المدارس العصرية، وبذل جهدا كبيرا في إنشاء المدارس وإصلاحها.
وقامت فلسفته التربوية على التوفيق بين الدين والعلم والاهتمام بالصحافة، ووصفه كثيرون برائد النهضة العلمية في بلاد الشام.
هذا التوجه لخّصه المفكر السوري محمد كرد علي بالقول "في هذه الحقبة ظهر نبوغ شيخنا وعبقريته في تأسيس المدارس واستخلاص القديمة من غاصبيها، وحمل الآباء على تعليم أولادهم، ووضع البرامج وتأليف الكتب اللازمة".
في جانب العلوم الدينية، كانت له عناية خاصة بكتب ابن تيمية، كما اعتنى بمناظرات رجال المذاهب وعلماء الكلام.
وعن كيفية إدراك العقل لوجود الخالق عزو وجل، يقول الجزائري "اعلم أن العقل لا يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل.. فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أساس".
تقول المصادر إن الشيخ طاهر أنكر الجمود العلمي والتعصب المذهبي، وإنه عرف بالزهد والانقطاع للنشاط الإصلاحي والعلمي، حيث عاش حياته كلها أعزب.
وقد أثرى معارفه بالسفر إلى القدس وإسطنبول وبعض الدول الأوروبية، وأبدى إعجابه بالمدنية الغربية رغم كرهه للاستعمار، ودعا للنهل من الحضارة الغربية، وقال في هذا الصدد "إن الاقتباس عن الأمم المترقية دليل على النباهة لا كما يظن البله من أن في الاقتباس غضاضة".
ويعزى له الفضل في ظهور أدباء من أمثال محمد كرد علي، ومحب الدين الخطيب، ومحمد سعيد الباني، وسليم الجزائري؛ كونهم من أبرز تلامذته.
وبعد أن أثارت نشاطاته وأفكاره حفيظة الأمن في دمشق، اضطر الشيخ طاهر للرحيل إلى مصر عام 1907، حيث عكف على القراءة والتأليف والبحث.
يقول عنه أنور الجندي "والحق أن الشيخ طاهر الجزائري العملاق لم يكن قوي الأثر في هذه المجموعة من رجال الشام وحدها، ولكنه كان عميق الأثر في المجموعة التي عرفها وعاشرها في القاهرة خلال حوالي 144 عاما أقامها في مصر. وقد ألهب وجدان من عاشره وخاصة الأحمدان، أحمد تيمور باشا، وأحمد زكي".
وقد عاد الشيخ طاهر الجزائري إلى دمشق عام 1919 بعد قيام ما سميت حينها بالدولة العربية.
المؤلفات
ألف طاهر الجزائري كتبا عدة منها: "منية الأذكياء في قصص الأنبياء"، و"الإلمام بأصول سيرة النبي عليه الصلاة والسلام"، و"توجيه النظر في أصول الأثر"، و"الجواهر الكلامية في إيضاح العقائد الإسلامية"، وتفسير للقرآن في أربعة مجلدات مخطوطة في المكتبة الظاهريّة.
وله في مجال الأدب: "مراقي علم الأدب"، و"تسهيل المجاز إلى فني المعمّى والألغاز"، و"التقريب إلى أصول التعريب"، و"شرح خطب ابن نباتة"، و"روضة العقلاء لابن حبّان"، و"الأدب والمروءة لصالح بن جناح".
الوفاة
يوم 5 يناير/كانون الثاني 1920، توفي طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري السمعوني في دمشق ودفن في سفح جبل قاسيون تنفيذا لوصيّته.
المصدر: الجزيرة