عبد الحق شقيق العلامة عبد الحميد بن باديس: عبد الحميد ترك إرثا حضاريا كبيرا حبذا لو يقتدى به
حاورته: سناء بلال-
لا تمر سنة دون أن تحتفي الجزائر بيوم العلم الموافق لـ16 أفريل لإبراز مآثر شخصية فذة أسهمت بإصلاحاتها الفكرية في تكوين الهوية الجزائرية، إنه العلامة عبد الحميد ابن باديس الذي وهب حياته لشر العلم فاتخذت ذكرى وفاته يوما للعلم، ورغم مرور أزيد من 81 سنة على رحيل العلامة ابن باديس، إلا أن شقيقه الأصغر الأستاذ عبد الحق مازال يذكر جوانب من حياة أخيه الأكبر، خاصة أنه توفي أمامه وكان عمره يقارب العشرين حينها ولمعرفة بعض من جوانب حياة العلامة كان لنا هذا الحوار مع شقيقه الأصغر الأستاذ عبد الحق.
أولا عرفنا بالعائلة الباديسية من الأبوين إلى الاخوة الثمانية؟
أنجب والدي ثمانية أبناء فكان عبد الحميد أكبرنا وكنت أنا الأصغر في العائلة حيث كنت شقيقه وأيضا تلميذه، حيث تتلمذت على يديه منذ 1937 إلى أن وافته المنية بعدما أكملت تعليمي إلى غاية 1940 على يد الشيخ مبارك الميلي، كما إني كنت في الأيام الأخيرة أقوم بتمريض عبد الحميد إلى أن وافته المنية رحمه آلله نحن من عائلة قسنطينية أصيلة أبونا يدعى محمد المصطفى ووالدتنا زهيرة وهي أيضا من عائلة عريقة بن جلول والدي كان فلاحا إذ كنا نمتلك أراضي زراعية في شعبة الرصاص بقسنطينة وأخرى في الخروب ووادي زناتي .
يقال أنه كان الفضل الكبير لوالدكم في دعم ومساعدة العلامة ابن باديس كيف ذلك؟
والدي رحمه الله وبحكم مكانته الاجتماعية والمالية المرموقة في ذلك الوقت، استطاع حماية شقيقي ودعمه، فوالدي كان يمارس الفلاحة ولكنه لم يقم بإقحام ابنه البكر عبد الحميد في هذا الميدان. حيث أدخله المدارس العربية واختار له طريق العلم فحفظ القرآن الكريم كله على يد الشيخ ”المداسي” ثم قدمه الوالد للشيخ ”حمدان لونسي” ليتعلم منه العلوم الشرعية الأخرى، هذا الأخير لمح لوالدي أن يبعث عبد الحميد إلى جامع الزيتونة بتونس ليكمل تعليمه ودراسته هناك، وبعد أن عاد إلى قسنطينة عزم على التدريس بالجامع الكبير لكن المفتي الرسمي منعه، هنا طلب المساعدة من الوالد على التدريس بالجامع الكبير وفي هذه الفترة استعمل والدي نفوذه وسمح لعبد الحميد بالتدريس وكانت هذه ضربة قاضية للإدارة الاستعمارية.
ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك حدثنا عن جو رمضان في العائلة الباديسية وكيف كان يقضي العلامة عبد الحميد ايامه في شهر رمضان؟
كنا نحن الإخوة الصغار نجتمع ساعة الافطار حول طاولة صغيرة، بينما يلتف والدنا والعلامة عبد الحميد وشقيقي العربي وابن عمنا حول المائدة جلوسا على الأرض، وكنت أجلس معهم لأني كنت أقوم بتقديم الماء لهم لغسل أيديهم قبل وبعد الإفطار، حيث كانت المائدة تتكون من صينية من النحاس وكان والدي يفضل الإفطار بالحليب وفطيرة مصنوعة بالبيض أو كما يسمى سفنج، اما العلامة عبد الحميد فيتناول الشوربة الحمراء أو “الجاري” بالكسرة إضافة إلى أطباق أخرى قسنطينية تحضرها الوالدة، كما كان اخي عبد الحميد يضيف في رمضان درسا آخر بعد الظهر حيث يقدم درسه الأول لأستاذه جمال الدين الافغاني بعد صلاة الصبح و يواصل دروسه إلى صلاة العصر من دون انقطاع ويجعل حصة بعد العشاء لتفسير القرآن الكريم. أما عن الدرس الذي يضيف في رمضان فيخص تفسير موطأ الإمام مالك، أشير هنا إلى أنه عند بلوغ عبد الحميد سن 11 سنة قدمه شيخه المرداسي فصلى بالناس التروايح لمدة ثلاث سنوات .
كم عدد المرات التي حج فيها العلامة عبد الحميد؟
حج الشيخ عبد الحميد مرة واحدة عام 1912 وكان عمره 23 سنة، إذ توجه برا إلى الحجاز فأدى الحج ومكث قرابة السبعة أشهر زار خلالها تونس وليبيا ومصر التي ألقى فيها دروسا بالقاهرة والإسكندرية، كما ألقى دروسا في الحرم الشريف وفي المدينة المنورة و سافر أيضا إلى فرنسا في مهمة نضالية عبر الباخرة من الجزائر العاصمة رفقة العمودي والطيب العقبي والبشير الإبراهيمي .
حديثنا عن حقيقة الصراع بين العلامة عبد الحميد وأصحاب الزوايا؟
كان الصراع بينه وبين أصحاب الزوايا المنحرفة والتي تدعو إلى ضلال السبيل والتي تحرف شرع الله اما الزوايا التي كانت تقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه للناس فلم يكن بينها وبين الإمام أي عداوة تذكر، وبالمناسبة أذكر أنه في سنة 1990 نظم بالعاصمة ملتقى حول فكر الزوايا وكنت من ضمن المدعوين إليه وخلال إحدى جلساته تكلم أحد الحضور قائلا ان الشيخ عبد الحميد بن باديس كان يعارض فكرة الزوايا ويحاربها فكيف لشقيقه أن يحضر اليوم معنا بالطبع فقد أجبته أن الشيخ بن باديس لم يكن يعادي إلا الزوايا ذات الفكر المنحرف أو ذات المنهج الضال وضربت لذلك عدة أمثلة على بعض الزوايا التي كان شقيقي الإمام يكن لها احتراما كبيرا لتوسعها في تعليم القرآن والذود عن الدين.
ما هي أهم ذكرياتك مع الشيخ عبد الحميد والتي تركت أثرا في نفسك؟
أتذكر مرة أنه غضب والدي من أحد إخوتي فصاح في وجه قائلا “صدق تعالى عندما قال إنما أموالكم و أولادكم فتنة ” فنهض هنا عبد الحميد وقال له ”أكمل يا والدي وآلله عنده أجره عظيم” فرد عليه والدي بغضب ومرح قائلا ” الأجر اديوه انتوما ” كما حدت مرة وأن التف حول المائدة أفراد العائلة في أحد أيام رمضان وفجأة خرج أحد إخوتي من المقصورة فقال له عبد الحميد خير لك أن تصلي معنا ونحن في شهر رمضان فابتسم شقيقي ورد قائلا لكنني سمعت أن من عائلة الإمام العالم يدخل آلله اربعين فردا الجنة، فرد عبد الحميد ومن أدراك بأنني سأدخل أنا الجنة حتى أدخلك معي، فرد اخي مبتسما إذ كنت أنت بتقواك هذا في الشك فأنا لن أصل أبدأ لا امل لي في الجنة وأذكر كذلك أنه في يوم من الأيام وبينما الشيخ عبد الحميد يتجول في السيارة كنت أنا برفقته فجأة طلب مني أن أخرج كراسة صغيرة وكتب فيها هذه الأبيات التي لم تسجل في أي كتاب وهي:كم عالم يسكن بيتا بالكراء وجاهل يملك دورا وقرى
لما قرأت قوله سبحانه “نحن قسمنا بينهم” زال المرار حيث مرت السنوات شيدت فيها المدن والفيلات وبقيت أنا اقطن بيتا متواضعا في حي شعبي .
هل تحدثتا عن خصوصيات مجهولة للعلامة عبد الحميد؟
كان إخوتي ينادون عبد الحميد سيدي وكان هو ينادي والدي سيدي بينما يناديه والدي الشيخ وفي غيابه يناديه إخوتي سيدي حامد كما لم يكن عبد الحميد يذهب إلى السوق أبدأ، حيث كان والدي يتكفل بكل شيء كما صادف في وفاة أخي عبد الحميد رحمه الله تواجد البشير الإبراهيمي في المنفى بتلمسان لهذا تكفل مبارك الميلي بمراسيم التأبين، كما لم يحدث وإن عانى عبد الحميد من أي مرض وحتى من أي ألم لكن التعب والإرهاق هم سبب وفاته المبكرة، حيث وصل به الحال لأن يقدم في اليوم 14 درسا من الفجر إلى العشاء كما كان الشيخ عبد الحميد ينوي إرسال بعثة من الفتيات للدراسة بالمشرق، لكن أمنيته لم تتحقق أولا لقيام الحرب العالمية الثانية وثانيا لوفاته.
كلمة أخيرة نختم بها حوارنا
أولا أشكر جريدة الحوار التي أتاحت لي فرصة هذا الحوار للحديث عن شخصية أسهمت بإصلاحاتها الفكرية في تكوين الشخصية الجزائرية، حيث ترك العلامة عبد الحميد إرثا حضاريا كبيرا حبذا لو يقتدى ويعمل به لتكوين ناشئة تساهم في تكوين الشخصية الجزائرية وازدهارا وتطور البلاد في عصر التكنولوجيا الحديثة.
عن جريدة الحوار بتاريخ 17 ماي 2021