من تاريخ الحركة الكشفية في بوسعادة -رجال ومواقف-
بقلم: محمد بسكر-
تعتبر الحركة الكشفية من أهم أدوات تنشئة الأجيال تربويا وفكريا، والأصل فيها أنها حركة تطوعية تربوية اجتماعية، لا علاقة لها بالتحزّب والمناكفة السّياسية، غير أنّ نشأة الكشافة الإسلامية في الجزائر في ظل الاستعمار الفرنسي في حدود سنة 1936م، جعل منها إضافة إلى مهامها في البعث الحضاري، أداة توعية وإحياء للروح الوطنية لمواجهة سياسة الاستعمار.
يعود تأسيس الفرع الكشفي (فوج الفضيلة) في بلدة بوسعادة إلى مرحلة متقدمة من ظهور اتّحادية الكشّافة الإسلامية الجزائرية سنة 1939م، ويعود فضل ذلك إلى السّيد بوعزيز المختار، ابن حيّ الشرفاء، وأحد الأعضاء الفدراليين للكشافة الإسلامية الجزائرية المؤقتة التي ترأسها الشهيد محمد بوراس (المتوفى سنة 1941م)، والمكوّنة من لاغا عمر، والصادق الفول, ورابح بوبريط, ومحمد مادة, والطاهر تجيني.
كان السّيد بوعزيز المختار يشغل مساعدا لأمين مال الكشافة الإسلامية، ووجوده ضمن الفدرالية سرّع في نشأة فرع بلدته، ومهدّ طريق الاتصال بين الشّهيد محمد بوراس والمحامي علي حركات بوعدي الذي استقبله في مكتبه ونسّق معه، وبداية من سنة 1940م ظهرت النّواة الأولى للعمل الكشفي ببوسعادة، على رأسها “علي عبد الكريم” مفوضا، و”حميدة عبد القادر” نائبا له، و”جعفر عمر” رئيسا للمجموعة الكشفية، و” كحيوش علي” رئيسا للأشبال، وغيرهم من الشباب الذين سيكون لهم دور كبير في العمل السّياسي والثوري مطلع الخمسينيات.
أربعينيات القرن العشرين
كانت مدينة بوسعادة في أربعينيات القرن العشرين تعجّ بالنّشاطات السّياسية كغيرها من المدن الجزائرية، ظهر فيها حزب الشعب الجزائري، وحزب البيان، والحزب الشيوعي، إضافة إلى جمعية العلماء المسلمين، وزارها من رجال السّياسة مصالي الحاج، وفرحات عباس، وابن جلول، وانخرطت ضمن هذه التيارات السّياسية طبقة مثقفة من الشباب المتحمس، منهم أعضاء من الفرع الكشفي، أمثال عبد القادر دلاوي، ومعيلبي موسى، وابن مبخوت عمر، وبوغلام علي… وغيرهم، ويذهب الأستاذ عبد القادر دلاوي إلى أنّ تنظيم الكشافة الإسلامية ببوسعادة يرجع الفضل في تأسيسه إلى حزب الشعب الجزائري، فمن سنة 1942 إلى غاية سنة 1947 كان التنظيم تحت تأطير حزب الشعب، وبداية من سنة 1947 بدأ حزب البيان وجمعية العلماء في تكوين فروع كشفية موازية. ورغم الاختلاف في التّوجهات السّياسية الذي أملاه الواقع والتدافع الحزبي، فإنّ التنسيق الجماعي والانضباط والولاء إلي الوطن، هو السّمة الجامعة لجميع أفراد العمل الكشفي.
أفادنا السّيد علي عبد الكريم المفوض العام للكشافة ببوسعادة في شهادته المسجلة في شهر ديسمبر سنة 2006م، أنّ الفرع الكشفي أثناء تأسيسه وجد الدّعم المادي من فرع جمعية العلماء المسلمين، ومن شخصيات اجتماعية وثقافية ساعدت في شراء المعدات، وجمع شمل الشباب، وغرس الروح الكشفية فيه، واستضاف الفرع الشهيد محمد بوراس في ثلاث أو أربع مناسبات، لم يحدد لنا تاريخ هذه اللقاءات، ونرجح أن يكون ذلك بين سنة 1939م/1940م، وأنّه (رحمه الله) رافق أفراد الكشافة في دورتين تدريبيتين خارج البلدة، ووضع الفوج في اتّصال مباشر مع فوج الفلاح بالجزائر العاصمة الذي كان يترأسه بوزار عبد الرحمن وعزيز قداش.
استطاع فوج الكشافة الإسلامية ببوسعادة، من خلال نشاط أفراده وحماستهم، استقطاب الكثير من الشباب في فترة وجيزة، وقد تفاعل الأهالي معهم، فكانت مشاركتهم مكثفة، من خلال الدّعم المادي الذي مكّن عناصر الفوج من شراء الملابس الخاصّة بهم، والكتب والآلات الموسيقية، وساهم بعض المثقفين في تكوين عناصر الفوج، وتعليمهم ما يتعلق بالتعاليم الدينية والتاريخية، أمثال محمد بسكر، وعلي حركات، وعلي ناجوي، يقول مفوض الفوج “علي عبد الكريم”:« إنّه بسبب اِتّساع دائرة نشاط الفوج ببوسعادة وخارجها، وبتعليمات من الشهيد محمد بوراس، تمّ تكليفهم بتأطير وإنشاء بعض الفروع الكشفية ببلدة المسيلة والجلفة »، كان الشهيد ” محمد بوراس” يثق في مفوض الفوج ويأتمنه عل أسراره، فقد ذكر في شهادته بأنّه استدعاه إلى بيته بالجزائر العاصمة وأبلغه بنشاطه داخل الوطن وخارجه.
شارك قادة الفوج في مؤتمرات ودورات تكوينية كثيرة، داخل البلدة وخارجها، ففي سنة 1941م انتقل وفد متكون من عبد الكريم علي، وحميدة عبد القادر، وكحيوش علي إلى الجزائر العاصمة للمشاركة في معسكر شبابي عقد بالرياض بمشاركة SMA والكشافة الفرنسية. كما احتضنت مدينة تلمسان سنة 1944م تجمعا وطنيا لإطارات الكشافة الإسلامية، ومثَّل فوج الفضيلة في هذا المؤتمر الشهيد حميدة عبد القادر وزيان طيار، استقبلت مدينة تلمسان قادة الكشافة بكلّ حفاوة ، وحظي الوفد بزيارة معظم المعالم الأثرية، وبصلاة الجمعة بدار الحديث التي يديرها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، لقد كان لهذا المخيم صداه داخل الوطن
نشاطات في كل اتجاه
لم يقتصر عمل الكشافة في بلدة بوسعادة على الجانب التكويني والتربوي لأفرادها، وإنّما ساهم أفرادها في نشاطات دينية وثقافية متنوعة، فكانت لها فرقة مسرحية اشتهرت بعروضها النّاجحة، ومن بين أعمالها مسرحية (فجر الإسلام) التي قُدّمت في سينما ابن سراج، وحضرها عباس فرحات، وأحمد فرانسيس، وفرنسيين ويهود، شارك في التمثيل فيها، حميدة عبد القادر، وعبد القادر دلاوي، ولخضر العمري، وشكيمي محمد، ومن أمثلة نشاطهم، مشاركتهم في تأطير وتنظيم الاحتفال الكبير الذي أقيم بحي أولاد احميدة ، وسط البلدة، بمناسبة تدشين صومعة الجامع، بتاريخ 18 جويلية سنة 1944م، وحضره أعيان البلد والحاكم الفرنسي ( LATAPIE ).
ظلّ العمل الكشفي قائما ببلدة بوسعادة إلى ما بعد أحداث 8 ماي 1945م، غير أنّ وما وقع فيها من مجازر في مناطق مختلفة من الوطن، دفع بعض المدن إلى التململ والاستعداد للانتفاضة، وقد أحسّ الاستعمار بأنّ هذه الحركة وراءها جيل من الشباب المُؤطّر، فبارد إلى تعطيل النشاط الكشفي عبر كامل الوطن وتوقيف قادته، وتمّ في بلدة بوسعادة إلقاء القبض على ثلاثة من الكشافة، وهم: حميدة عبد القادر، وطيار زيان، وبوغلام علي، وبعد محاكمتهم في المحكمة العسكرية تمّ الإعفاء عنهم.
وساهم أعضاء من الكشافة باقتراح من الشيخ نعيم النعيمي في تأسيس نادي أحباب البيان سنة 1953م ليكون مركزا لتكوين الشباب عقائديا وأخلاقيا، إضافة إلى النشاط الثقافي المتمثل في المحاضرات وإنشاء الروايات الأدبية والمسرحية، وانطلق تجسيد هذه الفكرة بثلاثة نفر من الكشافة، وهم ( عبد القادر دلاوي، وعبد الرحمن بن عطية، وعمر بن العبادي)، وبتاريخ 22 سبتمبر 1954م شهدت المنطقة انعقاد مؤتمر الشّبيبة الجزائرية برئاسة الأستاذ محمود بوريبة، بغابة عين غراب جنوب بوسعادة، وكان ممثل الشّبيبة البيانية (التّابعة لأحباب البيان) الشّهيد عبد القادر حميدة، بينما مثّل الكشافة الإسلامية المجاهد عبد الرحمان عطية، دام هذا الملتقى سبعة أيام حضرته شخصيات وطنية، وفي آخر يوم منه حضر فرحات عباس الذي خطب في الحضور بحماسة، يقول السّيد عيسى قاسمي: «كانت بالفعل منظمة الكشافة الإسلامية متأصّلة جدا ببوسعادة قبل الثورة، حيث تخرّج من صفوفها عدد كبير من الوطنيين والمناضلين المخلصين الذين التحقوا بالثورة المسلحة فور اندلاعها»، ومع قيام الثورة انخرط في العمل الثوري معظم المنتسبين إليها، وقدّمت ضريبة نضالها الوطني من أجل الاستقلال احدى عشر شهيدا من صفوفها، وهم: حميدة عبد القادر، وطيار زيان، وثامر بن يونس، ولقرادة بلقاسم، وخريصي عبد القادر، وكحيوش بوعلام، وابن عيسى علي، وبوتشيشة عبد الرحمان، ورحموني الطيب، وجعفر جلول، والعمري عبد الرحمان.
بعد استقلال الوطن تمّ إعادة إحياء العمل الكشفي وتنظيمه من جديد، حيث انعقد اجتماع في بيت المجاهد عبد الرحمن بن عطية، حضره عيسى قاسمي والهاشمي عطية والبشير والي ولخضر العمري وغلام عبد القادر وعبد القادر بسكر، وتمّ الاتّفاق على تنصيب السّيد والي البشير محافظا محليا، لتواصل الحركة الكشفية مسيرتها في معركة البناء والتربية، يقول الأستاذ عيسى قاسمي: « ففي مدة أيام قليلة جدا، استطعنا تعبئة المئات من الشباب المتحمس لبناء مستقبل الجزائر ».