طلبة عبد الحميد ابن باديس يلتحقون بالثورة التحريرية
حسن بهلول

طلبة عبد الحميد ابن باديس يلتحقون بالثورة التحريرية

حاورته: فاطمة طاهي-

في حواره مع جريدة البصائر الجزائرية، يروي لنا الأستاذ حسن بهلول مدير الدراسات بالمجلس الأعلى للغة العربية، عن بداياته التعليمية بالكتاتيب وبمدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء المسليمين “بتازمالت” ليلتحق بعد ذلك بمعهد ابن باديس بقسنطينة، كما حدثنا عن دور العقيد عميروش في تشجيع الطلبة وارسالهم إلى تونس من أجل التعليم والتكوين ليكون الأستاذ حسن بهلول واحدا من بين هؤلاء الطلبة، كما تطرق للحديث عن تجربته الإعلامية وعن بحثه ببريطانيا في مجال الصحافة العربية المهاجرة وعن مسار تطور الإعلام في الجزائر، ليتطرق فيما بعد إلى واقع ومدى تطور اللغة العربية في الجزائر.

حدثنا أولا أستاذ عن بداياتك الدراسية بمدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء المسلمين بقرية «تازمالت»؟

-في البداية شكرا على هذه المقابلة وشكرا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأنا دائما أعتبر نفسي من أبناء هذه الجمعية، حسن بهلول من مواليد 12 جوان 1942م بقرية الروضة ببلدية تازمالت، درست في سنواتي الأولى بالكتاتيب، كما كان جدي من أمي المدعو بوشاشي العربي إماما بالمسجد فكنت أتوجه إليه في فصل الصيف لتعلم القرآن الكريم واللغة العربية.

وقد تولى مهمة التدريس في مدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء المسلمين بتازمالت العالم المعروف الشيخ صادق أوعيسى والشيخ بلحبيب الطيب، وفي سنة 1951م زارنا بالمدرسة الشيخ سعيد بهلول المدعو عبد المالك فضلاء وسليمان قوقام وكان معهما الشيخ عمر أوشيحة والشيخ عيسى المعتوقي الذي استشهد في ثورة التحرير، وهم الذين جاؤوا بالتعليم الحديث والعصري عن طريق استعمال الطاولات والكراسي، كما تم من خلالهما تحديث المناهج كتعليم الحساب والجغرافيا.

التحقتم أيضا سنة 1956م بمعهد عبد الحميد ابن باديس بقسنطينة، حدثنا عن هذه المرحلة التعليمية؟

-في سنة 1956م كنت ضمن البعثة التي أعدها الشيخ عبد المالك فضلاء لإرسالها إلى تونس ولصغر سني لم تكن معي بطاقة التعريف فتعذر ذهابي معهم، وفي 02 نوفمبر 1956م أرسلني الشيخ عبد المالك فضلاء إلى معهد عبد الحميد ابن باديس في قسنطينة، والتحقت بالقسم الأول فدرست التوحيد والفقه والجغرافيا والحساب على يد الشيخ عمر جغري والشيخ طاهر حراث وعبد اللطيف سلطاني والشيخ أحمد بن ذياب والشيخ أحمد حماني، وأتذكر جيدا زيارة الشيخ العربي التبسي إلى المعهد سنة 1957م وبعد مدة من مغادرته أخبرنا الشيخ أحمد حماني أنه تم اختطافه فبكى كل الطلبة، وبعد غلق معهد عبد الحميد ابن باديس سنة 1957م التحق العديد من الطلبة بالثورة التحريرية كالعربي لحسن والهاشمي هجرس ومحيوت وشعباني والعقيد يحياوي.

وبعد رجوع العقيد عميروش من تونس قرر أن يبعث طلبة إلى تونس من أجل تكوينهم واستعدادهم لبناء الجزائر المستقلة، فأوصى والدي والذي كان في الجبل ابن عمي لأكون من بين هؤلاء الطلبة لكن للأسف وبحكم سني تعذر ذلك أيضا، وفي سنة 1957م أخذني أبي معه إلى الجبل ولما تكونت بعثة لجلب السلاح من تونس تكونت أيضا مجموعة من الطلبة الذين قرر العقيد عميروش أن يبعثهم إلى تونس فكنت أنا من بينهم وسني لا يتجاوز 15 سنة، ومن الأمور التي أتذكرها جيدا ولازالت عالقة في ذهني: مجيئ قادة الثورة ومنهم: عبد الحفيظ بوصوف وكريم بلقاسم وأعمر أوعمران، وهذا الأخير لما سمع أنني من تازمالت قال لي: إن عبد الرحمن ميرة الذي هو أيضا من تازمالت موجود أيضا في تونس وقد جيء بشاحنة لنقل العمال ونقلتهم، وهنا بدى لي أن عظمة الثورة تكمن في البساطة التي كان فيها قادتنا آنذاك، كما قال لي شخص اشتغلت معه في وزارة الإعلام والثقافة عن حديث بين الأستاذ همشاوي الذي كان سفيرا في لبنان وبين محمد سعيد حيث هذا الذي عاتبه وقال له لم تعطوني «التروكا» لأشارك به في الدفاع عن القضية الجزائرية في الأمم المتحدة إلا بعد جهد كبير، وبالتالي من هنا تظهر البساطة التي كان فيها قادتنا.

أستاذ قلت بأن العقيد عميروش كان يأمر بإعداد الطلبة وإرسالهم إلى تونس، حدثنا عن دور الثورة في تشجيع تعليم الطلبة؟

-من لم يرى ماذا قدم العقيد عميروش في حق المثقفين يعتبر جاهلا، حيث أنه لما وصل إلى تونس سنة 1957م اتصل بممثلي الولايات الست وطلب منهم أن يجمعوا الطلبة الموجودين في تونس وأن يرسل الطلبة الآخرين من الداخل إلى جامع الزيتونة.

قبل سنوات اتصلت بالأخ المجاهد والوزير عبد الحفيظ أمقران حاولت أن أعرف منه الرواية الحقيقية فقال لي: يا بني الثورة لم يكن لديها الوقت الكافي للوصول إلى الحقيقة، المثقفون الجزائريون الذين كونهم عميروش كانوا في شتى التخصصات كالطيران والبحرية، فمثلا سي محمد فوضيل وغيره من الذين ذهبوا قبل 1957م.

حدثنا أستاذ عن مسيرتكم التعليمية حتى يتعرف عليك القارئ أكثر؟

-بقيت مدة في الحدود ثم نقلني بعض الإخوان إلى عاصمة تونس، ودرست في معهد ابن خلدون، وبعد مدة أصبت بمرض ووضعني كل من الدكتور آيت عبد الرحيم من سيدي عيش والدكتور حسن من سوق أهراس في المستشفى لمدة شهرين، وبعدما تحصلت على شهادة الأهلية سنة 1961م أرسلتني الجبهة إلى الكويت لمواصلة الدراسة فدرست في الثانوية هناك والتي درس فيها أيضا الشيخ محمد الهادي الحسني، ولما تحصلت على شهادة البكالوريا تم إرسالي إلى القاهرة للتكوين في التخطيط لمدة سنة، وفي العام الدراسي 1965م و1966م سجلت في الجامعة الجزائرية لمواصلة التعليم وفي ذات الوقت كمدرس، لكن لاحظت أن مستوى الدراسة في الجامعة الجزائرية في السنوات الأولى بعد الاستقلال ضعيف نوعا ما، فتوجهت في سنة 1966م إلى العراق للدراسة في قسم التاريخ لمدة أربع سنوات ثم بعد ذلك التحقت بالكويت، وبعدما تحصلت على الليسانس في التاريخ التحقت بالإعلام سنة 1967م فاشتغلت صحفيا لمدة ثلاثة أشهر في جريدة المجاهد مع الأستاذ محمد الميلي الذي كان مديرا للجريدة، وفي سنة 1970م لما تولى الدكتور محمد طالب الإبراهيمي منصب وزير الإعلام والثقافة، اشتغلت مع محمد الميلي كمستشار إعلامي ثم تدرجت سنة 1981م كمدير للعمل الثقافي والسياحة والشباب والرياضة في عهد سي عبد الحميد مهري، وفي سنة 1985م سافرت إلى بريطانيا لتحضير شهادة الماجستير في الإعلام حول الصحافة العربية المهاجرة، وقبل أن أطلع على الموضوع حاولت أن أدرس الصحافة العربية المهاجرة إلى كل البلدان لكن بعد بحثي بتأن ركزت على الزاوية التاريخية، والقسم الثاني من الأطروحة ركزت فيه على الصحافة العربية المهاجرة إلى لندن يعني في بداية الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975م، وبعد ثلاث سنوات عدت إلى وزارة الإعلام والثقافة، وشغلت منصب نائب مدير الصحافة المكتوبة ثم مدير الصحافة المكتوبة ثم مستشارا إعلاميا إلى غاية سنة 2001م.

وماذا عن تجربتكم الإعلامية؟ وبما أنك عملت إطارا في وزارة الإعلام والثقافة في السبعينيات. ماذا تقول في مسار تطور الإعلام الجزائري وهل واكب التحولات العميقة في المجتمع الجزائري؟

-الإعلام خلال الثورة التحريرية وحتى قبل الثورة كان إعلاما مناضلا، فالإعلام يحمل رسالة إصلاحية، وفي بداية الاستقلال كانت هناك أقلام حاولت أن تنير الطريق وتكوّن الشعب، واليوم وبعد الانفتاح تغلبت الكمية على النوعية، سابقا كنت أستقبل شبابا أرادوا تأسيس الصحف، وكنت أقول لهم: «لابد أن يكون الإنسان صحفيا بسيطا وعندما يشيب شعره ويصير أبيض عندئذ يكون رئيس تحرير أو مدير جريدة» وما ألاحظه اليوم في الإعلام تكونت عدة صحف هاجسها الربح، وحتى وإن كان ذلك على حساب القيم والثوابت طبعا باستثناء بعض العناوين، هناك بعض الأشخاص من الدول العربية أبدوا ملاحظات لصحافتنا اعتبرونا أننا نهدم بلدنا من خلال بعض الكتابات، وبالتالي الإعلام لابد أن يسير حسب تطلعات المواطن، وأذكر هنا الزعيم الكوبي فيدال كاسترو لما سأله أحد الصحفيين عن سبب ديكتاتوريته فرد عليه قائلا: إذا كان الكوبي حيوانا، فسأستعمل معه القوة كي أرجعه إنسانا ثوريا».
كما كنت أعد ركن الأخبار الثقافية لمدة ست سنوات في مجلة الثقافة التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والإعلام، وكنت أتطرق لمختلف الأخبار الثقافية في الجزائر وفي مختلف عواصم العالم، كما كانت لي مساهمات في بعض المجلات والجرائد العربية كجريدة العرب بلبنان، وأيضا جريدة تصدر في فرنسا لصاحبها فؤاد أبو ظر.

باعتباركم مدير الدراسات بالمجلس الأعلى للغة العربية، حدثنا عن حال اللغة العربية في الجزائر؟

-يعتبر المجلس الأعلى للغة العربية المؤسسة الوحيدة على مستوى العالم العربي، توجد مجامع اللغة العربية في مختلف البلدان لكن كمجلس تعتبر الجزائر الدولة الوحيدة التي خصصت مجلسا تابعا لرئاسة الجمهورية خاصا بخدمة اللغة العربية، ومن خلال المجلس الأعلى للغة العربية تحققت خطوات كبيرة ساهمت في خدمة ورقي اللغة العربية في الجزائر.

ماذا يهوى ويمارس الأستاذ حسن بهلول خارج إطار التاريخ والإعلام والمجلس الأعلى للغة العربية؟

-هوايتي هي المطالعة لكن قبلها يمكن أن أقول هي الرياضة، وقد اشتغلت بالمناسبة تقريبا خمس سنوات متعاونا كرئيس قسم للرياضة بجريدة المجاهد الأسبوعي، فمذ أن كنت صغيرا كنت اهتم بالرياضة ومارستها حيث لعبت كرة الطائرة والعدو، وبالتالي الرياضة مهمة جدا للدماغ والذهن.

أستاذ هل من الممكن أن تكون العاميات واللهجات العربية عائقا للغة العربية؟

-حاول بعض المشارقة في لبنان وفي مصر الكتابة والتأليف بالعامية لكن كتاباتهم لم تنل رواجا، إذن اللغة الوحيدة التي تجمع العالم العربي هي لغة القرآن الكريم، أما اللهجات فهي مختلفة ومتنوعة، وطبعا العائق القادم للغة العربية قد تكون اللغة الانجليزية ولغات الأجهزة الذكية، وبالتالي علينا أن نحرص على خدمة وتطوير اللغة العربية للالتحاق بالركب الحضاري.

نصيحة للطلبة الجامعيين وللشباب المتعلم وللصحفيين تجاه اللغة العربية؟

-لابد أن يكوّن الإنسان نفسه، عليه أن يطلع على الدراسات والكتب القديمة، وأن يحفظ المسكوكات والشعر الجاهلي والشعر الأموي والعباسي، عليه بالقرآن الكريم حتى يتسلح ويكتسب لغة عربية ثرية، لما درست اللغة العربية اعتبرت نفسي وطنيا، ربما اليوم لم نعد نهتم بالنوعية فقاعات المحاضرات مكتظة وممتلئة على آخرها والطالب لا يمكنه استيعاب الدرس كما ينبغي، وبالتالي عليه أن يُكون نفسه ويسعى جاهدا من أجل اكتساب اللغة العربية والعلم والمعرفة.

من خلال احتكاكي بالأشخاص الذين عايشوا الفترة الاستعمارية وحتى الفترات الأولى من الاستقلال كان الشخص يخجل من الحديث باللغة العربية مستخدما اللغة الفرنسية، لكن اليوم نستبشر خيرا من شبابنا في الجامعات وفي المدارس.

شكرا لك أستاذ على هذا الحديث الشيق، كلمتكم الأخيرة؟

-أشكر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي مقدمتهم الرئيس الدكتور عبد الرزاق قسوم، والصديق والزميل الدكتور مولود عويمر الذي أراه قدوة للنخبة والمثقفين، وأنا دائما وأبدا بدوري افتخر لأني من أبناء جمعية العلماء المسلمين.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.