خلاصة تاريخ حياتي العلمية والعملية.. المرحلة الثانية
بقلم: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي-
ولما مات عمي، شرعت في تدريس العلوم التي درستها عليه، وأجازني بتدريسها، وعمري أربع عشرة سنة لطلبته الذين كانوا زملائي في الدراسة عليه، وانثال علي طلبة العلم من البلدان القريبة منا، والتزم والدي بإطعامهم والقيام عليهم كالعادة في حياة عمي...
وربما انتقلت في بعض السنين إلى المدارس القبلية القريبة منا لسعتها واستيعابها للعدد الكثير من الطلبة وتيسّر المرافق بها للسكنى، ودمت على تلك الحال إلى أن جاوزت العشرين من عمري، فتاقت نفسي إلى الهجرة إلى الشرق، واخترت المدينة المنوّرة لأن والدي سبقني إليها سنة 1908 فرارًا من ظلم فرنسا، فالتحقت به متخفيًا أواخر سنة 1911 كما خرج هو متخفيًا، ومررت في وجهتي هذه بالقاهرة، فأقمت بها ثلاثة أشهر، وحضرت بعض دروس العلم في الأزهر وعرفت أشهر علمائه، فممن عرفته وحضرت دروسه، الشيخ سليم البشري، والشيخ محمد بخيت، حضرت درسه في البخاري في رواق العباسي، والشيخ يوسف الدجوي حضرت درسه في البلاغة، والشيخ عبد الغني محمود، والشيخ السمالوطي، حضرت لكليهما درسًا في المسجد الحسيني، والشيخ سعيد الموجي ذكر لي أن له سندًا عاليًا في رواية الموطأ، فطلبت أن أرويها عنه بذلك السند وحضرت مجالسه بجامع الفاكهاني مع جمهور من الطلبة، وتوليت قراءة بعض الموطأ عليه من حفظي، وحضرت عدة دروس في دار الدعوة والإرشاد التي أسّسها الشيخ رشيد رضا في منيل الروضة، وزرت شاعر العربية الأكبر أحمد شوقي وأسمعته عدة قصائد من شعره من حفظي فتهلّل- رحمه الله- واهتزّ، كما اجتمعت بشاعر النيل حافظ إبراهيم في بعض أندية القاهرة وأسمعته من حفظي شيئًا من شعره كذلك.
* كتب الشيخ هذه السيرة بطلب من مجمع اللغة العربية بالقاهرة عندما انتخب عضوًا عاملًا فيه سنة 1961، ونشرتها مجلة "مجمع اللغة العربية"، مجلد 21، القاهرة، 1966.