كلمة عن الجامع الأخضر عمره الله
بقلم: الشيخ عبد الحميد بن باديس-
الجامع الأخضر أحد الجوامع الثلاثة الجمعية الباقية بعد الاحتلال الفرنسي بقسنطينة.
أما مؤسسه فهو حسين بك بن حسين 1149 - 1167هـ 1736 - 1754م فحكم البلاد 17 عاما مقتفيا أثر سلفه في سياسة التعمير والإنشاء فنظم المدينة وخطط شوارعها وأنشأ منازل رفيعة وبناءات ضخمة لكامل أعيان البلد، وحافظ على توطيد الأمن طيلة مدة حكمه. وكما كان له ولع بالعمارة كانت له عناية فائقة بالعلم(1) فقد وجد في المحفوظات الكتابية إذن صدر منه لعائلة ابن وادفل في تأسيس مدرسة عليا للحقوق بالمسجد الذي أمرهم بتأسيسه في عين فوا. وبني الجامع الأخضر للتعليم كما هو منقوش فوق مدخل بيت الصلاة وهذا نصه:
"أمر بتأسيس هذا المسجد العظيم، وتشيبد بنائه للصلاة والتسبيح والتعليم ذو القدر العلي والتدبير الكامل وحسن الرأي، أميرنا وسيدنا حسين باي أدام الله أيامه. وكان تمام بنائه أواخر شهر شعبان سنة ست وخمسين ومائة وألف" ودفن مؤسسه- رحمه الله- في التربة المجاورة للجامع مع عائلته وبعض العلماء رحمهم الله أجمعين".
والجامع لهذا العهد ليس له مدرس رسمي أما في المهد الماضي فلا شئه أنه كان به من يدرس العلم إذ لا شك أن مؤسسه- وقد كان مشهورا بنشر العلم وبنى مسجده للتعلم- لا بد أن يكون أوقف أوقافا للتعليم فيه فاستولت عليها السلطة كما استولت على سائر الأوقاف.
أما بداية تعليمي فيه فقد كانت أوائل جمادي الأولى عام 1232هـ وكان ذلك بسعي من سيدي أبي لدى الحكومة فأذنت لي بالتعليم فيه بعد ما كانت منعتني من التعليم بالجامع الكبير بسعي المفتي في ذلك العهد الشيخ المولود بن الموهوب.
وقد يسر الله لنا بفضله القيام بالتعليم فيه إلى اليوم والله نسأل أن يجازي كل من أعاننا فيما قمنا به كل خير وأن ييسر لنا القيام بخدمة العلم فيما بقي من العمر، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين آمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين(2)
عبد الحميد بن باديس
(1) راجع ترجمته في كتاب قسنطينة تحت البايات باللسان الفرنسي
(2) الشهاب: ج 4، م 14، ص 303 - 304 غرة ربيع الثاني وجمادى الأولى 1357ه - جوان جويلية 1938م.