مدرسة سيدي الأخضر.. أقدم مدارس الجزائر ودورها الإصلاحي
بقلم: إرمولي بلال-
حسب نقيشة مربعة متواجدة على جدار المدخل الرئيسي لقاعة الصلاة الكبرى لجامع سيدي الأخضر، ورد فيها تاريخ بناء المسجد ومن أمر ببنائه وسنة البناء، فاستنادا لهذه الوثيقة المادية فإن المسجد بني في سنة 1156 هـ الموافق لـ:1743 م وقد شيده الباي حسن المدعو أبو حنك، الذى جاء بعد الباي حسين القلي، وفي عهده عرفت مدينة قسنطينة تطورا عمرانيا كبيرا وازدهارا ملحوظا، فقد عمل الداي على تحسين صورة الحكم العثماني في المنطقة وذلك ببناء عدة مباني إدارية ودينية منها جامع سيدي الأخضر، وحسب المصادر التاريخية فإن الجامع استعملت في بنائه بقايا حجارة مصقولة تعود لموقع روماني كان بنفس المكان.
يقع المسجد بالناحية الشمالية الشرقية أسغل القصبة على مدخل باب القنطرة، يتكون المسجد من طابقين فالأول نجد فيه قاعة الصلاة أما الطابق الأرضي يشبه إلى حد ما طابق تحت أرضي ويظم المسجد قبر الباي حسن بو حنك وابنه حسين وحفيده حسان،كما يوجد به قبر الشيخ سيدي الأخضر.
في سنة 1779 م أي بعد 36 سنة من بناء المجسد الحنفي «سيدي الأخضر»، قام صالح باي بشراء الأراضي المجاورة للمسجد وقام ببناء مدرسة تحمل نفس الاسم، حيث كانت الساحة محاطة بغرف الطلبة، أما قاعة الدراسة فيعلوها قوسين، وتعد هذه المدرسة من أهم انجازات صالح باي إلى جانب مدرسة سيدي الكتاني التي بنيت في نفس الفترة. لقد عمل صالح باي منذ وصوله إلى الحكم على تحسين جميع مناحي المعيشة للسكان خاصة أنه لاحظ انتشار الجهل في أوساط المجتمع، ما دفع إلى بناء عدة مدارس خاصة منها الابتدائية، حيث وضع لها نظاما خاصا وكان تموينها يأتيها من المساجد ومساعدات العائلات الكبيرة، مثل عائلة ابن الفكون، الباشتارزي وابن باديس، كما كانت تفتح بيوتها أمام الطلبة، واشتهرت عائلة ابن باديس باشتغالها بالقضاء، وحسب كتابة أثرية (شاهد قبر) عثر عليها عند هدم مسجد سيدي النعراش (Desmoyen rue) وهي لقبر الشيخ حسن بن خلف الله بن باديس بن القاسم بن ميمون القيسي أبي علي، تخبرنا هذه الكتابة عن مهنة هذا الشيخ الذي كان قاضيا وفقيها وتوفي سنة 784 هـ/1382م.
دور الإمام عبد الحميد بن باديس في النهضة الفكرية الجزائرية
بعد سقوط مدينة قسنطينة في أيدي الاحتلال الهرفسبى لم يعد لتلك المدارس أهمية فقد هجرها الطلبة والأساتذة نتيجة للظروف الطارئة، هذا ما أدى إلى ظهور التعليم البديل (الأجنبي) الذي حاول فيه المستعمر ملئ الفراغ من خلال مدارسه التي كانت خاضعة لإدارته، ووفق خطط مرسومة لخدمة أغراضه ونشر سمومه، لكن هذا لم يمنع من ظهور التعليم الأهلي رغم ما تميز به من محدودية إمكاناته وسيطرة الطرق التقليدية عليه.
لقد وقف الشيخ عبد الحميد بن باديس على نقائص هذا التعليم، ما دفعه إلى إيجاد نوع ثالث من التعليم يستجيب لتطلعات الأمة، فبذل الإمام في سبيل هذا التعليم العربي الحر كل جهده، وأدرك منذ الوهلة الأولى أن ما تعيشه الجزائر في حاضرها من دركات الوهن، إنما يدخل في إطار ما تشهده الأمة الإسلامية عموما من هذا المنطلق ومن المسجد (الجامع الأخضر) بقسنطينة شرع ابن باديس في نشر العلم والمعرفة ومقاومة الجهل والجمود فكأن مفسرا للقرآن الكريم دارسا للسنة الشريفة، وناشرا لأثار السلف، كما كان أحد مؤسسي ورئيس لجمعية التربية والتعليم التي كانت تشرف على إدارة وتسيير المدرسة العربية الحرة (مدرسة سيد الأخضر) الوحيدة من نوعها في مدينة قسنطينة (1930) كما تولى رئاسة أكبر هيئة علمية عرفتها الجزائر في تاريخها الحديث وهي (جمعية العلماء المسلمن الجزائريين).
والحقيقة أنه في الوقت الذي ظل وجود الجزائر كأمة فكرة غامضة في أذهان البعض فإن الحركة الإصلاحية برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس سعت لترسيخ قواعد الأمة للشعب الجزائري وكان من نتائج هذه الحركة الإصلاحية ولادة الثورة الجزائرية.
الهوامش:
- د.بن سمية محمد، المشروع التربوي الباديسي مرام ومرتكزات، مجلة الشهاب الجديد، عدد 03 2004 م.
- مالك بن نبي: شروط النهضة، ترجمة عمر كامل مسقاوي وعبد الصبور شاهن، دار الفكر بيروت 1969 م.
- Andre Dirlik, Abd al Hamid Ben Badis Ideologist of Islam Reform and Leader of Algerian Nationalism, Islamic studies center, university of McGill, Canada, 1971.
- Gustave .Mercier : corpus des inscriptions arabes et turques de l’Algerie, Département de Constantine, la société archéologique, Ernet le roux, édition paris, 1902.
إرمولي بلال: أستاذ في علم الآثار – جامعة الجزائر 2.
المصدر: مجلة الإرشاد العدد 4 – أفريل 2015 م.