الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم -7 –
بقلم: الشيخ عبد الحميد بن باديس-
القسم العملي: حكمها، القصد بها، أفضلها، استعمال صيغها المحافظة على الوارد منها، التحذير من الغفلة، من اللحن، من تركها عند ذكره، من ذكرها للغضبان، من ذكرها للزغرته، من هجر الوارد، من كتاب التنبيه.
القسم العملي:
الصلاة عليه- صلى الله عليه وآله وسلم- واجبة مرة في العمر، وذهب الشافعي إلى وجوبها في التشهد الثاني من الصلاة وقيل بوجودها عند ذكره، وثبت الترغيب فيها أثر حكاية الأذان ويوم الجمعة وليلتها، وعند الدعاء ثم ما شاء حسب الطاقة.
ويقصد المصلي بصلاته امتثال أمر الله ورجاء ثوابه والتقرب إليه بذكر نبيه على وفق أمره وقضاء بعض حقه والمكافأة بقدر جهدنا لبعض إحسانه وإظهار تمام المحبة فيه والاحترام له وصحة العقيدة في دينه.
وصيغ الصلاة كثيرة والأمر فيها واسع وأرفعها قدراً وأعظمها نفعاً هي الصيغة التي قالها النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- لأصحابه - وقد سألوه- في معرض البيان وبيانه لهم بيان لجميع الأمة بعدهم وهو أعلم الناس بما ينفع وأحرص الناس على جلبه لأمته، فلا أنفع ولا أرفع مما جاء به من عند ربه واختاره لأمته.
والأكمل أن يحفط الصيغة النبوية بروايتها ويستعملها مرة برواية ومرة بغيرها حتى يكون قد استعملها كلها ولو اقتصر على بعضها لكان كافياً.
وعندما يأتي بالصلاة النبوية بإحدى رواياتها يحافظ على لفظها بدون زيادة شيء من عنده عليها ولا أن ينقص شيئا منها لأن الصيغة الواردة توقيفية متعبد بها والتوقفي في العبادات يؤتى بنص لفظه بلا زيادة ولا تنقيص ولا تبديل.
وأصل هذا حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- في الصحيح لما قال: "وبرسولك الذي أرسلت" قال له النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا، وبنبيك الذي أرسلت» فلم يقره على تبديل لفظ النبي بلفظ الرسول على تقاربهما لأن الصيغة متعبد بها والحديث في باب "إذا بات طاهراً" من كتاب الدعوات من صحيح البخاري.
التحذير:
مظهر الصلاة على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كسائر الأذكار وهو اللسان وثمرتها في الأعمال ومنبتها هو القلب فليحذر المصلي من الغفلة عند جريان الصلاة على لسانه.
والصلاة النبوية صيغة تعبدية فليحذر من اللحن فيها.
وجاء وعيد فيمن تركها عند ذكر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فليحذر من تركها عنده وخصوصاً من اعتياد تركها.
وقد اعتاد بعضهم أن يقول لصاحبه عند الغضب "صل على النبي" وهذا وضع لها في غير محلها وتعريض للإسم الشريف إلى ما لا يليق من قد يكون عند جنون الغضب من تقصير أو سوء أدب فليحذر من هذا ومثله.
وقد جرت عادة بعض الناس في ليالي زرداتهم أن يرفعوا أصواتم مرة على مرة "الصلاة على النبي" فتجيبهم النساء من وراء الحجاب برفع أصواتهن بالزغرتة حتى يرتج المكان، ومن أبشع المنكر أن تستعمل عبادة من أشرف العبادات في إثارة هذه المعصية النسوانية فليحذر من ذلك وليغيره بما قدر عليه.
وقد هجر الناس الصلاة النبوية التوقيفية واقتصروا على غيرها، وزاد بعضهم فقال أن غيرها أنفع منها، فليحذر من هذا الهجر ومن هذا القول، فمحمد- صلى الله عليه وآله وسلم- أنفع الخلق وأرفعهم، وفعله أرفع الأفعال وأنفعها، وقولها أرفع الأقوال وأنفعها، فليجعل أصل صلاته الصلاة النبوية المروية وليجعل بعدها ما شاء.
ومن الكتب المشهورة بين الناس في الصلاة على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كتاب تنبيه الأنام وفيه موضوعات كثيرة لا أصل لها فبينما قارئه في عبادة الصلاة إذا هو في معصية الكذب فليكن منه على حذر.
والله يفتح علينا في العلم ويوفقنا في العمل له الحمد في الأولى والآخرة رب العالمين (1).
(1) الشهاب: ج 11، م 5، ص 7 - 9 غرة رجب 1348هـ- ديسمبر 1929م.