الشيخ أحمد سحنون
بقلم: أعمر عشاب-
مولده ونشأته
ولد في مدينة "ليشانة" بالزاب الغربي ولاية بسكرة سنة 1907 م حيث تلقى تعليمه الأول على يد والده، فحفظ كتاب الله عز وجل عن ظهر قلب في زاوية "طولقة" المشهورة وعمره لا يتجاوز 12 سنة، وأتقن الكثير من الفنون الدينية، كاللغة، والقوافي، والحديث والفقه المالكي.. جالس الشيخ محمد بن خير الدين– رحمه الله -، وتأثر بالعلامة ابن باديس رائد الإصلاح الديني وأخذ عليه الكثير.
واشتهر عن الشيخ إطلاعه الواسع وحبه للكتب واقتنائها، حيث كانت اهتمامات الشيخ في بداية مشواره العلمي والشرعي، بالأدب والشعر والقصة والنقد، وبرز في الشعر إلى مستوى التفوق والامتياز، واستغل هذه الموهبة بتوظيفها في دعوته الإصلاحية إلى الإسلام الحقيقي البعيد عن البدع والخرافات والتقاليد البالية.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
وكان من العناصر الفعالة في الحركة الإصلاحية بعد انضمامه إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وإبان الاستعمار الفرنسي اشتغل مديرا لمدرسة "التهذيب الحرة" بالجزائر العاصمة بحي "بولوغين" سنة 1931م ..
كان من الكتاب البارزين في صحيفة البصائر، يدبلج (الترجمة) المقالات الفكرية، فالشيخ – رحمه الله – يتقن اللغة الفرنسية بطلاقة .
مع الثورة التحريرية:
بعد اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954م، التحق الشيخ أحمد سحنون بها دون تردد، بل عرف عنه حماسه الفياض وبغضه الشديد للمحتل الفرنسي، وعمل على تحريض الناس على الجهاد والتمرد على فرنسا، مستغلا بذلك وظيفته الرئيسية في إمامة الناس وتعليم القرآن وترشيد الناس، واعتمادا على مكانته في نفوس المواطنين الذين كانوا يترددون إلى دروسه بمسجد بولوغين، وحبهم له لشجاعته وصلاحه وخلقه وعلمه .
في 24 ماي 1956 ألقي عليه القبض وحكم عليه بالإعدام وقضى مدة ثلاث سنوات بين السجن والمعتقل في انتظار تنفيذ حكم الإعدام، إلا أن قدر الله له الخروج من السجن لأسباب صحية سنة 1959 م بعد تسخير الله عز وجل لبعض الأشخاص الذين تمكنوا من تهريبه من العاصمة إلى سطيف حيث مكث فيها برهة من الزمن مختفيا، لكنه عاد من جديد إلى نشاطه و نضاله إلى غاية انتزاع الجزائر لاستقلالها في الخامس من جويلية 1962م .
أثناء سجنه التزم الشيخ المطالعة والكتابة و قرض الشعر، كما كان يتابع بشكل دقيق ومنتظم ما كان يصدر من "الشهيد" سيد قطب الذي كان مسجونا هو أيضا في تلك الفترة بالسجن الحربي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وخاصة تفسيره المتميز "في ظلال القرآن"، وكانت له كلمة مشهورة في هذا الشأن: (كان الظلال يخرج من السجن في مصر ويدخل السجن في الجزائر) لكن شتان بين سجن الاستعمار وسجن ما يسمى بالأنظمة الوطنية المنبثقة من حركة التحرر؟.
بعد الاستقلال:
أثناء الاستقلال لقب بشاعر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعين إماما بالجامع الكبير بالعاصمة وعضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى إلى غاية استقالته من جميع المناصب الرسمية بعدما حدث التحول في سياسة الحكم المنتهجة في تلك الفترة وخاصة عقب منع جمعية العلماء المسلمين من العودة إلى نشاطها المعروف والتضييق عليها، وفي نفس الوقت السماح للحركات والجمعيات اليسارية من النشاط والتعبير عن نفسها ومصادمة الواقع الجزائري المحافظ .
ابتعاده عن الوظائف الرسمية التي لا تجلب إلا الشؤم لأصحابها، مكنته من العمل الدعوي الحر فبدأت مسيرته الحرة من مسجد النصر ببلدية باب الوادي إحدى قلاع التيار الإسلامي، لينتقل بعدها إلى مسجد الأرقم بحي "شوفاليي" في أعالي العاصمة، أين سخرا الشيخان أحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني كل طاقتهما وجهودهما خدمة للدعوة إلى الله وتمكينا للشريعة الإسلامية واللغة العربية، وانتهاء بالمسجد الذي أمه إلى غاية آخر يوم من حياته أسامة بن زيد ببلدية بئر مراد رايس بالعاصمة.
إنتاجه الفكري والأدبي والدعوي:
أما إنتاجه الفكري والأدبي والدعوي، فكان غزيرا، ويمكننا أن نقسمه إلى قسمين:
القسم الأول: كل دروسه وخطبه الموزعة هنا وهناك من خلال الأشرطة السمعية.
أما القسم الثاني: فإصداره لديوان سنة 1977م عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع عن سلسلة شعراء الجزائر بعنوان "حصاد السجن"، وهو خلاصة لأشعاره التي كتبها أثناء فترة سجنه، تناول فيها عدة مواضيع تتعلق بالإصلاح الديني والاستقلال.
وصدر له عن نفس الشركة الوطنية سنة 1981 م كتاب آخر بعنوان "دراسات وتوجيهات إسلامية" جمع فيه مقالاته التوجيهية التي كان يكتبها في جريدة "البصائر" لسان حال جمعية المسلمين الجزائريين، ويرجع الفضل في كتابة هذه الفصول وجمعها إلى فضيلة العلامة البشير الإبراهيمي، وقد كتب الشيخ أحمد سحنون في الإهداء من هذا الكتاب بأن: (من الإنصاف أن أسجل أن صاحب الفضل في كتابة هذه الفصول هو أستاذنا الإمام محمد البشير الإبراهيمي، فهو الذي عهد إلي بأن أضطلع بمهمة تحرير القسم الديني من "البصائر"، ونفخ في روح الثقة بالنفس حين أسند إلى هذه الأمانة العظمى ورآني أهلا لهذه المهمة الشاقة التي تهيبها كثير ممن سبقني إلى هذا الميدان، وشجعني برسائله القيمة التي كان يكتبها إلي من مصر معجبا بهذه الفصول مثنيا عليها .. أذكر من هذه العبارة وأنا أخجل: "إن ما تكتبه في البصائر هو حلية البصائر".
ويذكر حسب ما أفادنا به أحد المقربين منه، بأن للمرحوم أيضا كتابان آخران لم يطبعا بعد، كتبهما أيام محنة تجمع الطلبة بالجامعة المركزية سنة 1982 م عندما وضع مع المرحوم الشيخ عبد اللطيف سلطاني في الإقامة الجبرية، فألف ديوانا في الشعر للمرة الثانية مع كتاب آخر جمع فيه تراجم لبعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين سماه " كنوزنا".
ونأمل من الله الكريم أن يوفق المخلصين لذكرى الشيخ أحمد سحنون لإخراج هذين الكتابين في أقرب الآجال وهو أقل ما يمكنه أن نقدمه للصرح الشامخ أحمد سحنون شاعر جمعية المسلمين الجزائريين.
ملتقيات الفكر الإسلامي:
شارك في بعض ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تنعقد في الجزائر، وكان أهمها مشاركته في ملتقى الفكر الإسلامي السابع بولاية تيزي وزو سنة 1973م، أين ألقي الشيخ سحنون محاضرة هامة بعنوان: "التشريع الإسلامي وتطبيقه على غير المسلمين".
تجمع كبير بالجامعة المركزية:
في سنة 1982م نُظم تجمع كبير بالجامعة المركزية بقيادة ثلاثي الشيوخ أحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني وعباسي مدني بحضور عشرة ألاف مشارك، حيث أصدروا بيانا جماعيا بعنوان "الدين النصيحة"، ردا على الأحداث الأليمة التي حدثت داخل "الحرم الجامعي" وتنديدا بحملة الاعتقالات الواسعة التي مست عناصر التيار الإسلامي بالجامعة وخارجها، وهو أول ظهور سياسي منتظم للتيار الإسلامي، كقوة معارضة ذات وزن حقيقي في الساحة، أرعب خصومه التقليديين من الشيوعيين والتروتسكيين، وكان البيان سلميا من 14 نقطة جمعت أسباب الأزمة وحلولها في نفس الوقت .
النصح إلى مصطفى بويعلي:
وقد أسهم الشيخ بإسداء النصح إلى مصطفى بويعلي الذي تمرد على الحكم القائم مع مجموعة من إخوانه، مبديا معارضته للعنف من أي جهة لعلمه بأن هذا الفعل لا يؤدي في الأخير إلا إلى مزيد من الأحقاد والرغبة في الانتقام، وهي دائرة مغلقة لا نهاية لها.
رابطة الدعوة الإسلامية:
في سنة 1989م يؤسس الشيخ أحمد سحنون رفقة مجموعة من الدعاة والقيادات الإسلامية الصرح الدعوي الأول بعد جمعية العلماء المسلمين باسم "رابطة الدعوة الإسلامية"، كإطار عام يجمع كل التيارات السياسية والفكرية والاجتماعية الإسلامية، وكان الشيخ – رحمه الله – حريصا أشد الحرص على استقلالية الرابطة الإسلامية من تأثيرات السلطة أو الأحزاب أو الشخصيات الإسلامية التي كانت تسعى إلى جر الرابطة إلى صفها، وقد حاول جاهدا أن يوحد التيار الإسلامي لمواجهة الحملة الشرسة ضد الوجود الدعوي الإسلامي وقانون الأسرة والحجاب.
التجمع النسوي:
ولم يمنعه سنه المتقدم عندما أشرف على تنظيم التجمع النسوي الضخم في 21 ديسمبر 1989 م تحت رعاية رابطة الدعوة الإسلامية، الذي حضره مليون امرأة، أطلق عليه أيضا المسيرة "المليونية"، وهذا لمطالبة المجلس الشعبي الوطني باسم الأغلبية الساحقة من نساء وحرائر الجزائر بتثبيت قانون الأسرة الصادر في سنة 1984 م باعتباره مستمدا في مجمله من الشريعة الإسلامية، وردا على المسيرات النسوية المنتمية إلى ما يسمى بالتيار الديمقراطي اللائيكي العلماني المطالبة بإلغائه، وهي المسيرات التي لم تجمع في أحسن أحوالها ثلاثة آلاف امرأة.. ومن الكلمات الخالدة للشيخ أحمد سحنون بهذه المناسبة قوله: (قانون الأسرة لا ينسخه إلا كفر بالله) .
موقفه من المساجين السياسيين:
ولا ننسى موقفه الشجاع من المساجين السياسيين بعدما اشترك في تشكيل "لجنة الدفاع عن السجناء السياسيين" في بداية الأزمة التي كانت بين الطرفين المتصارعين الجبهة الإسلامية للإنقاذ والسلطة آنذاك .
أيادي الغدر تريد إسكات صوت الاعتدال والتعقل:
الفتنة الدموية طالت هي الأخرى الشيخ أحمد سحنون الذي نجا بقدرة الله تعالى وعنايته من محاولة اغتيال كان تعرض لها بداخل مسجد "أسامة بن زيد" بالعاصمة سنة 1996م، وأدخل المستشفى في حالة غيبوبة ونقل إلى العناية المركزة ليخرج منها بعد فترة متأثرا بالجروح التي تركت بصماتها في جسده النحيل وفي نفسيته الرهيفة إلى غاية وفاته.
انتقل الشيخ أحمد سحنون إلى جوار ربه في 08 ديسمبر 2003 وكانت له جنازة مهيبة، فكان علما من أعلام الجزائر، وقلما من أقلامها.
آثاره:
ترك الشّيخ أحمد سحنون بعض الآثار المخطوطة والمطبوعة، أهمّها:
دراسات وتوجيهات إسلامية
ديوان شعر بعنوان “حصاد السّجن”، يضمّ 196 قصيدة.
كنوزنا، ويقع في 300 صفحة، احتوى تراجم لبعض الصّحابة وهو لم يطبع بعد
ديوان شعر بعنوان “تساؤل وأمل”، وهو لم يطبع بعد.
إلى جانب عشرات المقالات في العديد من الجرائد والمجلّات كالبصائر والشّهاب