فلنكتشف سعد الله مجددا

بقلم: احميدو العياشي-

غادرنا المؤرخ والكاتب والشاعر أبو القاسم سعد الله في العام 2013، سبعة أعوام مرت على رحيله وتغمده الله برحمته..

ترك وراءه عشرات المؤلفات في التاريخ والأدب وفن المقالة، ومن بين أهم الآثار التي خلفها، تاريخ الجزائر الثقافي وتاريخ الحركة الوطنية ومسار قلم..

معظم الجزائريين لم يطلعوا على مسار قلم وهو مزيج من اليوميات والمذكرات والسيرة، أعتبره من أهم السير التي خلفها مؤرخ جزائري عن حياته الفكرية والمهنية، تبدأ من فترة الشباب والدراسة في تونس ثم الى المشرق ثم إلى الولايات المتحدة الامريكية ثم العودة إلى الجزائر بعد سنوات الاستقلال ثم بداية رحلة الباحث الذي سيجعل من التاريخ معبده، فينتقل إلى المشرق والمغرب والولايات المتحدة الامريكية من جديد في مختلف الفترات الجزائرية التي مرت بها الجزائر من عقد الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات..

يروي لنا سعد الله تجاربه مع البحث والمعرفة ومع البلدان والمدن والناس والعادات والثقافات، مع الأماكن التي سكنت روحه وكتاباته مع الأمل والخيبة، مع السياسة والثقافة والحياة الروحية، مع المرأة عبر علاقته مع والدته وزوجته، ومع الحياة العائلية والصداقات..

إن مسار قلم في أجزائه يقودنا إلى تلك الأسئلة التي ظلت تقود سعد الله الشاب وسعد الله الكهل وسعد الله الشيخ من زمن إلى آخر، ومن حقبة إلى أخرى ومن موقف إلى آخر.. نكتشف عظمة المؤرخ العالم الذي علمه العلم الزهد في السياسة والمناصب فلقد اعتذر لرئيس حكومة الشاذلي مرباح عن قبوله لمنصب وزير واعتذر لسيد احمد غزالي في بداية التسعينيات عن منصب وزير واعتذر عن تقلد منصب رئيس الجامعة، كما تحمل في شجاعة عندما قام الوزير طالب الابراهيمي لما قام سعد الله بكتابة مقالات تاريخية عن علاقة الشيخ البشير الابراهيمي لم ترق للوزير النجل التضييق عليه من المنع الذي لا يقول اسمه للجزء الثاني من تاريخ الجزائر الثقافي

ويقودنا (مسار قلم) إلى اكتشاف الجوانب الخفية للطلبة الجزائريين وحياتهم الثقافية وهواجسهم واحلامهم وقلقهم في تونس والقاهرة والى الحياة السياسية وخفاياها في زمن بومدين والشاذلي بن جديد وخلال فترة التسعينيات..

ان (مسار قلم) ليس فقط شهادة على ازمنة تمتد من فترة حرب التحرير الى الاستقلال ومابعد الاستقلال وإنما هي رواية لحياة جيل آمن بالعرفة كجزء من النضال ومن تحقيق الذات الفردية والجماعية..

يمثل (مسار قلم) نوعا مهما من الكتابة التاريخية ذات البعد الاجتماعي والثقافي التي تتوسل أدب المذكرات واليوميات والسيرة، واضافة إلى أعمال مهمة علينا بترجمة بعضها الى العربية مثل مذكرات المؤرخ حربي، ويوميات جان الموهوب عمروش..

لقد تمت طباعة مؤلفات سعد الله من قبل وزارة المجاهدين.. لكن هذه المؤلفات تم اهداءها بدل توفيرها بشكل كبير في المكتبات وبين ايدي القراء.. امنيتي أن توضع مؤلفات سعد الله بين أيدي المثقفين والقراء من الجيل الجديد، وامنيتي ان يقوم الباحثون باعادة اكتشاف سعد الله الذي اختزل ضمن رؤية ضيقة وذات نزعة ايديولوجية سواء من طرف خاصموه او من مجدوه بينما هم لم يقرأونه بعين متبصرة وموضوعية.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.