الرجوع إلى هدي القرآن والسنّة
بقلم: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي -
أيها المستمعون الكرام في مشارق الأرض ومغاربها: اجتمع المسلمون في أول أمرهم على هداية إلهية عامة، وهي هداية الدين التي جاء بها القرآن، وشرحها محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، ودعا إليها المستعدين وحضّ عليها المستجيبين، ونفّذها في أمة الإجابة.
وكانت تلك الدعوة جامعة بطبيعتها لموافقتها للفطرة، وجمعها بين مطالب الجسم والروح، وانطوائها على حفظ المصالح، وضبطها لنزوات النفوس.
تجتمع تلك الهداية على عقائد صحيحة، وتحفظ علائق العبد بربّه وتحددها، وأخلاق متينة تحفظ العلائق بين العباد وتجددها، وتزن المصالح بالميزان القسط، وتقرر للفضيلة وزنها وقيمتها، وللرذيلة وزنها وقيمتها، وتجعل بينهما حدًّا كأنه منطقة حياد، فيه للمؤمن خيار وله فيه روية وأحكام عادلة، تحفظ حقوق العباد وتفصل في مواطن مظانّ الشقاق. وتجمع أطراف الأمة من غني وفقير على العدل والإحسان.
وكان مرجعهم للقرآن وهو محفوظ مفهوم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار.
ثم فرطوا في سنن الله في دينه، فغفلوا بسبب ذلك عن سنّته في كونه وفي خلقه، فانحدروا من تلك الدرجة التي رفعهم إليها الإسلام، إلى هذه الدركة التي هم فيها الآن، وتماروا بالنذر فسلّط الله عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم.
إننا نعد من معجزات محمد الخالدة، تلك النذر التي كان ينذر بها أصحابه، ليبلغها الشاهد منهم إلى الغائب، وقد بلغتنا وفيها أوصافنا التي نحن عليها الآن في القرن الرابع عشر للهجرة، وكأن الواصف لها يصف ما رأت عيناه لا ما تخيلته خواطره.
وأبلغ ما في تلك النذر المحمدية قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله: أو من قلة فيها يا رسول الله؟ ... لَا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا منفعة فيه ولا غناء. نحن خمسمائة مليون فيما يعدّ العادّون، ولكننا مع هذه الوفرة الهائلة في العدد مستعبدون، قد نزع منّا البأس على أعدائنا ونزعت الرهبة منا.
أيها المستعمون الكرام:
قد وصلنا من الانحطاط إلى قرارته، ولم تبق في التدلي دركة أخرى نخشى أن ننحدر إليها، فلم يبق إلّا أن نقيم على هذه الحالة إلى ما شئنا وشاءته لنا المهانة والرضى بالدون. أو نرتفع إلى المنزلة التي أهّلنا الله لها بالإسلام.
إن البشائر تدل على أننا اخترنا الثانية، وان المخايل تنبئ بأن شواعر الخير تنبّهت فينا، وان الوظيفة القرآنية التي خالطت أردام سلفنا فرفعتهم من الحضيض إلى الأوج توشك أن تخالط منا نفوسًا خدرتها الأحداث ولم تصل بها إلى الموت، وان تلك النفحات التي هبّت على القلوب الغلف فحركتها، وعلى العيون العمي ففتحتها قد داعبت نفوسنا، فبدأنا نشعر ونحسّ، وأصبحنا نعي ونفكر، وان التفكير هو أول مراتب العمل، وما هذه الأصداء المترددة في الأقطار الإسلامية، وهذه الأصوات المتجاوبة من علماء الإسلام بلزوم التعارف فالاتحاد فالتعاون، إلا بشائر خير وتباشير صبح بعدها السني والنور.
* من حديث في إذاعة باكستان، أفريل 1952.