الشيْخ أحمَد سَحْنون
بقلم: رشيد أوزاني-
بيْن باسِقاتِ النّخيل، ذاتِ الطّلْعِ النّضيد ، وبيْن كُثْبانِ الرِّمال الِنّاعِمَةِ ، وُلِدَ أحمد سحْنون ، في مطْلعِ القرْن العشْرينَ، في عام 1907م. وكانَ ميلادُهُ في قرْيةِ " لشْيانة " وهي بلْدة جميلة عامِرَةٌ ومتميِّزة تقعُ في ولايَةِ بسْكرَة .
شاءَ اللهُ تعالى أنْ ترْحلَ عنهُ أمُّهُ ، وهوَ في مرْحلةِ الرَّضاعة ، فلمْ يَنعَمْ بدِفْءِ الأمومة إلاّ قليلا ؛ ولكنَّ أباهُ قدِ اعْتنى بهِ واهتمَّ بترْبيتِهِ وتنْشِئتِهِ نشْأةً حسَنة ، وجعَلهُ مُلازمًا له في الكُتّابِ ، فتمكَّنَ الطِّفْلُ الموْهوبُ منْ حفْظِ القرآن الكريم ، ولمّا يتجاوَزْ اثنيْ عشرَ حوْلا ، مِمّا أتاحَ له أنْ يتتَلْمذَ على نُخْبةٍ منْ الشُّيوخ المُدرِّسين ، وبخاصّةٍ في الزّاويةِ العُثْمانيّة .
وفي هذه السِنِّ المُبكِّرة اكتسَبَ الضّروريَّ منْ المعارفِ اللغويّةِ والدّينيّةِ، كما تجلَّتْ كذلكَ في هذهِ المرْحلةِ الحاسِمةِ مُيولهُ إلى المُطالعةِ، فأحبَّ كتُبَ الأدبِ، والتَهَمَ بشغَفٍ شعْرَها ونثْرَها ، كما تلتهِمُ النّحْلاتُ والفراشاتُ رحيقَ الأزْهار .
ولعلّهُ عقدَ العزْمَ ، كنُظرائهِ منْ طُلاّبِ العِلْمِ في عصْره ، أنْ يرْحلَ إلى تونس ، بغيَةَ مواصلةِ الدّراساتِ العُليا في جامع الزّيْتونة ، ولكنَّ ظروفًا قدْ تكونُ ماديّةً قدْ حرَمتْهُ منْ هذه الرّغبة ، وحالتْ دون تحقيق هذا الطُّموح .
لقاءٌ مع الشيْخ عبْدِ الحميد ابْنِ باديسَ :
إنَّ بعْضَ اللّقاءات مع أحْداثٍ مُتميِّزةٍ أوْ مع شخْصيّاتٍ ذاتِ اعْتبار ، تكونُ حاسِمةً في حياةِ الإنْسان ، وتُغيِّرُ مجْرى مسارِهِ العِلمي أو المِهَني أو السُّلوكي . وهذا ما وقعَ للشيْخ أحمد سحْنون الذي رتّبَتْ له الأقْدارُ الطيِّبةُ لقاءً مع رائدِ الإصْلاح الإمام ابْنِ باديسَ ، في عام 1936م ، فتأثَّرَ بكلِماتِهِ الهادِيَة ، وسلك سبيلا أُخْرى غيْرَ التّي خطا فيهِ خطواتٍ ، فجالَ في حدائق الشِّعْرِ والقِصص والرّوايات .
يقولُ الشيْخ سحنون عنْ هذا اللّقاء الحاسِم في نادي التّرقّي بالجزائر العاصمةِ :" إنَّهُ جمعَني به أوّلُ مجلِسٍ ، فبادَرني بسُؤاله - : ماذا طالعْتَ من الكتُب؟ ، فأخذتُ أسردُ لهُ – لسوءِ حظّي أوْ حُسْنِهِ – قائمةً حافلةً بمخْتلِفِ القِصَصِ والرِّواياتِ ، فنظرَ إليَّ نظْرةً غاضبةً عاتِبة ، وقال : " هلاّ طالعْتَ العقْدَ الفريدَ لابْنِ عبد ربّه ، هلاّ طالبْتَ الكامِل للمبرّد بشرْحِ المرصفي ، واسْتمرَّ في سرْدِ قائمةٍ من الكتبِ النّافعةِ ؛ فكانتْ تلك الكلمةُ القيِّمةُ خيرَ توجيهٍ لي في هذا الباب " .
نشاطٌ ونضالٌ في صُفوفِ جمعيّةِ العُلماءِ المسْلمين :
لقدْ فُتِحَ بابُ جمعيّةِ العُلماءِ على مِصْراعيْهِ للشيْخ سحْنونَ، فاتّصَلَ بأعْضائها البارزين ، وتبنّى أفكارَها ومبادِءَها ، وشاركَ في نشاطِها ، وجهَرَ بدعْوتِها ، وساهمَ في إيقاظِ النّفوسِ ، وبثِّ جذوة المُقاومةِ ، للتحرُّر من المُحْتلِّ الغاشِم ، وسخَّرَ يَراعَهُ ، فخطَّ مقالاتٍ في جرائدِها ، كالشِّهابِ والبصائر.
أمّا دُروسُه وخُطبُه في مسْجده ببولوغين فقدْ تميّزتْ بجزالتِها وقوّتِها وجمالِ أُسْلوبِها وبلاغتِها، يُوجِّهُ منْ خلالِها إلى الاسْتقامة في الدّين والسُّلوك، داعيًا فئاتِ الشعْب إلى الوعْي واليقظَة والوطنيّة، وتقْريرِ مصيرِها، وإدْراكِ ما تُعانيه منْ ظلمٍ واعْتداءٍ واسْتغلالٍ واحْتلال .
ومنْ أقوال الشيْخ سحْنون في هذا السِّياق: " إنّ كلَّ شيءٍ كنّا نعملُهُ لهذا الشعْب ، وكلَّ ما نبذلُهُ لهذا الوطن ، إنّما كانَ بوحْيٍ منْ روحِ هذه الجمعيّة، ووفْقَ الخُطّةِ التي رسَمتْها ، لتطهيرِ هذه الأرْضِ ،العربيّةِ المسْلمةِ ،منْ وُجودِ الاسْتعمارِ، ومنْ سيْطرَةِ الأجْنبي ، ومنْ عار الحُكْم بغيرِ ما أنْزَلَ الله " .
جهادٌ في سبيل تحرير الجزائر :
إنَّ الشْيْخ أحمد سحْنون من الرّجال الصّادقين الذين أحبّوا وطنَهمْ ، وثاروا مع الثّائرين منْ أجْل تحْريرِه من الاسْتعمار البغيض الذي قتَل أبْناءَه، ونهَبَ خيْراتِهِ ، واعْتدى على قيَمِهِ .
كانَ الشيْخ، عليه رحمةُ اللهِ الواسعة، مع ثُلّةِ المُجاهدين الأولى التّي احْتضَنتِ الثّوْرةَ المُباركة ، وجاهدتْ، بشتّى الأساليبِ والوسائِل، بُغيَةَ تحْرير الوطن من الاسْتعمار الفرنسي .
لقدْ حوكِمَ عليْه بالإعْدام، ومكثَ في السّجْن ثلاثَ سنين، منْ عام 1956م إلى 1959م ، ونجّاهُ اللهُ تعالى من الإعْدام ، اعتبارًا لظروفِهِ الصّحيّة .
يقول الشيْخ سحْنون : " وطني ، إنَّ عملي لك ، ودِفاعي عنك ، وتحْريرَ كلِّ شبْرٍ منْ أرضِك ، وموْتي منْ أجلِك ، ونوْمي في ثَراك، هي كلُّ ما يجولُ في رأسي منْ أفكار ، ويختلِجُ في قلبي منْ آمالٍ ، ويتردَّدُ على لساني منْ نجْوى، و يتمثَّلُ في حرَكتي منْ أعمال " .
ثباتٌ على المبْدإ بعد الاسْتقلال :
بعدَ اسْتقلالِ الجزائر الذي كانَ حُلما وأُمْنيةً غاليَةً ، تواصَلتْ جُهودُ الشيْخ سحْنون ، واستمرَّ نشاطُهُ في المجالِ الإسْلامي، فظلَّ داعِيًا إلى سبيل ربِّهِ ، مُوجِّها إلى البِرِّ وفعْل الخيْراتِ ، واعِظًا بالحكمةِ ، فاضطلعَ برسالةِ الدّين، فارْتقتْ في منْبرِهِ الخَطابَة ، وأثمرَتْ في محْرابِهِ الإمامة ، فتحقّقتْ بفضْلِ ذلكَ كلِّهِ الوظائفُ المسْجديّة .
لمْ يلتفِتْ ، كبعْضِ النّاسِ ، إلى منصبٍ أوْ جاهٍ أوْ مصْلحةٍ عاجلةٍ ، ولمْ يتهافتْ على المنافعِ الفانيَة ، ولكنّهُ حرصَ الحِرْصَ كلَّهُ، ليكون في مُجتمعِهِ ناصحًا أمينا، ومُصْلحا صادقا، ارْتبطتْ مساعيهِ بالاعْتدال والصِّدْق والإصْلاح والوفاءِ للمبادِئ التّي نشأ عليْها، لا سيَّما في الظُّروفِ العصيبة التّي ابْتُليَتْ بها البلاد، واكْتوى بلظاها العباد، بلْ سعى في تلك الأيّام الكئيبةِ سعْيًا حثيثا نحو الإصْلاح ، ونبْذ العُنف ، فكانَ بحقٍّ من المُصْلحين الصّادقين .
إنَّ الشيْخ أحمد سحْنون شخصيّة وطنيّة، ذاتُ اعْتبار، انسجمَتْ مراحلُ عُمْرِهِ، فبدَتْ كحلقاتٍ مُتلألئَةٍ في سِلْسلةٍ ذهبيّةٍ. هذه الشخصيّة متميِّزةٌ بخُصوبتِها، فهوالمُصْلح والمُجاهد والمُربّي والمعلِّمُ والإمامُ والخطيبُ والأديبُ والشّاعرُ والنّاصِحُ الأمين .
آثارُهُ :
للشيخ آثارٌ تُعدُّ من العِلم النّافع ، بعضُها مطبوعٌ مُتداوَلٌ بيْنَ النّاس ، وبعضُها ما يَزالُ لمْ يُنشَرْ بعد ؛ ومنْ كتُبه :
· دراساتٌ وتوجيهاتٌ إسْلاميّة
· كنوزُنا
· حصادُ السِّجْن
وفـاتُـهُ :
حلَّ أجلُ الشيْخ أحمد سحْنون، وهو مُعتكِفٌ في بيْتِهِ ومسْجدِهِ، ليلةَ الاثنيْن الثّامن منْ شهر ديسمبر 2003م، الموافق 14 منْ شهرشوّال1424هـ، وضمَّتْ مقبرةُ سيدي يحْي (بئر مراد رايس) جُثمانَهُ، في جوٍّ حافِلٍ بالاعْتبار والحسْرة والعبَرات، ومُفعَمٍ بالتّرحُّم والخُشوع وحُسْن الثّناء .
مِنْ أقوالِ الشيْخ أحمد سحنون
قال يصِفُ الدّعوةَ إلى الله :
" فليْستِ الدّعوةُ إلى اللهِ - إذنْ – كلاما مُجرّدا عاديا ، يسْتطيعُ أنْ يملأ به شدقيْهِ كُلُّ مَنْ لا حَظَّ له منْ دينٍ أوْ خُلُق ،ولا خلاق له منْ إيمانٍ أو اسْتقامة ، إنّما هي كفاحٌ مَريرٌ ينبغي أنْ لا يَخوضَ غِمارَهُ إلاّ مَنْ تسلَّح له بسعةِ الصّدْر، ولينِ القوْل ، واسْتقامةِ السّيرةِ ، وبلاغةِ المنطقِ ، وقوّةِ الحُجّة " .
ويقولُ في خطابٍ مُوجَّهٍ إلى الشيْخ الفضيل الورْتلاني :
" رعاكَ اللهُ وزادَكَ رِفْعةً على هذا التّواضعِ الرّفيعِ ، فبدَلاً أنْ أكونَ السّابقَ في هذا الميْدانِ ، ميْدانِ شكْر أمثالِك من العاملين المُجدِّدين لخيْرِ المسْلمين ، كنتَ السّابقَ كعادتِكَ ، فقد عرفتُك سبّاقا إلى كلِّ خيْر ، مشجِّعا لكلِّ عاملٍ ، ولوْ كان بطيءَ الخُطى ، قريبَ المَدى ، كهذا الضّعيف . إنّهُ خُلقٌ خبَرْناهُ فيك،ولمَسْناه في مواقفِك كلِّها،يومَ كان لعُيونِنا حظُّ الاسْتمتاع برؤيتِك،ولأرْواحِنا لذّةُ القُرْبِ منك،ولعُقولِنا نعمةُ الانْتفاعِ بمواهبِك..." .
وأنْشدَ أبْياتا مُعبِّرة عنْ وضْع أُمّتِهِ التّي لم يُفلِحْ فيها عِلمٌ ولا حُكْم :
إلى اللهِ أشْكو ما تُقاسيهِ أُمَّـــتي
وما هيَ فيهِ مِنْ هُـمومٍ وأحْزانِ
فذا عالِــمٌ قــدْ بــاعَ بالفلْسِ دينَهُ
وَذا حاكِمٌ منْ غيْرِ عدْلٍ وإحْسانِ
وهلْ طائرٌ دونَ الجناحَيْنِ طائرٌ
وهَــلْ هُــوَ يَعْلو دونَ ما طيَرانِ
جَــناحا المَـعالي عالِـمٌ مُـتَـحرٍّرٌ
وحاكِـمٌ عَــدْلٌ عـاشَ غيْرَ أناني
فـإنْ لــمْ يكــونا فالحياةُ شقِيَّةٌ
يَــذوقُ بها الإنسانُ كـلَّ هَــوانِ
وَإنْ وُجِـدا عِشْـنا حَـياةً سعيدَةً
تُـحِـلُّ مِــنَ العلْـيـاءِ كــلَّ مَـكانِ
فــيا رَبِّ عجـِّـلْ للأنــامِ بعـالَــمٍ
يَسيـرُ بهِـمْ نحْـوَ العُـلى بأمــانِ
وها هوَ يمُدُّ يَدَهُ إلى فلسْطينَ ، مُتفائِلا بالنّصْر القريب :
فلسْطـيـنُ إنّا أجَبْـنا النِّـدا وَإنّــا مَـدَدْنا إليْـكِ اليَــــدا
وجئْناكِ يا مَوْطنَ الأنبياءْ لنَسْحقَ كلَّ جُموعِ العِدا
ويُعْــلِــنَ شعْـبُكِ أفْـراحَــهُ ويُصبِحَ فــي أرْضِـهِ سيِّدا
وماذا جَـنى لِيَذوق الهوان ويُصْبحَ مِــنْ أرْضِـهِ مُبْعدا
وأنْتِ مَـنارُ العُلى مُـذْ بَنَتْ
يدُ الرُّسْلِ مسْجدَكِ المُفْتدى
ومُذْ كنتِ مَسْرى نبيِّ الهُدَى جمَعْـتِ المَـكارمَ والسُّـؤددا
وكـنْـتِ لأوْجُــهِـــنا قِــبْـلـــةً
نخِـــرُّ لـهــا رُكّــــعًـا سجَّـدا
إلى الثّأْر يا مَعشَرَ المُسْلمينْ إلى القُدْسِ كيْ ننصُرَ المسجدا
ونُنصِفَ شعْبا هَدى واهْتدى ونَنسِفَ شعْبا بَـغى واعْتدى
فلمْ يكُ ما مسَّكُمْ منْ جِراحٍ سِوى بانْحرافِ سبيلِ الهُدى
فعودوا لهُ إنْ تُريدوا النّجاحْ
وإنَّ الخِــلافَ سبـيــلُ الرَّدى
ولهُ قصيدةٌ جميلةٌ عن المرأة ، بعُنوان : عيد المرأة ، نقتطِفُ منها هذه الأبْيات المُعبِّرة عنْ موقِفِهِ :
كُــنْــتِ عيدًا عَـلى الدّوامِ مَديــدا وعجيـبٌ أنْ يَجْعلـوا لكِ عيــدا
هُمْ أرادوا أنْ يَمْـدحُــوكِ فــما زا دوا على أنْ أرَوْكِ هجْوًاجديدا
أنــتِ أُمٌّ وأنــــتِ بــنْـتٌ وأٌخْـــتٌ ثــمَ زوْجٌ تُــشــيـدُ بـيــْتا سعيدا
كيْفَ قدْ أنْزلوكِ عنْ مُسْتوًى صا غَـكِ فـيـهِ الإسْلامُ عَقْدًا نضيدا
ثــمَّ صاغــوا قضيَّةً منكِ لمْ تَــبْ رحْ حَــديــثًا مُكــرَّرًا لنْ يُفيدا
أنْــتِ نِصْـفٌ مُكمِّــلٌ نصْفَكِ الآ خــرَ لــنْ يسْتطيعَ عنْكِ محيدا
لــمْ يُريــدوا خيْرًا بفصْلِكِ إذْ فصْ لـُـكِ كـانَ عليْكِ خـطْـبًا شديدا
خدْعةٌ لليهــودِ جازَتْ عَـلى المَــرْ أةِ فاســْتَـسْـلــمَــتْ لــها تقْليدا
كنْـتِ فــي البيْتِ دُرّةً زانَــتِ البيْ تَ وكنتِ نجْــمًا يُضيءُ بعيدا
نِلْتِ في البيْتِ ما هَوَيْـتِ مَدى عُمْ رِكِ حُـبّا جَـمّا وعَـيْـشا رغيدا
ذاكَ نهْجُ الإسْــلامِ مَــنْ شـيَّـدَ اللــَّ هـُ بــهِ للأنـــامِ مَـجْـدًا تـلـيــدا
مَنْ يحِــدْ عنهُ لمْ يجـدْ راحـــةَ النّفْ سِ وذاقَ الحِــرْمانَ والتّشِريدا
وتعالَ أيُّها القارئ الكريم ، وتعاليْ أيّتُها القارئة الكريمة ، نبْتهِلُ مع الشّاعر أحمد سحْنون ، مُردِّدين مقطوعةً شعريّة ، افتتحَ بها ديوانه ، عُنوانُها : ابْتهال :
يا مُلهــمًا لروائـــعِ الشّـعْـرِ ياموحِيًا لخَـوالِــدِ الفكْـرِ
يا مُودِعَ الإعْجاز في الذِّكْرِ يامُبْدعَ الرّهبَةِ فــي البحْرِ
يا موجِــدَ البسْمةِ في الفجْرِ يا خالِــقَ الفِتْنةِ فـي الثّغْـرِ
هبْ لي خيالَ الشّاعرِ الحُرِّ وقُــوّةَ التّحْلـيـقِ كالنّــسْــرِ
وقُدْرةَ الغــوْصِ على الـدُّرِّ لعَـلّـني أظْـفَـــرُ بــالـسِّـــرِّ
في مُجْتلى الفـتْنـةِ والسِّحْـرِ مِــنْ عالَمِ الإلْهامِ والشّعْــرِ
مِنْ كلِّ معْنًى موجَـزٍ بِـكْـرٍ يومِضُ مثْلَ الأنجُمِ الزّهْـرِ
لهُ شَـذًا مِـثْـْل شَــذا الزّهْـرِ أبْقى على الدّهْر مِنَ الدّهْرِ
شهاداتٌ في حقِّ الشيْخ أحمَد سَحْنون
قال عنه الشيْخ الطّاهر آيت علجتْ واصِفًا نشاطهُ الثّوْري :
" ... أثناءَ الثّورةِ كان يقومُ بمجْهوداتٍ كبيرة في توعيَةِ النّاس ، إذْ كان يدْعو إلى الجهادِ في دروسِه وخُطبِه ، حتّى في مسْجدِ الأمَّةِ بالعاصمة ، وقدْ سُجنَ ونجا من الموْتِ بأُعْجوبة . وكان يكتبُ في جريدةِ البصائر ، إذْ كان لهُ موضوعٌ أسْبوعيٌّ في التّوجيهِ الإسلامي والتّوْعيةِ ، وقدْ نجحَ نجاحا كبيرا ... لأنّه كان مُعلِّما مُميّزا ، وما رأيْتُ أحدًا أفضلَ وأحْسنَ منهُ في ارْتجالِ الخُطَبِ ، وقدْ ساعدَهُ على ذلك سعَةُ ثقافتِه واطِّلاعِهِ ... وفي أثناءِ الثوْرةِ عندما كان ينشطُ ويُحرِّضُ الجزائريّين على الجهادِ أُلْقِيَ عليه القبْضُ ، وقيلَ له : ألا تخْشى أنْ نقتُلَك ؟ ، فقال : إنّ قتْلَكمْ لي شرَفٌ عظيم . ولكنّ اللهَ أنْجاهُ من القتْل ، وإنْ كان قدْ نجا من القتْل ، فإنّه لم ينْجُ من التّعْذيب والاعْتقالِ ...
" كان أمة وحده، لا همّ له إلا الاهتمام بالأمة الإسلامية جمعاء وخاصة الجزائر، كان شديد الإحساس بما يصيبها وينالها من خير وشر، قد يكون مريضا، وإذا يسمع بشائر الجزائر يصبح نشطا مسرورا، وتراه صحيحا معافى، وعندما يسمع خبرا سيئا عن الجزائر يمرض إلى أن يلازم الفراش، حتى إن كثيرا من الإخوان ينصحون زوّاره ألا ينطقوا عنده إلا بما يثلج الصدر عن الجزائر " .
" كان يحب وطنه، وبلغ قمّة الوطنية بما ظهر عليه من الأعمال الناجحة، من خلال نشاطه في التعليم والدعوة إلى الله، كان مجاهدا محبّا للجهاد، مشاركا بسلاحه وبالكلمة في ثورة الجزائر".
" كان يمتاز بالوسطية، يكره العنف والتطرّف، دليل ذلك أنّنا نجد الشباب الذين ربّاهم وسطيين مستقيمين، لا يتفرقون ولا يتحزَّبون " .
" إنَّ له من الفضائل والصفات الجميلة ما تفرّق في غيره، فهو طاهر القلب، رحيم يحبُّ الناسَ جميعا.
وفي مقالٍ بعنوان : "ويبْقى الأثر" ، يقول محمَّد الهادي الحسَني ، مُسْتعرضًا بعْضَ ما قيل في شأْن الشيْخ أحمد سحْنون ، في اليوم الدِّراسي الذي أُقيم إحْياءً لذكْراه :
" لقدْ نسَأ الله عزّ وجلّ في أجَلِ عبْدِهِ سحنون ، فكادَ يتِمُّ القرْنَ منْ عُمره ، ولكنّه في النّهاية مضى إلى ربِّهِ ، تاركا وراءَه ذكْرا حسَنا ، وعلما نافِعا ، وعملا صالحا ، ومكتبَةً عامرة ، وقفَها على طُلاّبِ العلم والمعْرفة ، ورجالا أكْملوا الموجودَ منْ عملِهِ ، وهم عازمونَ على إيجادِ المفقودِ منْ آمالِهِ ...
لقد أجمَع المُتدِّخلونَ منْ مُحاضرين وشُهداءَ أنَّ الشيْخ سحنون كان كسيِّدِنا موسى عليه السّلام ، القائِل : " رَبِّ إنّي لِما أنْزلتَ إليَّ مِنْ خيْرٍ فقير " ، ولكنّه كان منْ أغْنى الأغنياءِ في الأخلاقِ الحسَنة ، والصّالحِ من الأعمال ، والطيِّبِ من الأقوال، ولم يكنْ في ذلك مُرائيا ولا مَنّانا ، ولا مُسْتكثرا ، بل كان يعملُ ويضْرعُ إلى اللهِ عزّ وجلّ أنْ يخلصَ عملُه ويتقبَّلَه بقَبول حسن ...
لقدْ عدَّد المتدخِّلون وهم مِمّنْ عرفوا الشيْخ سحنون ، صُحبةً وروايةً ودِرايةً ، منْ أخلاقِه ما كاد يصعُبُ حصْرُه ، وضربوا لكلِّ خلُقٍ ذكروه أمثِلةً حيّةً ، وتكادُ هذه الأخلاقُ كلُّها تكون في درجةٍ واحدةٍ ، وفي مسْتوى واحدٍ ...
ومنْ أحسَنِ ما سمعْتُ أنّ الشيْخ سحنونا كان يجسِّدُ عزّةَ المؤمنِ الحقيقي ، بحيث إنْ زارَهُ شخْصٌ متواضعٌ قام لهُ وسلَّم عليه ورحَّب به ، وإنْ زاره "مَغْرورٌ " لمالٍ أوْ لِجاهٍ ، ظلَّ الشيْخُ مُسْتلقيًا ... " .
واقرأْ شهادة الدكتور عبد الرّزّاق قسوم ، تزْدَدْ إعْجابا بالشيخ سحنون ، وتقديرًا له :
" ... إنّ الشيْخ سحنون عالمٌ ليس ككلِّ العلماءِ ، فقد تعدّدتْ جوانبُ العلم العملي فيه ، جهادا وجُهودا باليدِ والقلم واللسان والقُدوةِ الحسنة ، لأنّه الغصنُ الرّطيبُ في دوْحةِ جمعيّةِ العلماء الوارفة الظِّلال ، وهو حلقة ذهبيّة في سلسلةِ النّفائس الجزائريّة ، من الأمير عبد القادر وعبد الحميد بن باديس ، إلى مالك بن نبي والبشير الإبراهيمي والعربي التّبسي ، وصحْبهم الميامين ...
لقد كان فقيدُنا الدّاعيةَ الكبير، والمُربّيَ الجليل، والشاعرَ المُرهفَ، كان منْ صفْوةِ مَنْ أنجَبتْهم الجزائر ، فتركوا بصماتِهمْ المُتميِّزة ، في مجتمعٍ حاربوا فيه الجهلَ والبِدَعَ والتّخلُّفَ والانحرافَ وسفكَ الدّماءِ ، لتثْبيتِ القِيَم والفضيلة والوطنيّةِ الصّادقة ...