الربيع بوشامة المناضل الشاعر المصلح الشهيد

بقلم: محمد الطيب-

المناضل المعلم المصلح الثوري الملتزم، ولد في قنزات ببني يعلى بسطيف في ديسمبر 1916، حفظ القرآن الكريم وعمره 12 سنة على يد الشيخ الصديق بن عبد السلام، ثم التحق المدرسة الفرنسية حتى أكمل دراسته الابتدائية، ثم عاد إلى بني يعلى فتتلمذ عند الشيخ سعيد صالحي، والنحو والتجويد والقراءات أخذها عن الشيخ العياشي مرغيش، وقرأ الفقه المالكي عند الشيخ الهاشمي بلمولود، علي الزموري والسعيد بن عمر..

انغمس في وسط إصلاحي كان من رواده آنذاك سعيد صالحي والفضيل الورتيلاني، فحصيل العلوم وكون نفسه ودأب على قراءة مجلة "الشهاب" التي كانت تصله بانتظام، ونظرا لمواظبته عليها ونشاطه المتميّز أصبح في 1937 عضوا عاملا في حركة جمعية العلماء، وقام رفقة نخبة القرية بتأسيس ناد للشباب، وأخذ يساعد شيخه سعيد صالحي في التدريس بالمسجد، ثم رافقه سنة 1938 كموفدين من جمعية العلماء إلى باريس لمساعدة الشيخ الورتلاني في نشاطه الإصلاحي بفرنسا، ولم تمض عليه إلا سنة حتى عاد إلى الجزائر بأمر لأداء الخدمة العسكرية، إلاّ أنه أعفي منها بعد الفحص لضعف بصره، بعدها ذهب إلى قسنطينة حيث مكث بها عشرة أشهر ليأخذ العلم فيها عن الإمام بن باديس الذي ترك أثرا في تفكيره، ثم عاد إلى بلدته وأقام بها أكثر من سنتين مُعلما ومُصلحا.

القبول عليه أثار حوله شكوك الإدارة الاستعمارية فاستدعته مرتين وهددته بالنفي إلى الصحراء، وفي 1942 انتقل إلى خراطة وعلّم بمدرستها وكان متواجدا بها إبان مجازر 08 ماي 1945 وقد أخبره السيد محمد أعراب بأن الوضع غير مُطمئن وطلب منه اللجوء إلى قرية آيت مرعي، فأنتقل وأسرته إلى هناك، وفي طريق عودته أعتقله الجيش هو وأسرته ونُقلوا إلى مبنى الدرك، ثم أفرج عن أسرته والتي بقيت بدون معيل تعاني الضياع، بعد عودت شقيقه من الحرب إلى قنزات توفى والده، وبعد دفنه راح يبحث عن أسرة أخيه في خراطة، وعاد بها، وبدأ البحث عنه وعيّن له محاميا بعد أن علم مكان اعتقاله، إلاّ أن المحكمة حكمت عليه بالإعدام، وبمحكمة الاستئناف بقسنطينة صدر حكمها بالبراءة، بعد أن تبيّن لها تناقض شاهد الزور، وأطلق سراحه في أفريل 1946 في حالة هشة، بعدها أقام كمعلم لشهور في بلدته، ثم طلبته جمعية الهداية بحي العناصر بالعاصمة ليلتحق بمدرستها كمعلم، فأعطاها انتعاشا فتم تعيّنه في العام الموالي مديرا لها، إلاّ أنه تركها لتعيّنه جمعية العلماء مُعلما ومديرا لمدرسة الشباب بالحراش في 1948، جعل منها ترسل طلبتها لجامع الزيتونة أو لمعهد ابن باديس لإتمام دراستهم العليا، وفي 1952 انتدب مرة ثانية من قبل الجمعية كمعتمد لها بفرنسا ورئيسا لشعبتها المركزية بباريس، لكنه عاد بعد أشهر ليباشر مهامه مجدّدا بمدرسة الثبات بالحراش، والتحق بالثورة في بدايتها وقد كانت له علاقة صداقة سابقة بالعقيد عميروش، وكان على اتصال به في 1955، ليتوجّه في 13 ماي 1956 إلى برج بوعريريج ومنها إلى قنزات ثم قلعة بني عباس ويجتمع به.

حامت الشكوك حوله فتم في 16 جانفي 1959 إلقاء القبض عليه من الدرك بمدرسة الثبات لتعتقله بتهمة تمزيق العلم الفرنسي، ثم اقتيد إلى قيادته الجهوية بحي بلفور ليتم استجوابه ثم الإفراج عنه، وفي الليلة الموالية داهمت بيته الشرطة الفرنسية يصحبهم عميل، وبعد أيام عادوا به إلى المنزل محطما، ثم أرجعوه إلى معتقله، وفي أفريل أخبر المحامي أخيه، لكنه حوّل من يد الشرطة إلى السلطة العسكرية، فذاق العذاب الشديد لعلاقة بالعقيد عميروش، وحسب الأستاذ شريبط في كتابه (مباحث في الأدب الجزائري المعاصر) حسب رواية أخوه (رمضان) فإنه "كان مقرباً من العقيد عميروش الذي التقى به عندما كان رئيساً لشعبة جمعية العلماء بباريس، وتوطدت العلاقة بينهما حتى اندلاع الثورة والتحاقه بجيش التحرير ليعمل بأوامره وتوجيهاته، إن جهاده ونشاطه التربوي وأشعاره دفع بالمستعمر للقبض عليه ثانية حين كان مديراً لمدرسة البنات في الحراش، فقد اقتحمت الشرطة السرية بيته، رفقة عميل في ليلة 16 جانفي 1959 وتم تحويله إلى مركز الدرك بالأربعطاش، وبقي سجيناً لديها إلى أن نقلت وسائل إعلامها نبأ موته في 14 ماي 1959، ويروى أنه أعدم بدون محاكمة في الليلة السابقة، وأوردوا أن وفاته تعود لاشتباك بين قواتها وقوات جيش التحرير، وأعلنت ذلك عبر مكبرات الصوت في سطيف ومراكز الاعتقال، لكن بعض الشهود الذين كانوا معه في السجن أكدوا أنه عُذب عذاباً شديداً، وأن علاقته بالبطل عميروش اعتبرت جرماً كبيراً في نظرهم، وادعت صحافتهم حينها بأن وفاته كانت إثر اشتباك وقع بين جيش التحرير وقوات العدو، إلاّ أن أحدا لم يصدق هذه المسرحية الملفقة، وكان لنبأ استشهاده في الحراش وقع الصاعقة، واعتبر يوم حداد، حيث هرعوا لمنزل الشهيد لمواساة أسرته".

استشهد ليلتها وزميله الشيخ أحمد إمام بودواو بعد العذاب الوحشي وإعدامه في 13 ماي 1959، وعمره لم يتعد 43 سنة، ترك العديد من القصائد التي كان ينشرها بجريدة "البصائر" بيد أن الكثير منها قد ضاع أثناء الثورة، وقد جمع الأستاذ قنان ما أمكنه في ديوان للشاعر جمع فيه 105 قصيدة أكثرها ثورية ودينية وقومية وتربوية، رحمه ورحمهما الله، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.