كيف تنجح الثورة في الجزائر؟
بقلم: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي-
الثورة القائمة في الجزائر، يتوقف نجاحها على تحقيق ثلاثة أشياء: الإطالة، والتعميم، والسلاح، وبهذه الثلاثة نجحت كل الثورات التي وقعت في العصور القريبة على الاستعمار، فثورة ليبيا على الاستعمار الإيطالي دامت عشرات السنين، حتى أقضت مضاجع الطليان من عسكريين وسياسيين، وثورة الهند الصينية على الفرنسيين الغاصبين دامت ثماني سنوات.
وإذا كان من سرّ نجاح ثورة الشهيد عمر المختار اعتصامه بالجبل الأخضر، فإن في الجزائر عشرات من الجبال تفوق الجبل الأخضر في الارتفاع ووعورة المسالك وكثافة الغابات الطبيعية، وليس جبل أوراس بأولها ولا بآخرها، وهي ممتدة على طول القطر الجزائري من حدود تونس إلى حدود مراكش، وتوازيها سلسلة الأطلس الصغرى على طول سواحل مقاطعة قسنطينة وثلثي مقاطعة الجزائر، وفيها من القمم الصخرية الوعرة والغابات ما لا يقلّ عن قمم وغابات الأطلس الأكبر.
فالجزائر مسلّحة بهذا السلاح الطبيعي، الذي لا يوجد في غيرها إلا قليلًا، غير أنه لا يحسن الاعتماد عليها كثيرًا في هذا العصر الذي من أسلحته الطائرات والقنابل الثقيلة وأسلوب التطويق والحصار الذي يقطع الإمداد على المعتصمين بالجبال، ثم هذا الأسلوب الذي اهتدت إليه إيطاليا في أخريات ثورة عمر المختار، وهي ترحيل سكان القرى بالجبل وفي سفوحه وإبعادهم عن المجاهدين، ثم وضعهم الأسلاك الشائكة المكهربة على ما يقرب من مئتي كيلومتر على الحدود المصرية، وهذا الصنيع نفسه قد بدأت فرنسا في سلوكه بجبل أوراس، فقد أفادت وكالات الأنباء أنها أمرت سكان القرى الآمنة بالنزوح عنها كيدًا لهم ومكرًا بهم، حتى تنزل النكال بالثائرين ولو بتسليط النار على الغابات كلها.
وأما تعميمها فهو شرط أساسي لنجاحها لأنه يوزّع القوى الفرنسية، ويقوّي تأثير الرعب في نفوس المعمّرين أصحاب المزارع والضياع، وهذا التعميم متوقف على الأسلوب الذي يجري عليه الثائرون في جبل أوراس، وعلى التوجيه السرّي الذي يباشره الدعاة إلى الثورة، والمغذّون لها بالرأي والإمدادات المادية.
وأما التسليح فهو أصعب الأشياء، لأن الجزائر محاطة بمراكش وتونس ولا يمكن التسليح إلا منهما، وفرنسا محتاطة من عشرات السنين لهذه القضية بخصوصها، وما احتلّت فزان إلا لهذا، وما بادرت بمفاوضة التونسيين وإسكات الفدائيين في تونس إلا لهذا. فعلى الرجال والهيئات العاملة لخير الجزائر خاصة والمغرب العربي عامة حصر أعمالهم واهتمامهم في هذه النقطة، ومع الجدّ والعزيمة والصدق والصبر وحسن التدبير، يهون كل عسير.
*وُجدت هذه الكلمة في أوراق الإمام بخطه .. آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، ج5.