جمعية العلماء… النشاط العام والاحتفالات (تذكير بوجهة نظر الشيخ الإبراهيمي)

بقلم: حسن خليفة-

يزخر تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ماضيا وحاضرا، بمناشط لا تهدأ ولا تتوقف، تقوى ولا تضعف، ومن تلك المناشط البديعة ما يتعلق باللقاءات كالمؤتمرات والملتقيات والندوات، والأيام الدراسية والتي ضربت فيها الجمعية بسهم وافر بحمد الله، فعقدت المئات منها شرقا وغربا شمالاً وجنوبًا، على تنوّع في موضوعاتها ومحاورها: شرعية دينية، اجتماعية، ثقافية، فكرية، إعلامية إلخ؛ حتى عُرفت الجمعية في السنوات الأخيرة بأنها أنشط جمعية على مستوى الوطن في هذه اللقاءات العلمية النوعية، وفرة ونوعا، وما ملتقياتها الدولية سوى جزء يسير من هذا النوع من النشاط الدعوي الإصلاحي العام، وقد وصل عدد الحضور في بعض الملتقيات إلى الألف كملتقى تلمسان الدولي (ملتقى الشيخين)… وقد أحيت الجمعية بذلك منشطا عالميا كانت الجزائر فيه سبّاقة ورائدة وأعني ملتقيات التعرّف على الفكر الإسلامي.

وإنمّا يعنينا في هذه السطور بسط الكلام عن الفوائد الجمة اللقاءات والاحتفالات، ومنها ما يندرج ضمن ما نسميه ملتقيات أو لقاءات التعريف بعلماء الجمعية وصلحائها في بعض المناطق، مما تقوم به الجمعية في شكل تكريم واحتفائيات مخصوصة.

يجرنا الحديث هنا إلى استعراض منهج الجمعية في هذا المجال بالذات، وأعني أهمية الاحتفاء والاحتفال وإحياء الأيام والأعلام، وإعادة الاعتبار للمناسبات، واعتداد ذلك جزءا أصيلا في نسيج ومنهج عمل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدعوي والإصلاحي المعرفي الديني.

وربما كان في هذا المقال ما يجيب بعض الإخوة الذين يرون في تلك الاحتفالات ومنها الملتقيات مضيعة للمال والجهد والوقت.. فنقول لهم بأخوة ومحبة هذا رأي معتبر، ولكن حين استعراض «فلسفة» الاحتفال والنشاط العام وبيان فوائده وثمراته سيتضح أن الأمر مفيد غاية الإفادة، بشرط أن يُحكم النشاط ويؤطر، وتكون له أهدافه العلمية والعلمية.

دعونا نستعرض هنا فلسفة الجمعية في الاحتفالات (والنشاط العام ) بصفة عامة كما يحددها عالم الجمعية المكين الشيخ الإبراهيمي بقلمه المبدع الدقيق التصوير، ورؤيته الثاقبة، وتصوّره المتكامل للعمل الدعوي.. يقول في كلمة عن أهمية الاحتفالات بصفة عامة، وندرج ضمنها كل المناشط العامة من مؤتمرات وملتقيات وسواها، كما سبق الذكر؛ لأنها كلها «احتفاء» بالعلم أو بالعلماء والصلحاء، أو بمناسبات خاصة ومميزة. ولنركز على الشروط التي يوردها في الاحتفالات، وخاصة تركيزه على الخطباء (المؤطرين والمحاضرين والمشاركين). وليس توقفنا في كلامه ذلك العمق الذي يستغرق كل فضاء ممكن للإفادة، من الناس العاديين إلى غيرهم من المثقفين والمتعلمين وأهل الاختصاص.. فهي ـ اللقاءات ـ مفيدة في عمومها، إن توفرت شروط النُّحج والإفادة والحرص على الدعوة والإصلاح فيها ..يقول من مقال له بعنوان « كلمة في الاحتفالات وتصوير وصفي للاحتفال العظيم بختم القرآن الكريم ـ مجلة الشهاب 1938)

«إنّ هذه الاحتفالات بمثابة دروس تطبيقية معظم تلامذتها من الدهماء(عامة الناس وسوادهم) الذين حُرموا المدارس والدروس النظامية. وإذا كان هذا الصنف كثيرا في الأمم فمن الرحمة به وحسن الرعاية له ومن الحكمة في استصلاحه وتربيته أن يُوسَّع له في هذه الاحتفالات ويُكثر له منها، وأن تُبتكر له المناسبات لإقامتها»! (لاحظ كلام الداعية الخبير).

وإنّ أكثر النّاس استفادة من الاحتفالات وأبلغهم إفادة فيها وأثقلهم عهدا في توجيهها إلى الصالح النافع أو الفاسد الضار، هم الخطباء؛ فعليهم وحدهم يتوقف إصلاحها أو إفسادها، وليست خصوصية الأسباب ولا تحديد النظم بمانعة للخطباء من بلوغ غرضهم ما دام باب المناسبات والاستطرادات واسعا رحب الجوانب، وما دام وجود الخطباء في الاحتفال جزءا ضروريا بحيث لو خلا من عنصرهم ـفي هذا العصرـ احتفال لكان زردة متمدنة مظلومة في اسمها، فوجودهم هو الفارق الجوهري بين مسمّى احتفال ومسمى »زردة»!.

ثم يذكر أن الاحتفالات تتفاوت ـبطبيعة الحال ـ بتفاوتها في «سمو المعاني التي تقام لأجلها، فبقدر سموّ السبب وعموميته تكون قيمة الاحتفال، ثم تنزل تلك القيمة وترخص كلما تفه السبب أو خص حتى تصل درجة الساقط الذي لا وزن له فأسمى هذه الأسباب ما يذكّر الجمهور بأمجاده التاريخية ومفاخره القومية، وفيه نخوة أماتها الضيم، وفحولة قضى عليها التأنّث، وذكرى أخنت عليه الغفلة والنسيان، وغصالة خبّثتها الأعراس الدسيسة، وعزيمة أطفأتها طباع الضعف والفسولة، وأريحية غطّى عليها اللؤم المخزي والشح المطاع، وشواعر خدّرتها تهدئة الدخيل وزمزمة الحاوي وهيمنة الواغل…. ثم ما يجلو حقيقة دينية أو علمية غشيتها الأوهام والخرافات، ثم ما يحقق له مصلحة في الحياة كانت مجهولة أو حقا فيها كان ضائعا، ثم ما يكشف له عن وجوه الاصلاح الاجتماعي ليعملوا له، وعن وجوه الفساد ليتقوه».. ثم يضيف مذكرا بالأشكال والصور والصيغ:

هذا من جهة الأسباب والبواعث. فأما من جهة الأشكال والصور فأعلى ما فيها أن ينساق إليها الجمهور بسائق وجداني، وأخسّ ما فيها أن يُساق إليها سوقا، أو أن يُخدع فيها عن وجدانه بالمرغّبات الخادعة.». ولنتذكر هنا المسيرات العفوية وحشد الجمهور لحضور مناسبات يُساقون فيها سوقا إليها. وهو من الطباع السيئة في بعض أنظمة الحكم المستبدة الغاشمة.
ويشير الإبراهيمي أخيرا.أن الاستكثار من تلك الاحتفالات والمناسبات والمناشط لأهمية ما تحققه من أهداف وإحياء وبعث للحياة والقيم.. يقول:

لكل أمة أسباب طارئة وبواعث تاريخية تدعوها لإقامة الاحتفالات، وقد تنبهت الأمم الحية إلى ما فيها من الفوائد فجعلت الاحتفال بها جزءا من حياتها ومادة من قوانينها الاجتماعية وإن الامة الإسلامية لأغنى الأمم من هذه البواعث التاريخية، وكلها من ذلك الطراز العالي الذي أشرنا إليه، ومعظمها بواعث دورية (منتظمة) يفضي الباعث منها إلى باعث فلا تفتأ الأمة مستعرضة ماضيها كله ولا تزال في غمرة من المنبّهات المنعشة.»

إذن.. يمكن تصوّر ما يُجنى من الفوائد من هذه المناشط العامة، على شرط توفّر المعايير والأدوات والتأطير والتخطيط والاستهداف الثقافي للجمهور الحاضر. وقد حققت الجمعية بعون الله الكثير من ذلك من خلال مناشطها. العامة وما تزال.. وستبقى جزءا أصيلا من عملها الدعوي الإصلاحي التعريفي… والله المستعان.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.