خير الدين و”خير الدين”
بقلم: محمد الهادي الحسني-
حدّثني الشيخ محمد الصالح رمضان أن الإمام محمد البشير الإبراهيمي، رئيس جمعية العلماء المسلمين في عهد التنظيم والانتشار كان “فنّانا” في ائتلاف قلوب إخوته وأبنائه معلّمي جمعية العلماء الذي كان يعتبرهم بحق “مجاهدين”، وكيف لا يكونون كذلك وهم يتصدّرون لحربٍ تشنّها فرنسا اللائكية – الصليبية ضدّ مقومات الشعب الجزائري من دينٍ ولغة، وأمجاد تاريخية…
وقد كان الإمام ينوِّع أساليب الائتلاف بحسب أحوال هؤلاء المعلمين – المجاهدين فمنهم من يأتلفه بكلمةٍ طيبة، ومنهم من يأتلفه برسالة يشرح بها صدره، ومنهم من يأتلفه بمساعدة مالية يخفف بها عنه معيشة ضنكا، لم يكن هو نفسه غريبا عن تلك المعيشة، وكثيرا ما كان يقترض ويقول لمن يلاحظ عليه مساعدة الآخرين وهو الأحوج: “أنا أجد من يقرضني، وهو لا يجد من يقرضه”.
من أعضاء جمعية العلماء الأساسيين فيها والمؤسسين لها الشيخ محمد خير الدين الذي تحل غدا ذكرى وفاته، إذ أتاه اليقين في 10 ديسمبر 1993، وكان قد رأى النور في 1902 ببلدة فرفار من ولاية بسكرة..
في أحد لقاءات الإمام الإبراهيمي بأخيه الشيخ محمد خير الدين، وعلى مسمع من الحاضرين قال الإمام:
الدينُ خيرٌ كله وأنا أرى من خير هذا الدين “خير الدين”.
فكلمة خير الدين الأولى تعني هذا الدين القيّم، الذي لا يقبل الله – عز وجل – غيرَه من الأديان ولو ادّعى سماسرتُها نسبتها إلى الله، لأنها حُرِّفت وأهلها من الشاهدين على ذلك… فـ”الدين عند الله الإسلام”، وأمّا كلمة خير الدين الثانية فالمعنيُّ بها هو الشيخ محمد خير الدين الذي قال عنه الإمام ابن باديس “عميد الحركة الإصلاحية في بسكرة وضواحيها، ممتاز يحسن التدبير التجاري والفلاحي، الذي قلّ أن لا يعود عليه بالأرباح… لكنه كثيرا ما يترك ذلك كله في سبيل خدمة الجمعية بذلك التدبير، وهو مراقب الجمعية العام”. (جريدة البصائر في 28/10/1938 ص 2).
كان الشيخ محمد خير الدين في الصف الأول من مؤسسي جمعية العلماء وقادتها منذ أول يوم أسِّست على التقوى إلى أن توفاه الله وهو رئيسٌ شرفيٌّ لها، ولو كان عند إعادة تأسيسها في بداية التسعينيات جدَعا لقادها بما عُهد فيه من الحكمة والجرأة مع الدهاء… أليس هذا ما قاله عنه الشيخ أحمد سحنون:
كان ذا حكمة، ورأي، وحزم وتفانٍ، وحنكة، ودهاء
كان صاحبَ امتياز جريدة “البصائر” في سلسلتها الأولى، وكان أمينَ مال جمعية العلماء، ونائبَ رئيسها الإمام الإبراهيمي، ونائبَ مدير المعهد العتيد، وثاني اثنين مع الشيخ التبسي مثَّلا الجمعية في “الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها”، ومثلا جبهة التحرير الوطني في المغرب، وعضوا في المجلس الوطني للثورة، ثم نائبا في أول برلمان بعد استرجاع السيادة، وقبيل أن يأتيه اليقين بنى من ماله لله مسجدا في بسكرة، وأهدى مكتبته لجامعة الأمير عبد القادر، فكان ختامُ حياته مسكا. فرحمه الله وألحقه بصالح عباده، وجعل اسمه وعمله للخلود، وروحَه للخُلد.