الشيخ المؤرخ العالم أبو القاسم سعد الله
محمد الطيب

الشيخ المؤرخ العالم أبو القاسم سعد الله

بقلم: محمد الطيب-

شيخ المؤرخين الجزائريين باحث ومؤرخ، أحد رجالات الفكر البارزين وأعلام الإصلاح الاجتماعي والديني في الجزائر..

وُلِد بضواحي قمار بولاية الوادي المتميزة بالصحراء الجزائرية في 01 جويلية 1930، هناك دخل الكتاتيب وحفظ القرآن الكريم بجودة عالية، درس ببلديته الأصلية، أين تلقى مبادئ العلوم اللغوية والفقهية والدينية، حيث أنه عايش جمعية العلماء المسلمين وباشر بمدارسها الحركة التعليمية، ثم انتقل للدراسة في جامع الزيتونة بالدولة التونسية، منذ نهاية الأربعينيات إلى انطلاق الثورة التحريرية، قد حصل هناك بتميز في دفعته على المرتبة الثانية، أين تحصل على الشهادة العلمية العالمية، كان منذ ذاك يباشر الكتابة الصحفية، في البصائر لسان حال الجمعية، حتى أنهم لقبوه ب "الناقد الصغير" صاحب الأفكار النيرة القوية، بعدها انتقل للدراسة بالقاهرة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أين حاز على شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية، وذلك تزامنا مع استقلال الدولة الجزائرية، ثم انتقل إلى أمريكا حيث درس في جامعة منيسوتا الأمريكية، بعدما أرسلته جبهة التحرير الوطني لمواصلة مساره الدراسي، حتى تحصل منها في الخامسة والستين على شهادة الدكتوراه باللغة الإنجليزية في تاريخ الحركة الوطنية، إضافة إلى اللغة العربية، أتقن الفرنسية والإنجليزية،كما درس الفارسية والألمانية، وكانت نشاطاته كثيفة ومتنوعة في المجال الأكاديمي والثقافي، حيث ترك لنا مؤلفات قيمة كما ونوعا، منها ما نشرها ومنها ما لم تنشر في مجالات مختلفة بإتقان وعلمية، أنها نتاج عصارة أفكاره الموسوعية، كما تعتبر من ابرز الأعمال والمراجع التاريخية التي تتسم بالصدق والموضوعية في معالجة القضايا التاريخية في أبعادها خاصة منها الثقافية، وأخرى تتعلق بالآداب والمسائل الثقافية، وبالعلوم الإنسانية والاجتماعية، نذكرهم منها فيما يلي، دراسات في الأدب الجزائري في الستينيات، تجارب في الأدب والرحلات، محمد العيد آل الخليفة، ومحمد شاولي القسنطيني، وكتابات أخرى في الحقل الأدبي، كتب الحركة الوطنية الجزائرية في أربعة أجزاء متكاملة، وكتاب منطلقات فكرية، الطبعة الثانية بتونس وليبيا، والدواوين الشعرية، كالزمن الأخضر، والسعفة الخضراء، وأفكار جامحة، وقضايا شائكة وفي الجدل الثقافي، وهموم حضارية، وأبحاث وأراء في تاريخ الجزائر في خمسة أجزاء، وموسوعة تاريخ الجزائر الثقافي بتسعة مجلدات، ومحاضرات في تاريخ الجزائر الحديث بمراحله المفصلية، وبحوث في التاريخ العربي الإسلامي بنظرة موضوعية، ونذكر من تحقيقاته حكاية العشاق في الحب، الاشتياق والأمير مصطفى بن إبراهيم باشا، ورحلة ابن حمادوش عبد الرزاق الجزائري، ومنشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، مختارات من الشعر العربي، ورسالة الغريب إلى الحبيب "لأحمد بن أبي عصيدة البجائي"، وأعيان تاريخ العدواني، من المشارقة والمغاربة، وترجم العديد من المؤلفات و الأعمال المتنوعة نذكر منها منها شعوب وقوميات في نهاية الخمسينيات، حياة الأمير عبد القادر "لشارل هنري تشرشل" في بداية الثمانينيات، الجزائر وأوروبا لجون وولف، وقد طبعها بالجزائر وبالمطابع ودور النشر العربية...

وقاعدته في كتابة التاريخ قالها في مقدمة الجزء الثاني من أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر من البداية إلى النهاية "إن بعض الناس اليوم يكتب التاريخ من وجهة نظر حزبية، وبعضهم يكتبه بمنظار الطرقية، وبعضهم يكتبه بلون الحركة الإصلاحية، وبعضهم يكتبه في ضوء الإيديولوجيات العالمية.. وأود أن أقول هنا بأني في اعتقادي لست من هؤلاء ولا من أولئك في الكتابة التاريخية، والمؤرخ الحق في نظري هو الذي يفرق بين ميوله الشخصية ومهمته الوطنية والقومية والإنسانية، إننا لا نكتب حسب أهوائنا وميولنا ولكن حسب منطوق ومفهوم الوثائق مع الأخذ بالاعتبار في المعالجة جميع معطيات القضية.."، لا أنسى أنه كان رجلا طيبا متواضعا خدوما صاغيا لطلبته ولكل طلبة الجامعة الجزائرية الذين يقصدونه، عندما كنت طالبا بمعهد علوم الإعلام والاتصال، زرته في فيفري 1987 بمعهد التاريخ بالخروبة، لتنقيح بعض الفصول والحصول على بعض المعلومات التاريخية، رغم وقته الثمين أعطاني من وقته المعلومات الكافية الشافية، ويشهد له الجميع أنه واصل كفاحه طول مساره، حيث كان منشغلا بالكتابة والبحث حتى وهو يعالج ببيته وبالمستشفى حتى وفاته بالمستشفى العسكري لعين النعجة في 14 ديسمبر 1913، وعمره قد ناهز 83 سنة. رحمه الله.

< p align="justify">كان له حضورا كبيرا في الساحة العربية والدولية، اشتهر بمواقفه العلمية والفكرية المعتدلة وبدفاعه عن الثوابت والقيم الوطنية، وذلك منذ بداية نضاله في الحركة الوطنية، وكمجاهد بنضاله الطلابي في القاهرة، وبمساهمته الفعالة في التعريف بالقضية الجزائرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وواصل مشواره بعد الاستقلال بسجل علمي حافل بالإنجازات من وظائف إدارية وبيداغوجية، ومؤلفات أدبية وعلمية، وترجمات مختارة هادفة، حيث أنه فضل الجهود الأكاديمية على خدمة الإيديولوجية، كما رفض الصخب الغوغائي والفلكلوري لدرجة انه رفض المشاركة في الملتقيات التي ليس لها طابع الأكاديمي، واشتغل بالحياة الثقافية الجزائرية، طيلة أكثر من عشرية، كأديب ومؤرخ ومترجم خبير، فكان رمز المثقف اليقظ الوفي للعقل والمجهود النقدي المستقل البعيد عن التأثيرات والتجاذبات السياسية، وتوجيهاتها المنافية للصرامة العلمية، ركز جهوده على البحث في تاريخ الجزائر الثقافي وعلى إعادة الاعتبار لأعلام الجزائر عبر تاريخها الطويل الحافل بالإنجازات، وإن لم يبحث في تاريخ الحرب التحريرية، فإنما اعتقادا منه وتخوفا من التأثيرات الحزبية، والاثار التي قد تنجم على ذلك، حريصا على سلطته الأكاديمية، حيث توقف عند الأربعينيات في كتابته التاريخية، وفي الخمسينيات في كتاباته الثقافية، ولم يقترب كثيرا من تاريخ الثورة الجزائرية، خشية من غلبة الذاتية، بحكم أنه أحد المشاركين والفاعلين إلى جانب قيادات الثورة التحريرية، كما أنه فضّل تاريخ الفكر والثقافة على التاريخ السياسي والعسكري خاصة وأنه كان يدرك جليا الخوف الذي قد تثيره عند بعض النفوس الكتابات التاريخية، وقد كان ذلك عنوانا لمحاضرة ألقاها في الجامعة المركزية، وبعد وفاته أطلقت السلطات المعنية اسمه على جامعة الجزائر2 ببوزريعة العالية، أين قضى جزء من مشواره التدريسي والبحثي بتفاني وتضحية، وهو اليوم محل دراسات وبحوث علمية، وموضع اهتمام للعديد من الملتقيات عبر الجامعات الجزائرية، تخليدا لشخصه المتميز بإنجازاته الحضارية والإنسانية، نم هنيئا فقد شرفتنا أستاذنا العالم وشرفت في إستثناء الدولة الجزائرية. يرحمك الله وينفعنا بعلمك.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.