الشاعر الشهيد عبد الكريم العقون
بقلم: الصالح بن سالم-
تكون في مدارس ومعاهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المئات من الشباب الجزائري المتعطش للثقافة العربية الإسلامية التي أراد المستدمر الفرنسي طمسها بعد مرور 100 سنة من الاحتلال (5 جويلية 1830م / 5 جويلية 1930م)، وقد التحق المئات من شباب وصبية برج بوعريريج بهذه المعاهد والمراكز والمدارس، ولعل من أبرز هاته الشخصيات الشاعر عبد الكريم العقون الذي رافع بقلمه ولسانه لصالح العربية والإسلام والأمة الجزائرية، ولم يتأخر عن ركب الثورة التحريرية حيث كان من شعراء الثورة البارزين إلى جانب محمد العيد آل خليفة إلى غاية استشهاده سنة 1959م.
فمن خلال هذه الفسحة التاريخية أردنا أن نعرف القارئ البرايجي بهذه الشخصية الفذة.
المولد والنشأة:
هو عبد الكريم ابن المسعود وفاطمة بن زيوش من مواليد قرية العقاقنة ببلدة برج الغدير ولاية برج بوعريريج بتاريخ 18 مارس 1918م. حفظ القرآن الكريم على يد والده الشيخ المسعود الذي كان من أعلام وشيوخ القرية إلى جانب الشيخين العربي بن العدوي وعلي بن عبد الرحمن، لينتقل بعدها لحلقات العلامة نويوات موسى الأحمدي أين درس عنه الفقه واللغة العربية لمدة سنتين، وبعدها حط الرحال بزاوية آقبو لتحصيل بقية العلوم الشرعية واللغوية.
التحاقه بجمعية العلماء المسلمين:
بتاريخ 05 ماي 1931م قام مجموعة من الشيوخ والعلماء الجزائريين الأفاضل بتأسيس جمعية علمية دينية إصلاحية بنادي الترقي بالجزائر العاصمة برئاسة عبد الحميد بن باديس ونيابة محمد البشير الإبراهيمي، وقد انتشر هذا الخبر كالنار في الهشيم بمختلف المدن والبوادي الجزائرية التي سارع شبابها للانخراط بهذه الجمعية الواعدة، وفي هذه الفترة كان عبد الكريم العقون بزاوية آقبو ببجاية فقرر التنقل لقسنطينة والتعلم على يد العلامة عبد الحميد بن باديس، وهو ما حصل سنة 1934م أين أخذ الكثير عن هذه الشخصية العملاقة في تاريخ الجزائر، وكانت فرصة ليعلن انخراطه بصفة رسمية في جمعية العلماء المسلمين، ومن قسنطينة هاجر عبد الكريم العقون لتونس قاصدا جامعها الشهير (الزيتونة) سنة 1936م، وبقي هناك لمدة ثلاثة سنوات وهي الفترة المخصصة لنيل شهادة التحصيل العلمي لغاية 1939م.
قرر عبد الكريم العقون بعدها رفع التحدي من خلال العودة لقريته لتعليم الصبية والشباب العلوم الشرعية واللغوية التي أخذها في مختلف محطاته العلمية، وبعد تأسيس مدرسة التهذيب بمدينة برج بوعريريج انتقل إليها عبد الكريم وأصبح أحد أعمدتها، وفي سنة 1941م قرر الانتقال للعاصمة وأخذ مقعدا كأستاذ بمدرسة الفلاح الشهيرة، وكانت العاصمة هي وجهته الأخيرة أين اعتكف على التدريس والإمامة بمساجدها ومدارسها لغاية استشهاده سنة 1959م.
انخراطه في الثورة التحريرية واستشهاده:
لما اندلعت الثورة التحريرية سنة 1954م لم يتوانى عبد الكريم العقون في الانخراط بها من بوابة جبهة التحرير الوطني، وكان عمله يقتصر على التوعية وحث الشباب على الجهاد من خلال قصائده التي كان ينشرها في مجلات جمعية العلماء كالشهاب والبصائر وغيرها، مثل قصيدته التي يقول في أبياتها عن شباب الجزائر: شباب الجزائر مالي أراك تقاعست حتى أستبيح حماك فذد عنه ظلما خبته عداك فمن ذا يدافع عنه سواك هذا النشاط المكثف لعبد الكريم العقون لم يكن يمر مرور الكرام عن المستعمر الفرنسي، فبتاريخ 15 جانفي 1959م اعتقلته المخابرات الفرنسية في منطقة باب الوادي، وسجن لغاية 13 ماي 1959م أين تم اعدامه بمنطقة الخرايسية. رحمة الله عليه وجعل الجنة مثواه.
رصيده الشعري:
أصدر عبد الكريم العقون العشرات من القصائد الشعرية لدعم الثورة التحريرية ومختلف القضايا العربية والاسلامية العادلة، وقد جمعها الأستاذ الفاضل محمد الشريف شايب في ديوان يتكون من 56 قصيدة.
ورغم بعده عن قريته برج الغدير إلا أن عبد الكريم العقون قام بمدحها والثناء عليها بعد زيارته لها ولقائه بالشيخ محمد البشير الابراهيمي رفيق دربه، وقد نشر هذه القصيدة بجريدة البصائر في عددها 52 بتاريخ 11 أكتوبر 1948م،. يقول فيها:
لقد عدت للنهر الحبيب ظامئا أطفي الزفير متسليا بجماله الأخاذ أنصت للخرير أمحوا هموما جمة قد لازمت قلبي الكسير متمتعا بتفردي متجنبا كل الشرور ثملا بتوقيع الجداول حين تجتاز الصخور تتلوا على المروج ألحانا بها يحي الشعور وتبوح بالسحر المحبب في السكون وفي الهدير حرا يتيه على البرية لا يبالي بالدهور يا نهر عدت إليك أسبق فرحتي وقت المسير لنرى النسيم الحلو داعب وجهك الصافي النضير ونرى الحياة طليقة ملآى بأنواع السرور إني سئمت حياة أبناء المدائن والقصور وهجرت ضوضاء تموت بها المشاعر والضمير فرجعت أنتهب الخطى متيمما ( برج الغدير ) فلقيت فيه البشر والخلق والمحبب والحبور ولقيت فيه فارس الفصحى مفدنا ( البشير ) فتطلعت نفسي إلى أدب يجود به غزير وقضيته يوما جميلا من مدى العمر القصير فوق المروج الخضر ما بين الحشائش والزهور أحي عهودا عذبة قضيتها طفلا غرير أشد وكأطيار نشاوى بالأصائل والبكور وأساجل الأطيار والأنهار والفجر المنير وأروح أعبث بالمياه الجاريات وبالزهور وأظل في الغابات بين هدوئها الساجي المنير بين الجبال الشاهقات أعيش مغتبطا قرير أصغي إلى ترتيل آيات الجمال مع الطيور وأشم نور الخمائل حين يعبق بالعبير وأتابع الأفراخ في أشجارها أو في الوكور وأبحث عن بيض الطيور لدى المغاور والوعور أحكي ثغاء الشاة وأحكي الصفير مع النسور وصدى الكهوف مع الجداول والغراب إذا يطير أمضي لتحقيق الأماني لا أبالي بالفتور آه على تلك الليالي قد مضت ليست تحور وبقيت في دنيا النفاق مقيدا مثل الأسير فإذا هممت بأن أحطم قيدي المضني العسير خارت جهودي فانثنيت وعندي الألم المرير أرنوا إلى مستقبلي ببصيرة تهدي البصير فلكم وددت بأن أرى مستقبلي حرا طهورا أخطوا إلى حيث الأماني آمنا كل الشرور أحظى بآمال عذاب هاجرا دنيا الغرور