الوجه الإنساني في مسيرة البشير الإبراهيمي
بقلم: الصالح بن سالم-
من خلال تفقد مختلف الدراسات التي تناولت سيرة ومسيرة العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي نلاحظ بأنه هناك حلقة مفقودة في حياته تلك التي تتعلق بالفترة الأولى من صباه وشبابه بقرية أولاد أبراهم وبلدية رأس الوادي قبل هجرته للحجاز سنة 1911م، وفي هذا المنشور سنتطرق لعنصرين من هذه المرحلة المهمة في حياة الشيخ تتعلق النقطة الأولى بزواجه وحياته الخاصة والثانية بنشاطه الجمعوي.
1/- زواجه: بسبب سكوت الشيخ عن هذه النقطة في مختلف المقالات والحوارات والشهادات حول حياته، وحتى من طرف ولده الدكتور أحمد طالب في آثار والده الشيخ محمد البشير مما فتح باب التأويل لدى البعض من الحاقدين عليه أين لفقوا له تهم وأباطيل زورا وبهتانا بل قذفا بأن الشيخ كان عاقرا، فكيف له أن ينجب أولادا على رأسهم أحمد طالب، فكعادة شباب البوادي والأرياف الجزائرية قام الشيخ السعدي بتزويج ولده محمد البشير في سن صغيرة حتى يهتم أكثر بالتعليم ويستقر نفسيا، فاختار له سيدة فاضلة من أولاد سي أحمد هي عائشة كتفي الشريف ( من أخوالي الذين أعتز بهم ) - وقد نشر صورتها لأول مرة حصريا الأستاذ الفاضل البشير بوكثير - ، وبعدما عاش معها الشيخ لفترة من الزمن - لم ينجب منها أولادا - قرر في لحظة ما أن يعرض عليها مسألة الانفصال خوفا من أن تثقل عليه ويثقل عليها لما رأى بأن مسيرته في العلم قد بدأت، وذلك بالترحال عبر المغرب والمشرق، وهو ماوافقت عليه هذه السيدة الفاضلة، ويستحيل لشخصية مثل العلامة محمد البشير أن يكون أنانيا من خلال التفكير في مستقبله فقط ولا يفكر في مستقبل شريكة حياته، فقد إختار لها زوجا مناسبا تتوفر فيه صفات الرجولة والشهامة والنبل والأخلاق والأمانة والعلم هذه الصفات لن يجدها سوى في صديقه ورفيق دربه الشيخ الذوادي يعلاوي برأس الوادي، وهو ماتم حيث تزوجها الشيخ يعلاوي وقد عاشت هذه السيدة الفاضلة دهرا من الزمن ( 105 سنوات )، وبعد هجرة الشيخ إلى المدينة المنورة ومنها لدمشق السورية تزوج من السيدة حليمة توقاتلي ( من مواليد تونس وتعود أصولها لتوقات الأناضولية ) وكان ذلك سنة 1919م، وبعد عودة الشيخ لأرض الوطن سنة 1920م استقر بسطيف، وهناك ازدان له ثلاثة أولاد محمد وهو أكبرهم وقد توقف مشواره التعليمي في مرحلة البكالوريا بسبب مرض خطير ألم به حيث إشتغل في التجارة من أجل إعالة الأسرة في غياب والده وقد توفي فيما بعد، والولد الثاني هو أحمد الذي إختار تخصص الطب وأصبح فيما بعد شخصية وطنية معروفة أطال الله في عمره، وبنت سماها رشيدة، وفي سنة 1933م انتقل الشيخ لمدينة تلمسان تمهيدا لتأسيس دار الحديث فيما بعد والتي أصبحت إحدى حصون العلم والدين ضد المستعمر الفرنسي.
2/- نشاطه الجمعوي: لقد جمع محمد البشير في شبابه بين التدريس وهو في سن صغيره بقريته أولاد أبراهم ورأس الوادي، وبين النشاط الجمعوي فقد أسس برفقة الشيخ بلعيساوي مسير الزاوية الرحمانية جمعية كافل اليتيم تهتم بالفئات المعوزة بصفة عامة وفئة الأيتام بصفة خاصة، وكان لهذه الجمعية نشاط مكثف من خلال تقريرها الأدبي والمالي الذي هو بحوزة أستاذ فاضل من رأس الوادي كلمني عنه السنة الفارطة ونتمنى أن ينشره حتى تعم الفائدة، ومن خلال هذه الجمعية نكتشف الوجه الانساني للشيخ محمد البشير ونظرته للفئات المهمشة هذا من جهة، كما نكتشف علاقته الوطيدة بالزوايا والطرقية من جهة ثانية، وهو عكس ما يشاع عنه وعن الشيخ عبد الحميد بن باديس حيث قدم الشيخ محمد البشير عديد الدروس بهذه الزاوية الرحمانية بل دعى صديقه بن باديس لتدشين مقر الزاوية الجديد برأس الوادي، ولذلك فالشيخ محمد البشير كان يفرق بين الزوايا والطرقية التي كانت تنشر الجهل والبدع والخرافات وبين الزوايا التي كانت تلعب دور المدارس والكتاتيب خاصة في ظل الرقابة والتضييق الممارس من قبل المستعمر على مدارس جمعية العلماء.
* هذه لمحة صغيرة من جانب خفي عن سيرة العلامة محمد البشير الإبراهيمي والتي تعتبر حياته كلها عبر ومبادئ وقيم إنسانية قبل أن تكون إصلاحية.