خلاصة تاريخ حياتي العلمية والعملية.. المرحلة الرابعة
بقلم: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي-
ما لبثت شهرًا حتى انهالت عليَّ الرغبات في التعليم بالمدارس الأهلية، فاستجبت لبعضها، ثم حملني إخواني على إلقاء دروس في الوعظ والإرشاد بالجامع الأموي بمناسبة حلول شهر رمضان فامتثلت وألقيت دروسًا (تحت قبة النصر الشهيرة) على طريقة الأمالي، فكنت أجعل عماد الدرس حديثًا أمليه من حفظي بالإسناد إلى أصوله القديمة، ثم أملي تفسيره بما يوافق روح العصر وأحداثه، فسمع الناس شيئًا لم يألفوه ولم يسمعوه إلا في دروس الشيخ بدر الدين الحَسَنِي..
ثم بعد خروج الأتراك من دمشق وقيام حكومة الاستقلال العربي دعتني الحكومة الجديدة إلى تدريس الآداب العربية بالمدرسة السلطانية (وهي المدرسة الثانوية الوحيدة إذ ذاك) مشاركًا للأستاذ اللغوي الشيخ عبد القادر المبارك، فاضطلعت بما حملت من ذلك، وتلقّى عني التلامذة دروسًا في الأدب العربي الصميم، وكانت الصفوف التي أدرس لها الأدب العربي هي الصفوف النهائية المرشّحة للبكالوريا، وقد تخرّج عني جماعة من الطلبة هم اليوم عماد الأدب العربي في سوريا منهم: الدكتور جميل صليبا، والدكتور أديب الروماني، والدكتور المحايري، والدكتور عدنان الأتاسي.
ولما دخل الأمير فيصل بن الحسين دمشق اتصل بي وأرادني على أن أبادر بالرجوع إلى المدينة لأتولّى إدارة المعارف بها، ولم يكن ذلك في نيتي وقصدي، لما طرأ على المدينة من تغيّر في الأوضاع المادية والنفسية فأبيت عليه، وما فتئ يلحّ عليّ وآبى إلى أن سنحت الفرصة فكررت راجعًا إلى الجزائر موطن آبائي وعشيرتي.
* كتب الشيخ هذه السيرة بطلب من مجمع اللغة العربية بالقاهرة عندما انتخب عضوًا عاملًا فيه سنة 1961، ونشرتها مجلة "مجمع اللغة العربية"، مجلد 21، القاهرة، 1966.