الشاعر الشهيد عبد الكريم العڤون
محمد الهادي الحسني

الشاعر الشهيد عبد الكريم العڤون

بقلم: محمد الهادي الحسني-

التهادي بين الناس مما أوصى به الدين الإسلامي الحنيف، لما له من تأثير في نشر المحبة وترسيخها بين بني البشر، فقد روي عمن لا ينطق عن الهوى قوله ـ صلى الله عليه وسلم : “تهادوا تحابوا”، ومن المعلوم في ديننا الحنيف أن “الحب” شرط في دخول الجنة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلاَ أدُلّكم على شيء إذا فعلتموه تَحابَبْتم، أفشوا السلام بينكم”.

لكل إنسان فلسفة فيما يحب أن يُهدى إليه، فمن الناس من يحب أن يُهدى إليه ما يلبس، ومنهم من يود أن يُهدى إليه ما يتزين به من أشياء، وقد جُبِلتُ على حبِّ الكُتب، فلا يطرب قلبي، ولا يبهج نفسي، ولا يسعد عقلي، ولا يشرح صدري إلا ما قال فيه شاعر العربية الأكبر، أبو الطيب المتنبي:

أعزُّ مكان في الدنيا سَرجُ سابحٍ

وخير جليس في الزمان كتاب

وما قال فيه شاعر العربية الآخر أحمد شوقي:

أنا من بدَّل بالكتب الصِّحَابا

لم أجد لي وافيا إلا الكتابا

زارني يوم السبت الماضي ثلاثة إخوة، وكانت هدية أحدهم هي ثلاثة كتب، منها كتاب هو أشبه بباقة ورد مختلفة الألوان والأشكال والروائح، حيث ضم بين دفتيه مجموعة من أشعار الشاعر عبد الكريم العڤون، الذي أكرمه الله ـ عز وجل ـ بالشهادة، حيث قتله الفرنسيون المجرمون في الثالث عشر من شهر ماي من سنة 1959، فكان حلقة في سلسلة كريمة ذرعها مليون ونصفه من الشهداء..رحمهم الله، ورضي عنهم، وأرضاهم.

بعض قصائد هذا الديوان سبق للشاعر نشره في جريدة البصائر (السلسلة الثانية 1947 – 1956)، ومنها مالم يسبق نشره، وقد أحسن الأستاذ محمد الشريق شايب فجمع المنشور، وغير المنشور مما وصلت إليه يداه، معلقا على ما رأى وجوب التعليق عليه، شارحا بعض الكلمات، وقد استعان في ذلك بالأستاذين محمد الأخضر عبد القادر السائحي، والشرف مريبعي، فشكر الله جهدهم.

الشاعر عبد الكريم العڤون هو واحد من تلك الكتيبة المجاهدة من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذين خطت الأقدار في صحائفهم أن يرابطوا على ثغور الجزائر الحضارية في وجه أفسد دولة، وأحقدها، وأكثرها شراسة، وأشدها مكرا بالإسلام، وعداوة للمسلمين عموما، وللجزائريين خصوصا، وإن جادل عنها وعن رهبانها وراهباتها بعض أراذلنا ممن ليس لهم في المكرمات جِلّ ولا دِقّ، وهم أغير على فرنسا وعلى كل من ينتسب إليها من غيرتهم على دينهم، ولغتهم، وقومهم، ووطنهم.

ولد عبد الكريم العڤون في 1918 في نواحي برج الغدير (ولاية برج بوعريريج) وكانت والدته ـ التي توفاها الله وهو صغير ـ تسمى  “السيك” لأنها كانت تحسن القراءة والكتابة، وتحفظ ثلاثة أرباع القرآن الكريم ـ حفظ القرآن الكريم، وأخذ مبادئ اللغة والدين، ومن شيوخه الأولين الشيخ موسى الأحمدي نويوات، ثم توجه تلقاء بلدة آقبو، فانتسب إلى زاوية علمية مجاهدة، هي زاوية بوداود، التي خرّبتها فرنسا، وقتلت شيخها، ورغم أن وقتنا هو وقت الزوايا، فإن زاوية بوداود المجاهد لم تعد إلى أداء واجبها الديني والعلمي، بل لقد اعتدي على أوقافها، لأنها لم تنخرط مثل بعض الزوايا في الشعوذة، والتملق، ومنح صكوك الغفران لمن نعرفهم بسيماهم وفي لحن القول، من أصحاب “بقرة الشيخ عبد الرحمان الثعالبي أكلت أسد الشيخ أحمد الملياني!!!”

انتقل عبد الكريم العڤون إلى مدينة قسنطينة لينسلك في ذلك العقد الفريد عند الإمام ابن باديس، ولعله لاحظ نبوغا في تلميذه فنصحه ـ بعد أمة ـ بالتوجه إلى تونس، حيث مكث ثلاث حجج، ليعود إلى الجزائر في 1939، لينخرط في معركة مواجهة المنَصٍّرين والمنصرات، متنقلا بين برج الغدير، وبرج بوعريريج، والعاصمة إلى أن اختطفه المجرمون الفرنسيون من بيته، ولم يكن حاملا لا بندقية ولا سكينا، ولكن الفرنسيين لا يثير حفيظتهم كمن يثبت الإسلام وينشره، ويعلم العربية لأن ذلك هو ما يحطم خطتهم من تنصير وفرنسة. ومن المفيد التذكير بأن شعر أفراد جمعية العلماء ليس شعرا مُخنَّثا، ولكنه شعر مجاهد، ولذلك من شعر عبد الكريم ـ الذي أدعو إلى دراسته ـ قوله:

لا تكن عبدا ذليلا للذي

دينك الإسلام يأبى أن تُرى

دينك الإسلام حرِّرْه تَسُد

دينك الإسلام دين خالد

دينك الإسلام كن مُتّبعا

دان بالأمس لحكم العرب

أبدا مشتغلا باللعب

وتنَلْ ما ترتجي مِنْ أَرب

شمسه ساطعة لم تغرُبِ

لمباديه تفُز بالغلبِ

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.