مدينة برج الغدير بعيون شاعرها الشهيد عبد الكريم العقون
بقلم: الصالح بن سالم-
يعد الشهيد عبد الكريم العقون من أبرز الشعراء الذين أنجبتهم الجزائر بصفة عامة وبرج بوعريريج وبرج الغدير بصفة خاصة خلال القرن العشرين، فقد سخر قلمه في خدمة العربية والاسلام والثورة التحريرية إلى غاية سقوطه شهيدا بمنطقة خرايسية بتاريخ 13 ماي 1959م، وترك شاعرنا ديوان شعر مكون من 56 قصيدة تغنى فيها بالعربية والجزائر والاسلام والثورة التحريرية - جمعها وحققها الأستاذ محمد الشريف شايب -، وقد نالت مدينته برج الغدير نصيبها من المدح والثناء وذلك عبر قصيدة نشرها بجريدة البصائر في عددها 52 بتاريخ 11 أكتوبر 1948م بعد عودته إلى مدينة برج الغدير بعد فراق طويل متنقلا بين قسنطينة - كان طالبا بمعهد ابن باديس - والجزائر العاصمة، وقد فرح عبد الكريم عقون بعودته لبلدته خصوصا أنه التقى هناك بالعلامة محمد البشير الابراهيمي - برج الغدير لا تبعد عن رأس الوادي مسقط رأس الابراهيمي إلا بحوالي 25 كلم تقريبا -، ويقول في هذه القصيدة:
لقد عدت للنهر الحبيب ظامئا أطفي الزفير
متسليا بجماله الأخاذ أنصت للخرير
أمحوا هموما جمة قد لازمت قلبي الكسير
متمتعا بتفردي متجنبا كل الشرور
ثملا بتوقيع الجداول حين تجتاز الصخور
تتلوا على المروج ألحانا بها يحي الشعور
وتبوح بالسحر المحبب في السكون وفي الهدير
حرا يتيه على البرية لا يبالي بالدهور
يا نهر عدت إليك أسبق فرحتي وقت المسير
لنرى النسيم الحلو داعب وجهك الصافي النضير
ونرى الحياة طليقة ملآى بأنواع السرور
إني سئمت حياة أبناء المدائن والقصور
وهجرت ضوضاء تموت بها المشاعر والضمير
فرجعت أنتهب الخطى متيمما ( برج الغدير )
فلقيت فيه البشر والخلق والمحبب والحبور
ولقيت فيه فارس الفصحى مفدنا ( البشير )
فتطلعت نفسي إلى أدب يجود به غزير
وقضيته يوما جميلا من مدى العمر القصير
فوق المروج الخضر ما بين الحشائش والزهور
أحي عهودا عذبة قضيتها طفلا غرير
أشد وكأطيار نشاوى بالأصائل والبكور
وأساجل الأطيار والأنهار والفجر المنير
وأروح أعبث بالمياه الجاريات وبالزهور
وأظل في الغابات بين هدوئها الساجي المنير
بين الجبال الشاهقات أعيش مغتبطا قرير
أصغي إلى ترتيل آيات الجمال مع الطيور
وأشم نور الخمائل حين يعبق بالعبير
وأتابع الأفراخ في أشجارها أو في الوكور
وأبحث عن بيض الطيور لدى المغاور والوعور
أحكي ثغاء الشاة وأحكي الصفير مع النسور
وصدى الكهوف مع الجداول والغراب إذا يطير
أمضي لتحقيق الأماني لا أبالي بالفتور
آه على تلك الليالي قد مضت ليست تحور
وبقيت في دنيا النفاق مقيدا مثل الأسير
فإذا هممت بأن أحطم قيدي المضني العسير
خارت جهودي فانثنيت وعندي الألم المرير
أرنوا إلى مستقبلي ببصيرة تهدي البصير
فلكم وددت بأن أرى مستقبلي حرا طهورا
أخطوا إلى حيث الأماني آمنا كل الشرور
أحظى بآمال عذاب هاجرا دنيا الغرور