عبد الكريم العقون الشاعر الإمام الشهيد
بقلم: محمد الطيب-
الشاعر الإمام المصلح المناضل، ولد بقرية لعقاقنة في برج الغدير ببرج بوعرريج في 18 مارس 1918، كان والده الشيخ المسعود ممن تعلموا بدشرة "أولاد لعياضي" وكانت والدته فاطمة الزهراء -التي توفيت وهو صغيرا- تحسن القراءة والكتابة وتحفظ من القرآن الكريم، وقد لقبها الشيخ السعيد ابن الأطرش (بالسيدة).
وأول ما قرأ عبد الكريم القرآن كان في كُتاب الشيخ العربي ابن العدوي وواصل حفظه على والده، ثم راجعه وضبطه على الشيخ علي بن عبد الرحمان بعدها أخذ يتردد على قرية أولاد سيدي منصور لدراسة مبادئ اللغة والفقه على الشيخ موسى الأحمدي نويوات في زاوية ابن السعدي مدة سـتين تقريبا، ومنها انتقل إلى زاوية بن بوداود بأقبو، وفيها تعمق في الفقه واللغة ومبادئ علم التجويد، ثم انتقل إلى قسنطينة في 1933 وتتلمذ عند الإمام بن باديس وغيره من العلماء، وفي 1936 ارتحل ليدرس بجامع الزيتونة وعند حصوله على الشهادة، عاد إلى مسقط رأسه في 1939 ليعيد الزواج الثاني من السيدة خديجة بنت الشيخ السعيد ابن المكي وقد وهبهما الله أربعة أبناء ذكور "محمد رضا، الوليد، عبد المالك وفيصل".
وإثر عودته درّس لشهور بالكُتاب، ثم انتقل إلى برج بوعريريج فعلم بمدرسة "التهذيب"، وفي 1941 ارتحل إلى العاصمة عند خاله محمد الحسن بن الزيوش وبعد حصوله على رخصة من السلطات الفرنسية بدأ التعليم بمدرسة "الفلاح" في شارع صالح بوعكوير بمساعدة الداعية الشيخ الطيب العقبي، واستمر هناك لمدة 15 سنة، ثم بالمدرسة التابعة لمسجد "المدنية"، فقد شغل في العاصمة وظيفتين متلازمتين هـما التعليم والإمامة، فقد أم المصلين بمسجد "سانتوجين" وبمسجد "المدنية"، وقال عنه الأخضر السائحي: "عُرف الشيخ عبد الكريم عند سكان بيلكور كرجل دين أكثر منه شاعرا، وقد منحته وظيفة الإمامة من محبة الناس وتقديرهم ما لم يمنح غيره من الأدباء، كنت أرافقه أحيانا لقضاء الأمسيات عبر العاصمة فيميل إليه الصغار والكبار يلاقونه بالتحية والتسليم، وقد كان هو شديد الحياء، كثير التواضع، يرد عن تحية الكبار وينحني لتقبيل الصغار، حتى أنني قلت له ذات مرة: ﴿إن السائر معك ليحتاج إلى صبر، قال: ولِـما؟ قلت: لثقلك، فتبسم رحمه الله﴾"، وقال فيه الشيخ أحمد شقار: "عرفت الشيخ ورافقته في مناسبات ثقافية واجتماعية كثيرة، كما جمعني به الحديث عن الشعر والشعراء عدة مرات، فوجدته رجلا يؤلف من أول لقاء لتواضعه ولين رفقته، رجلا حيويا نشيطا، حسن الهندام أنيقا، مغرما بصور الفن ومشاهد الجمال، يلتقط الصور الفوتوغرافية أثناء النزهات ويكثر القراءة للصحف والمجلات، ويولع بأخبار الشعر والشعراء خصوصا ذوي الاتجاه الرومانسي".
كان عضوًا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودعاتها المتحمسين، وشارك بقصائده في عدة مناسبات للوعظ والإرشاد، وبرز نشاطه الثقافي من خلال اجتماعاتها ومجلتها "البصائر"، من آثاره ديوان مخطوط إضافة إلى قصائد كثيرة نشر معظمها في جريدتي البصائر والمنار ما بين 1947 و1956 ومنها: "يا رفيقي، تباشير الصباح، ذكريات وعهود، في مولد الربيع، وتحية المغرب، وله ديوان مخطوط، تنوعت موضوعات شعره بين الاتجاه الوطني والقومي والذاتي، وفيهما حرص على مجاراة تيارات وشعراء عصره المجددين كأبي القاسم الشابي، فغلبته نزعة التأمل في الوجود والذات، وكثير من شعره يتغنى بالطبيعة ويحتفي بصورها، بسلاسة اللفظة وسعة في الخيال وجمال التعبير.
وحين اندلعت ثورة التحرير الوطني انظم إلى صفوف المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، فعمل على بث الوعي وحشد الرأي الوطني لدعم الثورة، وشغل كأمين صندوق المال لمنطقة المرادية، ولما حاطت به شكوك قوات الأمن الاستعماري أخذت تعتقله من حين لأخر لإستنطاقه والتحقيق معه، حتى اقتحمت عليه بيته ليلة 15 جانفي 1959، واعتقلته بسجن الكورنيش بباب الوادي لقرابة ثلاثة أشهر، ثم نقلته إلى سجن الدويرة وأعدمته بالخرايسية ليلة 13 ماي 1959، ليستشهد بعدما ذاق أشد أنواع العذاب، وعمره لم يتعد 41 سنة، رحمه الله، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.