محمد الأخضر السائحي الشاعر المناضل الوطني
بقلم: محمد الطيب-
معلم، أديب، شاعر، ومذيع جزائري، ولد السائحي في بلدية العالية بدائرة الحجيرة بورقلة في أكتوبر 1918، ينتمي إلى عائلة الأخضري المتفرعة من عرش أولاد السائح من سيدي أمحمد السايح بن أحمد بن علي بن يحي منذ أواخر القرن 15، وضريحه ببلدة عمر بتماسين.
حفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره بمسقط رأسه على يد المشايخ، أشهرهم "محمد بن الزاوي، وبلقاسم شتحونة"، وأجيز على حفظه في 1930، ثم علمه بدوره لمدة تجاوزت السنتينٍ، بعدها انتقل إلى القرارة بغرداية لينتسب إلى معهد "الحياة" تتلمذ على يد الشيخ "إبراهيم بيوض" لمدة سنتين، ثم ألتحق بعدها رغم الظروف بجامعة الزيتونة بتونس في 1935، كما نشط في الميدان الأدبي والمسرحي، وشارك في النشاط السياسي ضد الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، حيث كتب ونشر العديد من المقالات في الصحف كلفته غاليا، باعتباره أحد رموز الحركة الوطنية أنذاك، وقد تعرف هناك بإخوانه من أبناء الوطن الذين حز بهم أمر الوطن ومطامح التنوير والتحرير وهو ما دفع بهم لتأسيس جمعية الطلبة الجزائريين بتونس، وكتب بها نشيدها:
سندرأ بالسيف عنك العذاب * ونرفع بالعلم فيك العلم
فمن للزائر غير الشباب * يجاهد بالسيف أو بالقلم
بعدها عاد إلى قريته ببلدة عمر بتوڤرت متخفيا سنة 1939، فزجت به السلطات الفرنسية في السجن لمدة أسابيع، بعد المغادرة تمكن من بعث النهضة الثقافية بمناطق الجنوب الجزائري، حيث سعى مع جمع من الشباب لتأسيس جمعية "الأمل للفن والتمثيل"، وتأسيس فوج للكشافة، وأسس عدة مدارس بين تماسين وتڤرت، كمدرسة النجاح والفلاح، والتي كان يتربص بها المستدمر حتى غلقها، كما شكل فرقة مسرحية وساهم في إيفاد عدد من الطلبة إلى تونس ومصر لطلب العلم، ومارس التعليم زمنا بباتنة، ثم انتقل إلى العاصمة في 1952 ليعمل بمدارس جمعية العلماء، والتحق بالإذاعة آنذاك، وعمل منتجا إلى جانب مزاولته التدريس في ثانوية القبة (حسيبة بن بوعلي حاليا)، ومدرسة السعادة بحي بلكور، ثم انقطع للإنتاج الإذاعي حتى تحرير الجزائر.
بعد الاستقلال جمع بين التعليم والعمل الإذاعي في كل من ثانوية ابن خلدون والثعالبية بالعاصمة إلى أن تقاعد في نوفمبر 1980، خلف إنتاجا ثريا نشر جله بالجرائد والمجلات التونسية والجزائرية، وله عددا من المؤلفات المطبوعة منها "همسات وصرخات" 1967، و"جمر ورماد" 1980، أناشيد النصر 1983، و"ألوان بلا تلوين" وبه جمع النكت والطرائف التي كان يذيعها في برنامجه الإذاعي ألوان ثم نماذج، عرف رواجا كبيراً، كما ترك ديوانا للأطفال 1983، وإسلاميات 1984، بقايا وأوشال 1987، الراعي وحكاية ثورة 1988، كما كان ضمن الأعضاء المؤسسين للاتحاد الكتاب الجزائريين منذ الستينات، وشارك في جل النشاطات الأدبية والملتقيات الثقافية في الجزائر، وحضر أغلب مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب، ومثل الجزائر في عدد من المهرجانات الثقافية الدولية ومهرجانات الشعر في جل العواصم العربية، كما أنتج عديد البرامج بالإذاعة الجزائرية قبل وبعد الاستقلال، حيث قسم وقته بين التدريس والإنتاج الأدبي والبرامج الإذاعية، فقد تميز شعره بالخفة وبروح الفكاهة التي تمتع بها في برنامجه الإذاعي "ألوان" والذي امتد لأكثر من عشرين سنة بالقناة الأولى، كما أنه اهتم بالأسرة والمرأة والطفولة بالأخص، باعتبارها مدرسة الرجولة وأساس التنشئة الأولى المتحكمة في شخصيته وفي ميوله وذوقه، فألف مقطوعات شعرية وأناشيد وطنية ودينية وقصص للأطفال بلغة سلسة ضمنها القيم الوطنية والخلقية المقتبسة عن الدين الإسلامي والهوية الوطنية، فأصدر ديوان وأغاني للأطفال 55 نصا شعريا وأناشيد عام 1983.
والمحصلة أنه كان شاعرا من رواد شعر المدرسة الكلاسيكية التي ضمت فحولا من شعراء الجزائر كمحمد العيد وأحمد سحنون ومبارك جلواح، فشعره رسالة للتحرر والبناء الوطني، فهو الشاعر الملتزم المخلص في أداء رسالاته، فضح جرائم الاستعمار وعناوين دواوينه توحي بذلك "جمر ورماد، همسات وصرخات، أناشيد النصر.."، وجند شعره في خدمة الحرية والقضية الوطنية، كما فاز بجوائز كالميدالية الذهبية بمهرجان الشعر العربي الحادي عشر بتونس في مارس 1973، كما فاز بالجائزة التي رصدها اتحاد المغرب العربي لاختيار نشيد رسمي له:
حلم جدي حلم أمي وأبي * حلم من ماتوا وحلم الحقب
فانشروا رايته خفاقة * وارفعوها فوق هام السحب
مغرب نسبته للعرب * واجعلوا القوة فيه مطلبا
بالتلاقي التآخي والوئام * نبتغي للمغرب الحرّ السلام
نشطا معطاء فعالا حالما حتى وفاته بالعاصمة في 11 جويلية 2005 بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر ناهز 87 سنة، تاركا وراءه رصيدا مهما من الشعر أغلبه كلاسيكي وعدد من الدواوين وأثرا طيبا، رحمه الله.