العلامة الشيخ أبو حفص عمر
بقلم: عمر مشارة-
هو الأستاذ الشيخ عمر بن أبي حفص بن محمد بن جدو بن محمد من ذرية سيدي عمر العجيسي نسبة إلى القبيلة العظيمة عجيسة (التي كانت منازلها بجبال المسيلة) ينتهي نسب الشيخ إلى الإمام الحسين بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيدي عمر العجيسي هذا هو جد سيدي أحمد المجذوب من قرية بوعزيز، وبه سمي المسجد المقام الآن في القرية المذكورة.
مولــــده :
ولد الشيخ سنة 1913 بمدينة شلغوم العيد حيث كان أبوه يعلم القرآن الكريم هناك ،ولكنه نشأ وترعرع في زمورة موطن أجداده ، توفي أبوه وهو لم يتجاوز السابعة من عمره فكفله أخوه الفاضل سيدي محمد بوحفص وتعلم القرآن وحفظه علي يد عمه الشيخ علي بوحفص وكان من أشهر معلمي القرآن في البلدة ، وكان الشيخ علي بوحفص رحمه الله يعلم بجامع الزيتونة بقرية بوعزيز وكان رحمه الله تحيط به في هذا الجامع ثلة من أبناء القرية منهم الشيخ عمر أبو حفص برفقة الشيخ السعيد برنجي الذي تربطه بالشيخ علي بوحفص رابطة قرابة حيث إنه كان خاله وقد تكونت بين الرجلين لذلك علاقة روحية لم تنته إلا بالموت.
دراستــــــه:
لما حفظ القرآن الكريم على يد عمه الشيخ علي رحمه الله تاقت نفسه إلى طلب العلم والمعرفة فلم يكن أقرب إليه من الشيخ الأستاذ أحمد بن قدور الذي طبقت شهرته الآفاق، فولى وجهه نحو بيته ليتلقى عليه العلم والمعرفة فلم يزل عنده حتى نال بغيته ورغم أن المدة قصيرة فإن تحصيله للعلم كان كثيرا. وقد أجازه أستاذه وتعاطى التدريس بجامع الزيتونة في حياته، وقد أوغر هذا صدور بعض الحاسدين فسارعوا إلى الشيخ يقولون له: كيف يتولى هذا التدريس في حياتك؟ وقد كان الشيخ أحمد – رحمه الله - يعرف الدوافع التي دفعتهم إلى أن يقولوا هذا الكلام لذلك لم يبطئ في الإجابة عنهم بقوله: لو كان لي وقت لذهبت لأتعلم عليه. وهو جواب أفحمهم به وألقم أفواههم حجرا فلم يعودوا لمثله.
تنقلاته في البلاد :
في إطار المهمة التي أصبح ينهض بها وهي مهمة التدريس بمعاهد التدريس التي أصبحت حريصة على الاستفادة من علمه الغزير، وأول محطة حل بها في هذا الصدد في بداية الثلاثينيات هي الزاوية العلاوية بتاورميت بالجعافرة حيث استدعاه للتدريس بها الأستاذ عبد الرحمن بوعزيز ثم طار إلى زاوية الطرابلسي بعنابة ويذكر الشيخ رحمه الله أنه التقى هناك برجال سعد وانتفع بلقائهم ولكن إقامته بهذه الزاوية لم تطل كثيرا فقد تناهى إلى سمعه خبر أقض مضجعه كثيرا وأحزنه كثيرا وهو خبر موت الشيخ أحمد بن قدور سنة 1936 وقد رثاه بقصيدة رائعة مطلعها:
دع العذول ومر عينيك أن تذرفا * دمعا على منبع العلوم واعيها
ثم عاد إلى مسقط رأسه وبقي إماما بجامع الزيتونة يؤدي بالناس صلاة الجمعة وهي المهمة التي كان يؤديها شيخه بالجامع المذكور.
ثم تحول مرة أخرى ولكن هذه المرة إلى زاوية شلاطة (ابن علي الشريف) في حدود سنة 1939 وهي السنة التي توفي بها عمه الشيخ علي رحمه الله ثم تحول مرة أخرى وفي سنة 1942 إلى زاوية سيدي موسى الكائنة بناحية سيدي عيش بولاية بجاية وأقام بها بعض الوقت،ثم تحول مرة أخرى ولكن هذه المرة إلى إلى وادي الزناتي متصديا للتدريس بمدرسة التهذيب هناك وقد وجد الشيخ بهذه البلدة مقاما طيبا فلذ له المقام بهذه البلدة وبذر نبتا طيبا بها أثمر ثماره وأعطى نتائجه تمثل في مجموعة من أبناء البلدة حصلوا درجات عليمة كانت سببا لهم فيما نالوه بعد ذلك من الدرجات العليا والمقامات الرفيعة يتقدم هؤلاء التلاميذ الأستاذ عبد الحميد مهري شقيق مهري المولود وقد تكونت بين الشيخ وبين أهالي البلدة روابط روحية ظلت قائمة حتى بعد عودته إلى بلدته بل حتى فرق الموت بينهم. وقد كان الشيخ رحمه الله يزور هذه البلدة كثيرا للروابط التي تكونت بينه وبينهم وكلما حل بها لقي حفاوة وترحيبا منقطعين. ثم استقر به المقام أخيرا بموطن أجداده بزمورة حيث فتح بابه في وجوه طلاب المعرفة بالإضافة إلى تولي مهمة الفتيا وإصلاح ذات البين ولم يزل على ذلك إلى أن طرأ طارئ أثر في مسار حياته حيث ارتحل بداية من 1965 إلى الجزائر العاصمة ليتولى مهمة الإمامة بمسجد سيدي رمضان وظل به حتى وافته المنية هناك وذلك في العاشر من شهر ماي من سنة 1990 ونقل جثمانه في موكب مهيب إلى زمورة حيث دفن بمقبرة أجداده بمقام سيدي عمر وصلى عليه يوم ذاك فضيلة الشيخ محمد كشاط -رحمه الله-.
ومن أبرز تلاميذه عبد الحميد مهري والدكتور العربي كشاط والشيخ عمر مشارة والدكتور ياسين بن عبيد من غير أن ننسى أن من تلاميذه الأستاذ كالي علي عبد الله والشيخ محمود بوبترة وعبد الرحمن بن شعبان ومن غير أن ننسى كذلك الأستاذ محمد بن زغيبة وكان الشيخ عمر مشارة رثاه بقصيدة جاء فيها:
لهفي على شيخ الشيوخ فإنــــه * كالبدر المنير من بعد الضياء ترحلا
ومضى فأوحشت البلاد بفقــده * وطغى الظلام على الطريق فأشكلا
فارقت دنيا السقام فإنهـــــــــــا * والله ما كانت لمثلك موئــــــــــــــــلا
سر للخلود اليوم وأظفر بالرضا * وبما حباك الله الكريم وأجــــــــــزلا
آثــــــاره:
من الآثار التي تركها الشيخ نذكر:
1-دليل الحاج وهو كتيب صغير حوى على أهم الأعمال التي يقوم بها الحاج بكيفية عملية.
2-كتيب صغير للطلبة المبتدئين في الفقه المالكي بطريق السؤال والجواب.
3-ولكن أعظم الآثار التي تركها كتابه الموسوم "فتح اللطيف في علم التصريف" وهو كتاب وضعه شرحا على منظومة الإمام المكودي في علم الصرف وهو شرح شفى به النفوس لأنه لم يوضع شرح مثله على هذه المنظومة الهامة جدا ولأنه كتاب مهم ذو قيمة علمية كبيرة تجلت في موضوعه ثم في محتوياته وطريقة عرضه وعمق أبحاثه.
فرحم الله شيخنا وأفاض عليه سحائب الرحمة والرضوان وحشره في عداد الربانيين والصالحين من عباده.
* عمر مشارة: مفتش التعليم الابتدائي/ متقاعد، ناظر الشؤون الدينية برج بوعريريج سابقا