العالم والأديب والشاعر والصحفي الشيخ عبد الحليم بن سماية
بقلم : محمد رميلات-
يقول الدكتور أحمد توفيق المدني أنه لقي الشيخ عبد الحليم بن سماية في الجزائر العاصمة وهو على فرس له بيضاء ، فطلب منه أن يعلمه شيئا من علم المنطق فقال له الشيخ خذ ورقة وقلم واكْتُبْ، وأخذ يملي عليه " خلاصة وافية " لعلم المنطق حتى تعب وتوقف عن الكتابة بعدما تجاوز عشر صفحات، وهذا مما يدل على أن الرجل كان صاحب علم غزير وفير ...
كتب الشيخ عبد الحليم بن سماية مقالات في الأدب والسياسة والاجتماع والأخلاق ، نشرتها صحف عصره كالإقدام ، وكوكب إفريقيا ، والمغرب (الجزائرية) ، وجريدتي المشير والوزير التونسيتين ، وغيرهما ، وله رسالتان في الفقه والتصوف وبحث في "فلسفة الإسلام" قدمه في مؤتمر المستشرقين بالجزائر سنة 1905 قرأ الفصل الأول منه على الحضور، غير أن حكومة الاحتلال الفرنسي رفضت طبعه ضمن أعمال المؤتمر ، وهو الآن في حكم المفقود ..
كان الشيخ عبد الحليم بن سماية يُدرس في الزاوية التي كان والده يدرّس فيها ... ثم قلدته الإدارة الفرنسية سنة 1896 خطة التدريس بالمدرسة الرسمية بالجزائر العاصمة ، وفي سنة 1900 أسْنِدَت إليه خطة التدريس بالجامع الحنفي الجديد ، وعندما افتتحت الزاوية الثعالبية أبوابها بالجزائر العاصمة سنة 1905 انتقل إليها وظل يُدرس فيها إلى أن توفاه الأجل ... التقى الشيخ عبد الحليم بن سماية بالإمام المصلح الشيخ محمد عبده أثناء تواجده بالجزائر سنة 1903م ، ومدحه بقصيدة عصماء ذكرها الشيخ عبدالرحمن الجيلالي في كتابه تاريخ الجزائر العام ... وتواصلت الرسائل بينهما إلى أن غادر الشيخ محمد عبده إلى صقلية ، وقد تأثر الشيخ بن سماية بالمنهج الإصلاحي للإمام فاتخذه له ديدنًا ومنهاجًا ، فكان وهو الصوفي الطرقي الأشعري أول رائد للنهضة الإصلاحية في الجزائر ، قبل أن تظهر جمعية العلماء المسلمين للوجود ، وقد تأثر الشيخ عبدالحميد بن باديس بدعوة الشيخ بن سماية فاقتدى به في هذا المجال ...
كان الشيخ بن سماية شديد النضال من أجل وحدة المسلمين تحت راية الخلافة الإسلامية ، ومعارضًا شديد المعارضة لتجنيد الجزائريين في الجيش الفرنسي ، وكان شديد البغض إلى حد المقت لكل ما هو فرنسي ، ومن الطرائف التي تُروى عنه أن أحد الشباب طلب منه أن يدله على عمل يُدخله الجنة بعد ما تاب وآناب إلى الله ، فقال له الشيخ عبدالحليم بن سماية ـ مازحًا ـ خذ السُبحة ، وقل: لعنة الله على فرنسا، لعنة الله على فرنسا، لعنة الله على فرنسا.. الشيخ عبد الحليم بن علي بن عبدالرحمن خوجة بن سماية ولد بالجزائر العاصمة سنة 1866م وتوفي فيها سنة 1933م ، عاش في الجزائر، وأقام مدة في تونس ، وزار بلاد الشام ...
حفظ القرآن الكريم، وتعلم على يد والده العربية والفقه والتوحيد ، كما أخذ المنطق والبلاغة عن الشيخ طاهر تيطوس ، وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ علي بن حمودة ، وتتلمذ على نخبة من كبار العلماء والمشايخ ... حفظ المتون وقرأ أمهات كتب التراث حتى تكوّنت لديه ملكة في علوم اللغة والشريعة ، وكان يجيد الفرنسية كتابة وحديثًا ، حتى أنه ليخال لسامعه أن الرجل باريسي من خالص الفرنسيين ، لكن حبه للعربية وعلومها جعل منه شاعرًا فحلاً ، ولم يصلنا من شعره سوى بضع قصائد منثورة هنا وهناك في كتب متفرقات ...
الشيخ عبدالحليم بن سماية عالم من الأعلام ، وأديب أريب ، وشاعر مجيد ، وصحفي متمكن ، لا تذكره وسائل الإعلام التي تتسع برامجها لذوات السيقان العارية ، أما نصوصه الراقية ، ومقالات الرصينة المكينة فلا محل لها من الإعراب في مناهج التعليم الجزائرية التي تقف عند فئة محددة من الأدباء والمثقفين دون سواهم ، لكأن حرائر الجزائر عقمن عن إنجاب العلماء النجباء من أمثال الشيخ العالم عبدالحليم بن سماية ... لكن ما عند الله خير للأبرار ، نسأل الله له المغفرة والرحمة والرضى والرضوان .