محمد العيد آل خليفة الأديب الشاعر المناضل
بقلم: محمد الطيب-
أديب وشاعر جزائري، لقب بـ: شاعر الشباب، شاعر الجزائر الحديثة، شاعر الشمال الإفريقي، محمد العيد بن محمد علي بن خليفة، ولد في عين البيضاء بأم البواقي في 28 أوت 1904 (1322هـ)، من عائلة دينية محافظة متصوفة تنتمي إلى الطريقة التيجانية، تنحدر أصلا من كوينين بواد سوف.
انتقل مع أسرته إلى بسكرة ليكمل بها حفظ القرآن الكريم ويجلس في دروس الشيخ علي بن إبراهيم العقبي إلى 1921، حين ألزم الشيخ العيد الثاني والده بإرساله إلى جامع الزيتونة للدراسة بعد أن كان ينتدبه للعمل معه في التجارة، وأصبح طالبا في الطبقة الثالثة (سبع طبقات)، وبعد سنتين توقف عن الدراسة بتونس لأسباب صحية ليعود إلى بسكرة ويكمل مشواره العلمي على يد علمائها ومشايخها منهم الشيخ المختار اليعلاوي أرطبار في دروسه الليلية بالمسجد العتيق ليدرس عنه الفقه والحساب والفلك، وفي 1927 انتدبته جمعية الشبيبة الإسلامية بالعاصمة معلما بمدرستها فمكث بها معلما لمدة ثلاث سنوات، ثم مديرا لها خلفا للشاعر محمد الهادي السنوسي إلى غاية 1941، ليعود إلى بسكرة فمكث بها عدة أشهر ثم انتقل إلى باتنة.
التحق بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها وكان شعره أداة من أدواتها وسجلا لمواقفها وكتابا لتاريخها، وأطلق عليه الشيخ بن باديس لقب "أمير شعراء الجزائر"، وقال فيه الشيخ البشير الإبراهيمي "رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل نواحيها، وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها القصائد الغر والمقاطع الخالدة، شعره لو جمع، سجل صادق لهذه النهضة وعرض رائع لأطوارها"، وقال أيضا "الأستاذ محمد العيد شاعر الشباب وشاعر الجزائر الفتاة، بل شاعر الشمال الإفريقي بلا منازع، شاعر مستكمل الأدوات.. بارع الصنعة في الجناس والطباق وإرسال المثل والترصيع بالنكت الأدبية والقصص التاريخية"، وقال عنه الأمير شكيب أرسلان "كلما قرأت شعرا لمحمد العيد تأخذني هزة طرب تملك علي جميع مشاعري"، وجاء في تقديمه بمجلة الشهاب فقال:
إرق بالشعر لا عدمت رقيا * قد عرفناك نابغا عبقريا
قد عرفناك نابغ الفكر حرا * نابه الذكر مخلصا وطنيا
قد عرفناك بالجزائر برا * يوم أحييت ذكرها الأدبيا
محمد العيد أحد أبرز العلماء والمدرسين والشعراء الجزائريين الذين كافحوا الاحتلال، وخدموا دينهم وأمتهم ووطنهم، وفي باتنة مكث 06 سنوات يدير مدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء، ظل يواصل نشاطه العلمي والإصلاحي بها إلى غاية 1947 حيث اتجه إلى عين مليلة ليشرف على إدارة مدرسة "العرفان" المستقلة، وفي الوقت نفسه يؤم المصلين ويخطب فيهم بمسجدها العتيق، كما ظل الاحتلال يلاحقه ويراقبه طوال إقامته هناك إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية واصل رسالته في التغني بالحرية والتبشير بالنصر والاستقلال والدعوة إلى دعم الثورة، فألف قصيدة "من جبالنا طلع صوت الأحرار"، ليجد نفسه وجها لوجه أمام آلة الاحتلال، فقد دعاه قاضي التحقيق للتصديق على مناشير تندد بالثورة تحت طائل التهديد بالسجن، فرفض رفضا قاطعا، وهكذا أوقف عن العمل بالمدرسة، ثم أغلقت وحولت إلى ملحقة لثكنة عسكرية.
رغم الظروف واصل نشاطه النضالي بالمسجد والساحات، ليؤخذ في جوان 1955 مكبلا إلى سجن المدينة، ثم إلى سجن الكدية بقسنطينة، وبعد 14 يوما قدم للمحكمة بتهمة التحريض ضد السلطة والدعوة للثورة ومساندتها، وبعد إطلاق سراحه عاود نشاطه من جديد إلى أن اقتحموا عليه منزله بتهمة التحريض على إعدام المستوطن الفرنسي "جوليان" لتفرض عليه الإقامة الجبرية بمنزله ببسكرة تحت الحراسة المشددة، فظل حبيس جدران بيته طوال أيام الثورة، ونذكر من زملائه "محمد الصالح رمضان، حمزة بكوشة، جلول البدوي، محمد الطاهر فضلاء، عبد الرحمن شيبان، أحمد سحنون.."
أما بعد الاستقلال فقد لازم الاعتكاف ببيته متعبدا ذاكرا زاهدا في الدنيا قليل المشاركة في النشاطات العامة والخاصة، كما كان يتردد على موطنه الأصلي بواد سوف والزاوية التجانية بتماسين، وقد مدح الشيخ الحاج التماسيني التجاني بقصيدة "فزت بالمنى" يقول في مطلعها "أيا زائرا هذا الحمى فزت بالمنى، فثق فيه بالبشرى ودع كل تخمين، لقد جئت باب الله من غير مرية، ومن جاء باب الله خص بتأمين هنا وارث الختم التجاني رتبة، خليفة الأرض علي التماسيني".
ومن آثاره: من جبالنا طلع صوت الأحرار، أنشودة الوليد، رواية بلال بن رباح (مسرحية شعرية)، ديوان محمد العيد (1967)، وقصائد منها "يا دار (1925)، أسطر الكون (في عز شبابه)، هذه خطوة (بمناسبة طبع كتابه "شعراء الجزائر في العصر الحاضر")، وقفة على بحر الجزائر (نشرت 1930 في مجلة الشهاب)، الصحو (نشرت 1935 في مجلة الشهاب)، ومن قصائده قصيدة: الشعر والأدب:
أنا ابن جدي وقومي السادة العرب * وحرفتي ما حييت: الشعر والأدب
أنفقت وقتي في شعر وفي أدب * لا شغل عندي إلا: الشعر والأدب
لقد فنيت غراما فيهما فهما * روحي وما أنا إلا: الشعر والأدب
شاعر الحكمة البالغة، والوطنية الصادقة، والتديّن الورع، والمعاني الجليلة، والمبادئ النبيلة، والمواقف الشريفة، وكان من بين نصوصه قطعة شعرية جادل فيها أولئك الذين ازدروا وضيفته التعليمية، واعتبروها "هموما كلها ووجائع"، وزعموا أن عمره مع النشء ضائع، فكان رده متفائلا، واثقا من أنهم الشبان "ستطلع للإسلام منهم طلائع"، فكان يقضي نصف السنة ببسكرة ونصفها الآخر بباتنة حتى توفي بمستشفاها يوم 31 جويلية 1979 (رمضان 1399هـ)، وعمره 74 سنة، ونقل جثمانه إلى بسكرة حيث دفن بمقبرة (العزيلات) بعد يومين من وفاته، رحمه الله.