الشيخ سليمان بشنون عالم زاهد ألف أكثر من 20 كتابا وكرس 7 عقود من العطاء في مجال العلم و الإصلاح
بقلم: محمد الصادق مقراني-
سليمان بشنون مجاهد وكاتب من مواليد 6 ماي 1923 برأس فرجيوة خرج من رحم الحياة الريفية عائلته تنتمي الى قبيلة بني عمران التي جاءت نازحة من نواحي الساقية الحمراء واستقرت بمنطقة تاكسانة بولاية جيجل.
تيتم وعمره ثلاث سنوات حفظ القرآن في سن مبكرة على يد الشيخ حملاوي ويستذكر الشيخ سليمان بشنون كيف التحق بمسجد القرية لأول مرة حيث يقول ذات يوم كان المطر ينزل بغزارة وكان السيير عسيرا وكانت رفقة ابن عمي ارعي الأغنام فاقترحت عليه أن اترك الأغنام ونلتحق معا بمسجد القرية في بداية الامر رفض غير إلحاحي المستمر وافق واقتنع .
دخلنا على معلم القرآن الشيخ عمار بلمفرج فما راني ابتسم و اقترب مني و أجلسني بجانبه فقضيت صبيحة ذلك اليوم في حفظ ما تيسر من القرآن الكريم .
ولما انصرف من حلقة الحفظ لم يجد الأغنام في مكانها ولما عاد الى البيت وبخته والدته وهددته بمعاقبته إذ ترك مرة أخرى الأغنام ترعى لوحدها في الحقول.
ورغم تهديدات والدته له فانه لم يترك حلقات الحفظ فازداد تعلقه بالقرآن وملازمته للشيوخ إلا أن ختم القرآن الكريم وعمره 13 سنة.
وفي سنة 1938 التحق الشيخ بشنون سليمان بمدرسة كبيرة بتكسانة ولاية جيجل أسسها الشيخ "بلقاسم بن منيع" وكان يشرف عليها ويعلم بها التعليم الديني واللغوي. ويقول الشيخ بشنون سليمان عن الشيخ بلقاسم بن منيع "أنه رجل صوفي عابد يقوم الليل ويصوم النهار وله كرامات عشتها بنفسي من أهمها انه يقول لي كما يناديني "يا بو الدماغ" وقد هدا لي شاشا كما كان يحب أن اجلس الى جنبه وهو جالس على كرسي أمام الغابة ليستعيد أنفاسه من كثرة الدروس التي كان يلقيها ومن كثرة المعاناة التي كان يعاني منها المهم أنني بقيت ملازما له ولدروسه مدة ثلاث سنوات غير أن أثار الحرب أرغمتني على العودة إلى الدار بفرجيوة.
وفي سنة 1945 انتقل إلى مدرسة العربي التبسي بمدينة تبسة والتي لم بدوم مكوثه بها طويلا حيث رجع الى منطقة فرجيوة لتحفيظ القران لأبناء بلدته .
وقد تأثر الشيخ سليمان بشنون بالشيخ عبد المجيد حيرش حيث قال في احد تصريحاته" كنت اطمح إلى أن أكون عالما خاصة بعدما أشاهد الشيخ "عبد المجيد حيرش" العالم المتخرج من جامع الزيتونة وهو يرتدي ثيابا تونسية ."
رحلته إلى تونس مغامرة عاد منها بشهادة التطويع
وفي سنة 1946 هم الشيخ بالذهاب إلى تونس رغم معارضة عائلته لسفره خوفا من مخاطر المغامرة غير انه فضل خوضها وانطلق في رحلة مغامرة وتعرض فيها للخطر في عدة مرات فوجد نفسه تائها ضائعا لأنه لأول مرة يرى المدينة والاكتظاظ والمارة حتى وصل إلى جامع الزيتونة فوجد صدفة الأستاذ احمد بوزراق وهو الذي تكفل به في لسكن شريطة ان يتولى الشيخ بشنون الطبخ لأنه كان يحضر لشهادة التعليم النهائي .
ومن بين الشيوخ الذي درس عندهم الشيخ سليمان بشنون في جامع الزيتونة نذكر: الشيخ شبوطي والشيخ بن خوجة والشيخ الطاهر بن عاشور .
وقد مكث الشيخ سليمان بشنون بجامع الزيتونة من سنة 1946 لى 1951 وقد انتخب كرئيس لبعثة الطلبة الجزائريين التابعين للجمعية سنة 1951.
رجوعه من تونس
عندما رجع الشيخ سليمان بشنون إلى الجزائر أصبح معلما بدار لحديث بتلمسان بأمر من الشيخ لبشير الإبراهيمي ثم درس فترة قصيرة بشلغوم العيد بولاية ميلة ليعين فيما بعد مديرا بمدرسة الجمعية بمدينة العلمة ولاية سطيف.
كما درس بمعهد ابن باديس رفقة العربي التبسي لبنات المعهد عينه أيضا الشيخ البشير الإبراهيمي وبقي فيها مدة عام ثم رجع الى بشلغوم العيد لإدارة مدرسة الجمعية بها.
وذكر الشيخ محمد خير الذين الكاتب العام للجمعية في مذكراته عند تطرقه لقائمة الشيوخ الذين اعتمدتهم الجمعية للخروج من أجل الوعظ خلال شهري أوت وسبتمبر لسنة 1954 حيث كلف لشيخ سليمان بشنون بمنطقة فج مزالة سابقا فرجيوة حاليا.
انخرط مبكرا في صفوف الثورة وعمل بلجانها العدلية
كانت دار الطلبة التابعة لمعهد ابن باديس بقسنطينة من معاقل الثورة فالكثير من المجاهدين والشهدء التحقوا بالثورة وانقطعوا عن الدراسة والتدريس فكان منهم الشهيد عمارة رشيد اما الشيخ بشنون سليمان فقد التحق بالثورة في سنة 1955 وتمت عملية تجنيده من طرف مصطفى بوغابة والشيخ ابراهيم مزهودي حيث كلف بإنشاء خلايا للثورة بين مدينتي قسنطينة و سطيف و هذا بحكم تواجده بشلغوم العيد آنذاك حيث قال فيه الشيخ أحمد حماني ان الشيخ بشنون سليمان لعب دورا برزا أثناء الثورة وسلم من الاعتقال .
الشيخ بشنون سليمان قام بتجنيد العديد من زملائه كالشيخ عبد الحميد بحري والشريف بن مهيدي و كان قي بداية الأمر يتعامل مع الشهيد زيغود يوسف ويذكر الشيخ سليمان بشنون أن من الوقائع الثورية التي لازالت راسخة في ذهنه لهجوم الذي وقع على بمدينة قسنطينة والذي قاده المجاهد موسى مغلاوي على جمع من المحتفلين حيث أصيب في هذه العملية بيده .
وبعد تنفيذه لهذه العملية تعرف البوليس الفرنسي على هويته فقرروا القبض عليه غير ان شابا من منطقة القبائل الكبرى كان دركيا اتصل بالشيخ سليمان بشنون وأخبره بأمر اعتقال موسى مغلاوي.
فقام الشيخ سليمان بشنون بإخباره وساعده على التحاق بمعاقل الثورة بجبال الشمال القسنطيني. واصل نضاله الثوري وكان ضمن اللجان العدلية داخل الثورة إلى غاية الاستقلال.
ساهم في ادماج معلمي مدارس جمعية في الوظيف العمومي وتوسط بين احمد بن بلة والمتمردين من الثوار.
بعد الاستقلال مباشرة كلف من طرف وزير التعليم شريف بلقاسم بترأس لجنة إدماج المعلمين في الوظيف العمومي حيث تم إدماج ما يقارب 2200 من المعلمين الأحرار سواء كانوا تابعين لمدراس جمعية العلماء ولمدارس حزب الشعب وحتى الذين كانوا ضمن الزوايا كمعلمين وأساتذة في لتعليم الابتدائي ولمتوسط والثانوي شرط أن يكونوا حائزين على شهادات تسمح لهم بذلك.
ويقول الشيخ بشنون سليمان ان وزير التعليم بذل جهودا كبيرة حتى صدر لقرار الرئاسي من طرف الرئيس أحمد بن بلة.
كان للشيخ أيضا دورا ايجابيا أثناء الصراع الذي كان بين قيادة المجاهدين المتمردين بالسلاح في الولاية الثانية والثالثة مع الرئيس أحمد بن بلة وجماعة وجدة لما تمرد هؤلاء الثوار على استيلاء أحمد بن بلة على الحكم آنذاك فقام الشيخ بوساطة بين هذه الإطراف المتصارعة أدت إلى إيقاف إراقة الدماء وإنهاء الاحتدام بين الإخوة.
وبعد الإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة في 19 جوان 1965 من طرف هواري بومدين فضل الشيخ الابتعاد عن الأضواء نهائيا والاهتمام بالكتابة والبحث.
ألف كثر من 20 كتابا وساهم في إعادة بعث جمعية العلماء
تفرغ الشيخ سليمان بشنون للبحث والكتابة حيث أصدر أكثر من 20 مؤلفا في القضايا الفقهية والإصلاحية و الفكرية و من بين ما أصدره من كتب اذكر: الإصلاح والصلاح الجذور الشعبية في الحركة الإصلاحية القواعد القاعدية للدولة الإسلامية المربعات الإنسانية في الشريعة الإسلامية.
التمثال المهشم المزالق الأطلال المهجورة
وقد واصل نشاطه الفكري و الإصلاحي بعد عودة جمعية العلماء المسلمين إلى الواجهة بعد صدور القانون المتعلق بالجمعيات سنة 1992م حيث عرفت ركودا وجمودا ففكر العديد من منتسيبيها إعادة بعثها من جديد ويقول الشيخ عبد الرحمن شيبان " اغتنمت فرصة إقرار التعددية وحق إنشاء الجمعيات وخاطبت في ذلك مجموعة من زملائنا في الجمعية من القدماء والشباب واتفقنا على تحريك الملف في وزارة الداخلية وعندما حصلنا على الاعتماد القانوني انتخبنا هيئة قيادية للجمعية وأسندت الرئاسة إلى الشيخ المرحوم أحمد حماني نظرا لسابقته في جمعية العلماء وانتخبت أنا نائبا أولا للرئيس والشيخ المرحوم علي مغربي نائبا ثانيا، والشيخ إبراهيم مزهودي نائبا ثالثا .
وكان من أعضاء المكتب الوطني الأساتذة: سليمان بشنون، مولود طياب، أحمد شقار الثعالبي، عمر برامة، المرحوم الطاهر فضلاء، أحمد بري، الطاهر لطرش.
فعادت البصائر إلى الصدور وكان يشرف عليها الشيخ أحمد حماني والشيخ عبد الرحمن شيبان، ومن أبرز كتابها الشيخ سليمان بشنون والشيخ علي مغربي ومولود طياب .
فنشر بها الشيخ سليمان بشنون العديد من المواضيع المتعلقة بالهوية الوطنية ومحاربة الغزو الثقافي والدفاع على ثوابت الأمة .
وخلال المؤتمر الأخير لجمعية العلماء المسلمين لجزائريين عين الشيخ بشنون سليمان رئيسا شرفيا رفقة كل من الشيخ الطاهر ايت علجت وبلحاج شريفي .
عمل بعد الاستقلال معلما في التعليم الثانوي بثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة ثم ثانوية الأمير عبد القادر ساحة الشهداء، ساهم في إعادة بعث جمعية العلماء من جديد مع ثلة المشايخ آنذاك منهم أحمد حماني وعبد الرحمان شيبان انتدب في وزارة الشؤون الدينية كمستشار لوزير الشؤون الدينية سنة 1987 ثم أحيل على التقاعد واعتكف على إلقاء الدروس والخطب في عدة مساجد بالوطن كما كانت له مقالات دورية تنشر في مجلة الجيش وجريدة البصائر إضافة إلى كتابة العديد من المؤلفات من بينها الإصلاح والصلاح، الجذور الشعبية في الحركة الإصلاحية....الخ
ورغم بلوغه 96 سنة فان الشيخ سليمان بشنون لا زال يتذكر مغامراته ورحلته الطويلة التي قدم خلالها عصارة جهده وحصيلة نشاطه الذي يبقى للكثير من الناس مجهولا وبعيدا عن الأنظار.