جمعية العلماء، وبناء المجتمع الأفضل
بقلم: أ. د. عبد الرزاق قسوم-
سوف تظل الفضيلة، كقيمة إنسانية، هي غاية ومطلب كل أبناء الإنسانية الشرفاء، والنبلاء؛ ويستوي في ذلك المؤمنون والكافرون، والجهلة والمثقفون، والأغنياء والمستضعفون.
فالفضيلة منهج لتحصين الذات ضد كل أنواع الآفات، فهي التحلي بكل ما ينتج عن ذلك من أنبل الصفات؛ ولعمري إن هذه هي رسالة الدعاة، والقضاة، والحكام الأباة.
فإذا انعدمت الفضيلة، في مجتمع ما، دب إليه الخراب، وأصيب أبناؤه بداء فقد المناعة الصحي، والإيديولوجي، فيسود بين أبنائه، الشنآن والحِراب، ويصبح وجوده، أشبه ما يكون بالسراب.
إن الفضيلة كحق إنساني، يعززها الجانب الإسلامي، تحارب في المجتمع المسلم كل آفات البذاءة في اللسان، وفي العقل، والجنان.
فأما البذاءة في اللسان فهي الفاحش من القول وهو المقدمة لكل أنواع العنف والهول، وأما البذاءة في العقل، فهي الإنسلاب والاغتراب عن الذات، فيكون دافعا إلى العمالة والخيانة وما ينتج عن ذلك من انحطاط ونذالة.
وأما البذاءة في القلب، فهي اهتزاز معاني الاعتقاد، وإتيان أخطر أنواع الفساد والمساهمة في التمكين للدكتاتورية والاستبداد.
لهذه الأسباب كلها، نذرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، منذ أن منَّ الله على الجزائر بها، نذرت نفسها لتحصين الذات الجزائرية، ضد الرذيلة، وتزيينها بحلة الفضيلة.
فقهت الجمعية، بعد التشخيص موطن الداء، فوصفت بعلم، وحكمة وواقعية وَصْفَةَ الدواء.
وإن موطن الداء يكمن في تضعضع المنظومة التربوية، التي هي أخطر في عواقب تضعضعها على الإنسان من سوء التغذية.
فانحراف المنظومة التربوية، عن أصول التربية الإسلامية، يمثل نوعا من الانتحار الذاتي الذي يقضي على مقومات الإنسان في حاضره وفي ما سيأتي.
وإن من أعراض سوء التربية، الكفر بأصالة الانتماء، والتنكر لجهاد الأصلاء، والوقوع في عمالة الدخلاء، والتشبث بالعنصرية والجهوية، والقبلية، والعصبية، وكلها من أخلاق الجاهلية الجهلاء.
لذلك جاء في وصفة الدواء لجمعية العلماء، مقولة الإمام عبد الحميد بن باديس:” أن ما جمعته يد الله، لا تفرقه يد الشيطان”.
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾ [ سورة فاطر، الآية: 06].
ومن أوصاف الدواء- أيضا- ما قاله الإمام الإبراهيمي:” إن هذه الأمة، قد ترضى بسوء التغذية، ولكنها لن ترضى-أبدا- بسوء التربية”.
والحمد لله، إن وعت الجزائر اليوم هذه الحقيقة المُرة، فجاءت تعليمة الرئيس عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية، إلى الوزير الأول عبد العزيز جراد، لتجريم كل دعوة إلى الطائفية، والجهوية، والعنصرية التي تهدد الوحدة الوطنية.
إن التعليمة الرئاسية هذه، هي نداء لإيقاظ الضمير الجزائري من سباته العميق ودق ناقوس الخطر، أمام من يتربصون به في الداخل والخارج من كيد وصيد لإبعاد الشعب الجزائري المسلم، بتشكيكه في إسلامه، وفي عروبته، وفي وحدته.
إنها دعوة إلى كل العلماء، والمجاهدين الأصلاء، لدحر الفتنة الهوجاء، واتخاذ التدابير السمحاء، لإعادة البناء، وصلابة الإخاء، والوقوف صفا واحدا ضد البلاء.
فاللقاء بين منهج الجمعية، والتعليمة الرئاسية ينبغي أن ينطلق في العلاج من تحقيق الأمن والأمان، والإيمان وذلك ببث الوعي، وتكثيف السعي.
فالأمن في شموليته ينبغي أن يضمن الأمن الفكري والأمن الثقافي، والأمن الغذائي، وبكلمة واحدة، الأمن الوطني.
فلطالما عانت الأمة من مهددات أمنها الثقافي والفكري، بسبب العدوان على العقل وعلى القلب، وعلى السلوك بوجه عام.
لقد اتخذ أعداؤنا سلما لذلك، التسلل إلى الأسرة، للقضاء على مقوماتها، والغزو البيداغوجي ضد المدرسة لمحو خصائصها ومكوناتها، والتشويش على المنظومة القضائية لتغييب العدل فيها، ونشر الرشوة، والمحسوبية، والاستبدادية.
كما أن من أعراض التأزم، في جسم أمتنا، إفراغ المنظومة الصحية من محتواها وكينونتها.
وحسبك من مجتمع أصيب في أسرته، وفي مدرسته، وفي محكمته وفي مستشفاه ومصحته أنى ينعم مثل هذا المجتمع باستقراره ووحدته.
إن جمعية العلماء، الحارس الأمين لمقومات الجزائر، طالما نبهت بالإشارة والعبارة أن حذار فإن التخلف كل لا يتجزأ، وهو إذا أصاب أمة ما، فإنه لن يرتحل، إلا بمقومات التطور الشامل.
فلبناء المجتمع الأفضل، تجدد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الدعوة إلى إخضاع التجربة الجزائرية، في واقعها السلبي اليوم إلى التحليل الدقيق والعميق، والاستعانة بخبراء علم الاجتماع الأسري، وعلماء المنهج البيداغوجي، وبفقهاء القانون المقاصدي، وأطباء الجهاز الصحي، يجب أن يتعاون هؤلاء جميعا، تحت لواء ما يعرف بالطب الجماعي أو ” الكونسرتو” لتقديم الناجع من أنواع العلاج كي نجسد معالم المجتمع الجزائري الأفضل.
إن الأزمة الخطيرة التي يجتازها وطننا ليست أزمة اقتصاد فحسب، ولا أزمة غذاء فقط، ولكنها أزمة متعددة الأعراض، وأهم وأخطر أنواع تأزمها، أزمة الثقافة، وأزمة العقل، وأزمة البدن، وأزمة الوطن.
فالله! الله! في الوطن الجزائري، الذي هو من أطيب الأوطان، وأجمل البلدان، حصنوه بالوعي الحضاري، وبالسعي المعماري، واضربوا بيد من حديد بعد ذلك بالعقاب الضاري القائم على العدل الحر الاختياري.
إننا نملك كل المقومات، ولدينا كل المؤهلات، يكفي أن نقضي على العوائق والمثبطات لنبني المستقبل الأفضل، لما هو آت.
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[ سورة غافر، الآية: 44].