مفدي زكريا شاعر ثوري عملاق

بقلم: بلقاسم بن عبد الله-

.. ألا يستحق مفدي زكريا أن يلقب بشاعر المغرب العربي الكبير، ورائد الشعر الثوري في الأدب العربي المعاصر؟.. فهل قيل فعلا كل ما يجب أن يقال عن شاعرنا العظيم؟.. ماذا كتب عن خصوبة شعره، عن تجربته الصحفية، عن نضاله وكفاحه، عن مضايقاته ومواجهته لأصناف الظلم والإجحاف؟.. تلك تساؤلات مشروعة صافحتني اليوم، بعد أن طلبت مني وألحت الصديقة الأديبة الإعلامية جميلة طلباوي للمساهمة بمقالة عن شاعر الوطنية والنضال والثورة، كبيان جديد لرد غير مباشر على مهاترات إحداهن تدعى بنت البحر، سودت بها أحد المواقع الإلكترونية، كمحاولة يائسة للنيل من عظمة شاعرنا الثوري العملاق.

يا له من رجل عظيم، لم يكتب لشاعر جزائري أن ملأ الدنيا وشغل الناس، مثل مفدى زكريا. رغم ما لقيه من أنواع الإجحاف والتهميش من طرف النقاد والباحثين والمهتمين من أبناء بلده الجزائر ووطنه العربي.. حياته حافلة بالنضال والأعمال، وتجربته متميزة في الصحافة، وأدبه غزير ومتنوع، وإن ظل جله مغمورا مطموسا بين ثنايا رحلة نصف قرن من الزمن.

ويعود بي الآن شريط الذاكرة إلى أول حوار مطول أجريته مع شاعرنا مفدي، ونشرته كاملا بملحق الشعب الثقافي بتاريخ 5 أوت 1972 واستأثر وقتئذ باهتمام الدارسين والإعلاميين، قبل أن يظهر ضمن كتابي المعروف: شاعر مجد ثورة، في طبعتين أنيقـتين، حيث أشار إلى أن حياته الأدبية متصلة اتصالا وثيقا بنشاطه القومي، فقد شرع في قرض الشعر سنة 1925 حيث نشر أول قصيدة عن تمجيد جهاد الريف المغربي، وظل ينشدها بنفسه على منبر نادي الحزب الحر الدستوري التونسي، واعتقل من أجلها نصف شهر. وفي 17 أكتوبر 1936 ألف شاعرنا نشيد حزب نجمة شمال إفريقيا: فداء الجزائر روحي ومالي، الذي أصبح نشيدا لتجمع وتوحد المناضلين.
ومن داخل السجن الإستعماري، نظم نشيد الشهداء: إعصفي يا رياح.. بتاريخ 29 نوفمبر 1937 وبعد إطلاق سراحه في أوت 1939 تقرب من الوسط الفني، فكتب كلمات العديد من الأغاني الوطنية. ولما اندلعت الثورة المجيدة، إندمج فيها شاعرنا بكل إمكانياته الروحية والمادية، وأنشأ النشيد الوطني الرسمي سنة 1956 ومن أعماق السجون كتب أناشيد المجد والخلود.

لازلت أتذكر جيدا حضورك المشع في ملتقى الفكر الإسلامي بتلمسان منتصف جويلية 1975 حيث أجريت معك آخر حوار منشور بكتابي المذكور، كنت تنتظر بفارغ الصبر لحظة اعتلائك المنصة، لإلقاء قصيدتك المطولة عن تلمسان مفخرة البلدان وأمجادنا الغابرة، ولكن هيهات، حيث حرمت من إلقاء القصيدة تحت ضغط المضايقة والملاحقة، واضطررت للسفر خفية إلى المغرب الأقصى، وقد نشرت القصيدة كاملة بخطك الكريم في نفس الكتاب.

اخترت حياة الغربة والمنفى، مكرها لا بطلا، إلى أن وافتك المنية يوم 17 أوت 1977 بتونس لينقل جثمانك الطاهر إلى بلدتك الوديعة بني يزقن بغرداية، في ظل التكتم والتهميش والإهمال.

أحببت وطنك العزيز من الأعماق، ناضلت وسجنت وعذبت، وصغت قصائد المجد وإلياذة الخلود، ويتجلى ذلك بكل وضوح في أعمالك المطبوعة المعروفة: اللهب المقدس. تحت ظلال الزيتون. من وحي الأطلس. إلياذة الجزائر. أمجادنا تتكلم.. بالإضافة إلى إنتاجاتك المخطوطة والمغمورة والتي ذكرتها في حواراتك المنشورة في الكتاب المذكور، والتي تنتظر الأيادي البيضاء الكريمة لتنتشلها من الإهمال والضياع، وبالتالي لتـثري مكتبتنا الجزائرية والعربية بزاد وفير، يفيد الدارسين والمثقفين بوجه عام، وتلك مسؤولية جسيمة نبيلة تقع على عاتق جميع المقربين والمعنيين والمهتمين قبل فوات الأوان.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.