مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية
بقلم: محمد الطيب-
شاعر وسياسي، مؤلف نشيدنا الوطني "قسماً"، وهو بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى، من عائلة تعود أصولها إلى الرستميين، لقّبه زميل البعثة الميزابيّة والدراسة الفرقد سليمان بوجناح بـ: "مفدي"، فأصبح لقبه الأدبي الذي اشتهر به، والذي وَقَّع فيه أشعاره "ابن تومرت"، وكان ابن تومرت واحداً من المجاهدين المسلمين ومؤسس دولة الموحدين.
ولد ببني يزقن بغرداية، يوم الجمعة 12 جوان 1908 (1326هـ)، وفي بلدته تلقّى دروسه الأولى في القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية، وكذلك بعنابة أين كان والده يمارس التجارة بالمدينة، ثم درس في جامعة الزيتونة بتونس لمواصلة تعليمه باللغتين العربية والفرنسية، حيث تعلم بالمدرسة الخلدونية، ومدرسة العطارين ونال شهادتها.
أثناء تواجده بها واختلاطه بالأوساط الطلابية هناك تطورت علاقته بـ "أبي اليقضان" وبالشاعر "رمضان حمود"، أول قصيدة له ذات شأن هي "إلى الريفيين" نشرها في جريدة "لسان الشعب" بتاريخ 06 ماي 1925، وجريدة "الصواب" التونسيتين؛ ثم في الصحافة المصرية "اللواء"، و"الأخبار"، انضم إلى صفوف العمل السياسي والوطني منذ أوائل الثلاثينات، فقد واكب الحركة الوطنية بشعره وبنضاله على مستوى المغرب العربي فانخرط في صفوف الشبيبة الدستوريّة، في فترة دراسته بتونس، فاعتقل لمدة نصف شهر، كما شارك مشاركة فعّالة في مؤتمرات طلبة شمال إفريقيا، وبعد عودته إلى الجزائر أصبح على مستوى الحركة الوطنية الجزائرية عضوا مناضلا نشطا في جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين المناهضة لسياسة الإدماج، إلى جانب ميوله إلى حركة الإصلاح التي تمثلها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، انخرط كعضوا مناضلا نشيطاً في حزب نجم شمال إفريقيا، ثم عضواً نشيطاً أميناً عاماً فقائدا من أبرز قادة حزب الشعب الجزائريّ، ليؤسس رفقة باقي المناضلين جريدة "الشعب" لسان حال الحزب، عمل رئيساً لتحريرها والداعية لاستقلال الجزائر في 1937، حينها كتب نشيد الحزب الرسمي "فداء الجزائر"، فأعتقل من طرف السلطات الفرنسية وأودع السجن لمدّة سنتين من أوت 1937 رفقة مصالي الحاج وأطلق سراحه سنة 1939، ثم اعتقل عدة مرات في فيفري 1940 لمدة 6 أشهر، بعدها في 08 ماي 1945 (3 سنوات)، وبعد خروجه من السجن انخرط في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وغداة اندلاع الثورة التحريريّة الكبرى انخرط في 1955 بأولى خلايا جبهة التحرير الوطنيّ بالعاصمة، وألقي عليه وعلى زملائه المشكلين لهذه الخلية القبض، فأودعوا السجن بعد محاكمتهم وعرف الاعتقال مجددا في سجن بربروس "سركاجي حاليا" فبقي فيه لمدة ثلاث سنوات من 19 أبريل 1956 إلى 01 فيفري 1959، وبعد خروجه من السجن فر إلى المغرب، ومنه انتقل إلى تونس، للعلاج على يد فرانز فانون، مما لحقه في السجن من آثار التعذيب، سجنته فرنسا خمس مرات لمدة 8 سنوات، اشتهر بكتابة النشيد الرسمي الوطني" قسما "، إلى جانب ديوان "اللهب المقدس"، و"إلياذة الجزائر" كما كان سفير القضية الجزائريّة بشعره في الصحافة التونسية والمغربية، وسفيرها في المشرق لدى مشاركته في مهرجان الشعر العربي بدمشق سنة 1961، وساهم في تحرير جريدة "المجاهد" إلى غاية تحرير الجزائر.
بعد الاستقلال أمضى حياته في التنقّل بين أقطار المغرب العربي، وكان مستقره المغرب، وبخاصة في سنوات حياته الأخيرة، وشارك مشاركة فعّالة في مؤتمرات التعرف على الفكر الإسلامي، فقد ساهم بفعالية في النشاط الأدبي والسياسي في كامل أوطان المغرب العربي، واكب شعره بحماسة الواقع الجزائري، بل الواقع في المغرب العربي في كل مراحل الكفاح لمدة تجاوزت نصف قرن، منذ سنة 1925 حتى سنة 1977 داعياً إلى الوحدة بين أقطارها، ترك لنا إنتاجه الأدبي في العديد من الدواوين "تحت ظلال الزيتون (1965)، اللهب المقدس، طبعته الأولى في (1973)، من وحي الأطلس، إلياذة الجزائر، وله عدد من دواوين الشعر لازالت مخطوطة تنتظر من يقوم بإحيائها، ألهب الحماس بقصائده الوطنية التي تحث على الثورة والجهاد حتى لقب بـ "شاعر الثورة الجزائرية"، ومن شعره الوطني "نحن طلاب الجزائر"، وصاحب نشيد الثورة الجزائرية والنشيد الوطني الجزائري المعروف "قسما"، نشطا فعالا مناضلا مدافعا حتى وفاته بتونس 17 أوت 1977 (رمضان 1397هـ)، عن عمر يناهز 69 سنة، ونقل جثمانه إلى الجزائر، ليدفن بمسقط رأسه ببني يزقن، يرحمه الله.
كما حاز على العديد من التكريمات والجوائز، فهو حامل لوسام الكفاءة الفكريّة من الدرجة الأولى من عاهل المملكة المغربيّة محمد الخامس، بتاريخ 21 أفريل 1987 ووسام الاستقلال، ووسام الاستحقاق الثقافي، من رئيس الجمهوريّة التونسيّة الحبيب بورقيبة، ووسام المقاوم من رئيس الجمهورية الجزائرية الشاذلي بن جديد في 25 أكتوبر 1984، وفي 08 جويلية 1987 قدم له شهادة تقدير على أعماله ومؤلفاته، ولجهوده المعتبرة ونضاله في خدمة الثقافة الوطنية، ووسام الأثير من مصف الاستحقاق الوطني من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في 4 جويلية 1999، بعيدا عن الأوسمة فهو شاعر الشعب الجزائري بامتياز، ويلقى منا كل الاحترام والتقدير، يرحمه الله.