الفضيل الورتلانى ودوره فى ثورة اليمن
بقلم: د. صفوت حسين-
الفضيل الورتلاني (1900–1959) مجاهد جزائري الأصل، وهو من كبار العلماء والخطباء في العالم الإسلامي، وهو أول المناضلين الذين وصلوا مصر للدعوة لقضية بلادهم قبل الحرب العالمية الثانية، وأول من تعاون مع الإخوان من شمال أفريقيا، وأول من انضم إليهم حتى أصبح واحداً منهم، وكان كثير التردد على المركز العام للإخوان المسلمين حتى ليكاد يتردد عليه كل يوم، وكان عضوا بارزا في جمعية العلماء بالجزائر التي أسسها عبد الحميد بن باديس، وقد أوفدته الجمعية للاتصال بالجزائريين وأبناء شمال أفريقيا في فرنسا وقد وصل فرنسا عام 1934 حيث التقي بالجالية الجزائرية هناك وأسس جمعية الدعوة والتهذيب، ومارس نشاطه السياسي ضد الاستعمار الغربي لبلاده من خلال الخطب والصحف وتنظيم الجالية الجزائرية، مما أدي لإثارة قلق فرنسا التي قررت التخلص منه إلا أنه استطاع النجاة ومغادرة فرنسا. ثم وفد إلى مصر حيث أقام علاقة وثيقة مع الإخوان المسلمين، وأسس في القاهرة عام 1942 لجنة الدفاع عن الجزائر وانتخب أميناً عاما لها، ثم شكل في عام 1944 لجنة الدفاع عن شمال أفريقيا وانتخب أميناً عاماً لها، وكان عضوا هاماً في قسم الاتصال السياسي بجماعة الإخوان المسلمين ، وصديقاً شخصياً للمرشد العام حسن البنا وكان يختص بشئون الجزائر، وشمال أفريقيا، ولكن نشاطه وجهاده لم يقتصر علي موطنه فقط، بل ساهم في كافة قضايا العالم الإسلامي، وخاصة فلسطين، واليمن انطلاقاً من رؤيته للعالم الإسلامي كوحدة واحدة لا تتجزأ.
وتعود فكرة إرسال الفضيل إلي اليمن، عندما قدم إلى القاهرة محمد البدر ابن سيف الإسلام أحمد ولي العهد، وذلك للعلاج، حيث التقي في القاهرة ببعض الأحرار اليمنيين المقيمين في القاهرة ومنهم صالح المسمري، وأحمد الحورش ويحيى زبارة، وفي أثناء إحدى لقاءاته معهم، قام بعض الأساتذة المصريين الذين يعملون باليمن بدعوة البدر لحضور إحدى ندواتهم في مقر الإخوان المسلمين، حيث تعرف حسن البنا بالبدر، وتوطدت العلاقة بينهما، وأثناء إحدى الندوات في مقر الإخوان تم التعارف بين الفضيل الورتلاني والبدر، وتكرر اللقاء بين البدر والفضيل وأبدي البدر تعاطفه الواضح مع الإخوان، ومن هنا نشأت فكرة ذهاب الفضيل إلي اليمن لتأسيس شركة تجارية هناك كمندوب للحاج محمد سالم صاحب شركة الأتوبيسات، وكان صديقاً للبنا ، علي أن يرافقه أحمد فخري، العالم الأثري، والذي سبق أن ذهب لليمن في بعثة أثرية، وكان منتميا الإخوان المسلمين.
كما تم الاتفاق مع البدر علي أن يسعى من أجل طلب بعثة مصرية للتدريس في اليمن علي أن يقوم الإخوان المسلمون بتلقف هذا الطلب في وزارة المعارف، ويرسلوا مجموعة من عناصرهم الموثوق بهم، وقد نجح البدر في مسعاه لدي الإمام، واستطاع إقناعه بأن الفضيل عالم إسلامي، وخطيب ورجل حسن الأخلاق، وهو جزائري معاد للاستعمار، فوافق الإمام علي دعوته وكذلك على طلب البعثة التعليمية، وبهذا استطاع الإخوان إدخال العديد من عناصرهم إلي اليمن من خلال البعثة التعليمية، فضلاً عن الفضيل الورتلاني الذي استطاع الدخول إلي اليمن، بعد موافقة الإمام تحت ستار تأسيس شركة تجارية باليمن ،وكمندوب للحاج محمد سالم "وقد كلفه الأستاذ البنا بملف اليمن والاتصال بأحرارها ورجال الإصلاح فيها"
لقد جاءت نقطة التحول في القضية اليمنية بإرسال الإخوان المسلمين الفضيل الورتلاني إلي اليمن، ويمثل وصوله إلي اليمن نقطة تحول هامة في تاريخ حركة المعارضة، وثورة 1948، وكذلك في دعم ومساندة الإخوان المسلمين للأحرار اليمنيين، وقد وصل الفضيل إلي اليمن في أبريل 1947، وعندما وصل إلي مدينة تعز، قام بإلقاء خطبة بعد صلاة الجمعة ثم قام بزيارة ولي العهد في نفس اليوم، واستطاع الحصول منه علي الموافقة بإقامة محاضرات دينية وأدبية .
وقد أدي اتصال الفضيل بولي العهد أحمد ،وثقة أحمد به إلي تيسير مقابلة الإمام يحيى للفضيل، بعد أن أقنع أحمد الإمام بأن الفضيل علي جانب كبير من العلم والتدين وأنه من المجاهدين في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وقد أتاح ذلك للفضيل حرية الحركة والعمل والالتقاء بالأحرار في صنعاء.
بدأ الفضيل نشاطه في اليمن بحماس شديد، مستفيداً من الجو العام في اليمن نتيجة نشاط قوي المعارضة في الداخل، وفي عدن، وساعد الفضيل علي نشاطه المحموم في اليمن، احتضان ولي العهد أحمد له، والذي أعجب به، وبدعوته الإصلاحية، وأسلوبه في الخطابة، وثقافته الإسلامية الواسعة وتاريخه الجهادى ضد الاستعمار، واستطاع الفضيل أن يوثق علاقته بالمعارضة اليمنية ففي صنعاء اتسع نطاق النشاط الثوري للفضيل بمساعدة العالم الأثري أحمد فخري، وأحمد الشامي، واستطاع أن يجتذب الكثير من السادة إلي حركة المعارضة، وعلي رأسهم حسين الكبسي وزير الخارجية، واندفع الفضيل في إلقاء المحاضرات وإقامة الندوات في المدارس والمساجد والحفلات، وسرت حماسته وروحه الثورية إلي الشباب والضباط وطلاب المدارس، وكان أهم إنجاز للفضيل ضم عبد الله الوزير للثورة ،علي أن يتولي الإمامة بعد يحيى، وكانت المعارضة اليمنية قد أدركت أن الثورة تتطلب كسب القبائل، وكان هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً، بينما نذر الثورة والخطر كانت بادية في الأفق، وبدأ الإمام وأنصاره باعتقال بعض الشباب والطلاب والضباط، ولم يكن أمام قيادات المعارضة إلا صرف النظر عن هذا الطريق الطويل، والتخلي عن فكرة التخلص من الإمامة، وإقامة جمهورية وكان البديل اختيار شخصية تتوفر فيها صفات الإمامة، ولها وضعها بين القبائل، كمرحلة انتقالية علي أن يكون الحكم دستورياً، وقد وقع الاختيار علي عبد الله الوزير، الذي توافرت فيها هذه الصفات.
وقد تم إقناع عبد الله الوزير بقيادة الثورة، وقبول الإمامة بعد جهود من قوى المعارضة في صنعاء التي لعبت علي عامل تخويف الإمام يحيى من عبد الله الوزير، وتخويف عبد الله الوزير من يحيى، وقد لعب الفضيل دوراً كبيراً في هذا الصدد، وقد نجحت قوى المعارضة في مسعاها، واقتنع الوزير بتولي قيادة الثورة وقوى علاقته بالفضيل ومن يتصل به، وأخذ عبد الله الوزير يتصل بمن يثق به من أعيان القبائل الموالية له
وأخذ الفضيل وقادة الأحرار اليمنيين يضعون الخطط ويتصلون في صنعاء بجمال جميل الذي تولي قيادة الجناح العسكري – كان جمال جميل أحد الضباط العراقيين الذين قدموا للعراق ضمن بعثة عراقيه استقدمها يحيى عام 1940 إلي اليمن لتدريب العسكريين اليمنيين، وذلك لمنع الشباب اليمني من مغادرة اليمن والتأثر بمظاهر الحضارة، والأفكار الوطنية في الخارج وقد تخلف عن السفر مع البعثة العراقية التي غادرت اليمن عام 1943، وقد عينه يحيى معلماً للجيش اليمني، وتزوج من يمنية، واستقر في اليمن، وقد لعب دوراً كبيراً في بث الروح الوطنية لدي الضباط من خلال عمله في الجيش اليمنى، كما كان دائم النصح ليحيى بإدخال الإصلاحات، وقد اتصل بالأحرار اليمنيين، وكلف بإنشاء تنظيم عسكري تحت قيادته، وهو التنظيم الذي قاد الثورة من الناحية العسكرية - وأرسلوا بالأخبار إلي تعز، وإلي عدن، وإلي حسن البنا بالقاهرة، وانتهت هذه الاتصالات بالموافقة علي أن يكون الوزير إماماً، وكان الإنجاز الثاني للفضيل، ربط قوى المعارضة في اليمن وعدن، وإصدار الميثاق الوطني، فقد استطاع بسبب أعماله التجارية، وثقة الإمام فيه أن يقوم بالعديد من الرحلات إلي عدن دون أن يثير ذلك شك يحيى حوله ولذلك أصبح حلقة الوصل بين الجماعات المعارضة في عدن وقوى المعارضة داخل اليمن.
وعقب زيارته الأولي لليمن في إبريل 1947، والجهود التي قام بها، واكتساب ثقة الإمام به - حتى إن الإمام طلب منه تقريراً عن الاقتصاد اليمني - غادر اليمن بعد ذلك إلى القاهرة، وفي شهر أغسطس عاد لليمن مرة أخري لتسليم التقرير، ومر في طريقه إلي اليمن بعدن، حيث التقي بقادة المعارضة أحمد نعمان، والزبيري وزعماء المعارضة الآخرين، ثم توجه إلي صنعاء لاستكمال مهمته مع قادة المعارضة هناك.
وقد نشرت صحيفة الإخوان في 3 أغسطس عام 1947، التقرير الذي رفعه الفضيل إلي الإمام يحيى وقد كتب له حسن البنا مقدمة جاء فيها "العالم العربي والإسلامي كله رجاء في أن يسرع جلالة الإمام مؤيداً مشكوراً بإقرار النواحي الإصلاحية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية التي تنهض بشعبه حتى لا يدع ثغرة ينفذ منها الاستعمار الأجنبي
وقد تمخضت جهود الفضيل عن "الميثاق الوطني المقدس" والذي تم صياغته في صورته الأولي في القاهرة، واشترك في كتابته، وبلورته أبرز المعارضين اليمنيين في القاهرة، صالح المسمري وأحمد الحورش ومحيي الدين العنسي، والذين كانوا علي صلة بالإخوان وعندما توجه الفضيل إلي عدن، أضيف إليه قسمان، واتفق علي كثير من الأسماء التي ستدخل في الميثاق، ثم تم استكماله بشكل نهائي في صنعاء، وقد قام بكتابة الميثاق في صنعاء الأديب أحمد الشامي، وكان يمليه عليه الفضيل، ثم تم إرساله إلى عدن.
وقد نجح الورتلاني في أن يجمع كل قوى المعارضة حول الميثاق الوطني المقدس في سبتمبر 1947 قائلاً: "هذا الميثاق تم بمعرفة وإطلاع ومباركة زعيم الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا" وقد أكد هذه المعلومة أحمد حسن الشامي في كتابة "رياح التغير في اليمن": حيث ذكر "وضع الورتلاني وحسن البنا الخطوط العريضة الأولي للميثاق لتكون اليمن نواه لدولة الإسلام، إذا نشأت ونمت علي مبادئ قرآنية..وقد أيقنا أن اليمن أفضل من غيرها من البلاد العربية، ويمكن أن تكون منطلقاً لدعوة إسلامية صادقة صحيحة بإنشاء دولة تحكم بما أنزل الله وتستقطب زعماء وعلماء وعباقرة المسلمين"
ويحتوى الميثاق الوطني على مقدمة، و 39 مادة، وملحق للميثاق المقدس يحتوي 4 مواد، و 4 قوائم تشتمل علي أسماء مجلس الوزراء، ومديري الوزارات، والموظفين الشوريين، وكبار الموظفين غير الشوريين.
وبصفة عامة فقد حرص الميثاق علي تأكيد التمسك بالتعاليم الإسلامية، والالتزام في كل عمل بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومن الواضح تأثير الإخوان المسلمين في صياغة الميثاق الذي احتوى علي الكثير من الأفكار والآراء التي كان يدعوا إليها الإخوان، مع مراعاة البيئة المحلية في اليمن.
واحتوي ملحق الميثاق المقدس علي مادة تتعلق بالفضيل الورتلاني، وهى "يكون الطلب بإلحاح من فضيلة الأستاذ الورتلاني المعروف عندنا جميعاً بفضائل يقدرها له الإمام والمأموم أن يضيف إلي سلسلة أعماله المشكورة قبوله لأن يكون مستشاراً عاماً للدولة من المستشارين العموميين المنصوص عليهم في المادة (25) من هذا الميثاق".
ومن الأدوار التي أداها الفضيل الاتصال بأمين الجامعة العربية عبد الرحمن عزام للتأكد من مساندة الجامعة العربية، بعد موت يحيى، خوفاً من تحرك القبائل لنهب العاصمة، وهو الوعد الذي قطعة عزام باشا علي نفسه للأمير علي بن الوزير أثناء إقامته في مصر.
وبعد وصول الفضيل إلي اليمن، استأذن من الإمام للتوجه إلي مصر لإخبار الحاج محمد سالم بتأليف الشركة، والتأكد من عزام باشا بشأن وعده لعلي بن الوزير بمساندة الجامعة العربية، لقد شهدت الفترة من أبريل 1947 حتى نهاية هذا العام، نشاطاً محموماً قاده الفضيل متنقلاً بين صنعاء وعدن والقاهرة، واستطاع بما يملكه من مواهب وقدرات خطابية وثقافية أن يكسب ثقة الإمام وولي العهد، وأن يتحرك بحرية لكسب مزيد من الأنصار في الأوساط الحاكمة وتجميع قوى المعارضة حول شخص عبد الله الوزير، والميثاق الوطني المقدس، وأصبحت اليمن مركز الثقل في الحركة الوطنية منذ وصوله إلي اليمن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي جعل الأحرار اليمنيين يتقبلون هذا الدور الذي لعبة الفضيل وما هي المؤهلات التي أهلته لهذا النجاح الذي حققه؟.
يبدو أن الفضيل قد حقق هذا النجاح والقبول من جانب الأحرار اليمنيين، انطلاقاً من كونه مبعوث حركة الإخوان المسلمين في اليمن، والتي كان تأييدها لحركة المعارضة اليمنية رصيداً كبيراً لهذه الحركة ليس فقط من الناحية المعنوية، بل وعلي الصعيد المادي والإعلامي، هذا إضافة إلي مؤهلات الفضيل الشخصية، وتاريخه الجهادى كأحد المناضلين الجزائريين كما سبق الإشارة إلي ذلك، وكذلك كونه غير يمني مما جعل الأحرار يتقبلون آراءه بعيداً عن الحساسية التي يمكن أن تكون بين اليمنيين أنفسهم.
مع نهاية شهر ديسمبر كانت الاستعدادات علي الجانب السياسي والعسكري قد انتهت، وتم طبع الميثاق الوطني وقوائم بأسماء كبار الموظفين بمعرفة الإخوان المسلمين تمهيداً لنشرها عندما يحين الوقت بعد موت الإمام أو قتلة
وقد قام الفضيل في أول يناير 1948 باستدعاء محيى الدين العنسي وأحمد الحورش بحضور جمال جميل، وكلفهم بحمل صورة من الميثاق وتشكيل مجلس الشورى، ومجلس الوزراء لإيصالها إلي عدن، والاحتفاظ بها، حتى وصول برقية بألفاظ مستعارة تفيد وفاة أو قتل الإمام يحيى، فيقوم الأحرار بنشرها
وكانت المشكلة التي واجهت الأحرار، في إطار الاستعداد للثورة، هي موضوع الإمام يحيى فهناك من يري قتلة، وفريق يري الانتظار حتى وفاته، وقد استند هذا الفريق علي أن الإمام في الثمانينات، وحالته المرضية متدهورة، فقد شخص طبيبان مصريان حالته في أغسطس 1945 بأنه يعاني من التهاب كلوي وضيق في المثانة، أما الفريق الطبي الأمريكي الذي فحصه في مايو التالي فقد توقع وفاته بعد أشهر قلائل
وقد عرض الأحرار اليمنيون الأمر علي حسن البنا، والذي أيد انتظار وفاة الإمام يحيى، نظراً لحالته المتدهورة، وحتى يمكن إدخال الإصلاحات، وتصحيح الأوضاع دون إراقة دماء وتم الاتفاق علي ذلك بين حركة المعارضة والإخوان المسلمين، وتم إعطاء الإخوان قائمة بأسماء الوزراء الذين سيتولون الأمر بعد وفاة يحيى لنشرها
ولكن يبدو أن استكمال الاستعدادات المدنية والعسكرية للقيام بالثورة، بالإضافة لنذر الخطر بالثورة التي كانت تلوح في اليمن، والخوف من إجهاض الإمام لها، بالإضافة إلي تطورات ومجريات الأحداث دفعت الأحرار اليمنيين إلي الإقدام علي اغتيال يحيى وإعلان الثورة.
وفي يوم الثلاثاء 17 فبراير 1948 تم اغتيال يحيى وفي اليوم التالي لقيام الثورة الأربعاء 18 فبراير 1948 أذاع راديو صنعاء بيان قيام الثورة وتعيين عبد الله الوزير إماماً دستورياً للثورة، وأذيع أسماء مجلس الوزراء والشورى، وكبار الموظفين، وبنود الميثاق الوطني المقدس.
وسعى النظام الجديد لمخاطبة الدول العربية وجامعة الدول العربية للحصول على اعترافها كما أرسل الفضيل الورتلاني برقية من صنعاء إلي بعض الدوائر العربية في القاهرة تفيد باغتيال الإمام يحيى
بالرغم من نجاح الثورة وسيطرة الثوار على مقاليد الأمور فى صنعاء إلا أنها واجهت تحديا كبيرا تمثل فى أحمد بن الإمام يحيى الذى كان يتمتع بمقدرة حربية كبيرة فضلاً عن شهرته بميله إلي العنف والقوة والذى أعلن نفسه إماما وتحصن فى مدينة حجة وبدأ يثير القبائل لمهاجمة صنعاء، وقد ارتكزت دعايته علي ضرورة الأخذ بالثأر من قتلة يحيى، وأن الثوار يستعينون بالنصارى والكفار، وأن أحمد هو الذي سيأخذ بالثأر ويقاتلهم .
وقد استطاع أحمد خلال أسبوع واحد من قيام الثورة، ومن خلال تحركه السريع والقوي من اكتساب القبائل والشخصيات البارزة فيها، وكذلك نسف المركز الروحي لعبد الله الوزير وقد بادر عبد الله الوزير إلي إرسال وفد منه إلى الرياض لمقابلة الملك عبد العزيز، ووفد الجامعة العربية الذى قررت الجامعة العربية إرساله الى اليمن لدراسة الوضع على الطبيعة لاستعجال وصول الوفد إلي صنعاء، وقد تكون الوفد من علي الوزير، والقاضي محمد الزبيري والفضيل الورتلاني وقد قابل الوفد اليمني الملك عبد العزيز ووفد الجامعة العربية، وقام الوفد اليمني يبذل محاولة أخيرة مع الملك عبد العزيز لإنقاذ الموقف، وقد تولي الفضيل التحدث باسم الوفد أمام الملك عبد العزيز حيث أوضح سوء الحال باليمن، وأن اليمن كلها قد بايعت عبد الله الوزير بالإمامة، وأن القبائل تقوم بالإغارة على صنعاء بقصد السلب والنهب، وطلب من الملك والجامعة العربية بإرسال بضعة طائرات من القنابل والدبابات لإرهاب هؤلاء اللصوص، وإذا تقاعست الجامعة العربية عن ذلك فمعناه أنها تحمي اللصوص وتدافع عنهم، وحاول الورتلاني الطعن في الجامعة العربية، فذهب الملك غاضباً وقال له "بل أنت اللص، أنت وزملاؤك الذين قتلتم الإمام يحيى ولم تراعوا سنية التسعين ولا جهاده في سبيل استقلال اليمن وحمايتها من الأجنبي أربعين سنة"
وهكذا فشلت مساعي الوفد اليمني، ليس ذلك فحسب بل كان عليه أن يغادر السعودية، فقد سقطت العاصمة صنعاء عقب هذه المقابلة، وكان علي الوفد أن يبحث عن مأوي يلجأ إليه.
ففي يوم 13/3/1948 جاءت ساعة النهاية سريعا ، وسقطت صنعاء في أيدي قوات القبائل حيث أذاع راديو صنعاء أن القوات الموالية لسيف الإسلام أحمد دخلت العاصمة صباح اليوم حوالي الساعة التاسعة صباحا
أما الفضيل الورتلاني فكان عليه البحث عن مأوى بعد أن استقر الرأي بين دول الجامعة العربية علي عدم السماح له بدخول بلادها فغادر السعودية الى عدن حيث طلبت منه السلطات البريطانية مغادراتها وغادر الفضيل عدن بحراً إلي مصر حيث تم منعه من النزول، واعتبروه مجرماً، وكان قد تم وضع قائمة بأسماء الثوار اليمنيين في المطارات والمواني لمنع دخولهم مصر ،ولهذا توجه الثوار الناجين من الأحداث إلي الهند وباكستان.
وقد ظل الفضيل عدة شهور علي متن الباخرة ما بين عدن وبيروت، دون أن تسمح له أي دولة بالنزول في أراضيها حتى قبل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح استقرار الفضيل الورتلاني في بيروت شرط أن يكون ذلك سراً.
وقد استقر الفضيل في بيروت حتى قيام ثورة 23 يوليو، وقد قابلة يوسف القرضاوي أثناء زيارته لبيروت في أغسطس 1952، وكان يعرف بين الناس باسم (أبو مصطفي)، وقد أقترح عليه القرضاوي أن ينزل إلي مصر بعد تغير الوضع وزوال الملكية، وقد وافقه علي ذلك علي أن ينزل في صورة تليق بمكانته وتاريخه وقد أذنت له حكومة الثورة بالعودة إلي مصر، وكان علي صلة طيبة بعبد الناصر، وكان لا يزال يحمل في رأسه فكرة معاودة قلب نظام الحكم في اليمن، وحسب رواية حسن العشماوي عضو جماعة الإخوان، أن الفضيل طالما حدث عبد الناصر بهذه الفكرة ولكن عبد الناصر رفضها.
وقد غادر الفضيل مصر بعد الصدام بين الثورة والإخوان وواصل جهاده فى سبيل استقلال الجزائر ، وقد توفى الفضيل الورتلاني في مستشفى أنقرة في 12 مارس 1959م ودفن في العاصمة التركية. وفي عام 1987 نقل جثمانه إلى الجزائر ودفن قريباً من مسقط رأسه.
لقد قام الفضيل بدور كبير في ثورة اليمن، وتحمل في سبيلها الكثير من المعاناة، هذا الرجل الذي جاء من خلف البحار ليشارك إخوانه اليمنيين في التحرر من ربقة الظلم والاستعباد لا دافع له إلا الواجب الذي نذر نفسه وحياته من أجله، وهو الواجب القومي الإسلامي
قالوا:
أفضيل هذى مصر تحتفل بلقاك فانعم أيها البطل
أمسيت لا أهل ولا وطن وغدوت لا سفر ولا نزل
لم تقترف جرماً تدان به كلا ولكن هكذا البطل
إن الفساد إذا اعترى بلداً فالمجرمون به هم الرسل
الشاعر على أحمد باكثير
في استقبال الفضيل
"لا أظن أنه يوجد للفضيل الورتلانى نظير فى العالم الإسلامى علما وكمالا وإخلاصا وهيبة وجلالا"
الثائر اليمنى محمد محمود الزبيرى
د. صفوت حسين: مدرس التاريخ الحديث والمعاصر
كلية التربية – جامعة دمنهور