مظاهر أدبيّة النّص النّثري عند محمد البشير الإبراهيمي
بقلم: د. فاطمة صغير-
ساهمت الجزائر في إقامة صرح الأدب العربي، بما أنتجه أبناؤها من أعمال فنيّة، أبدعوها على مرّ العصور، فجاءت ناقلة لروح الفرد الجزائري ومترجمة لأحداث بيئته، وهذا الأمر تؤكده مختلف النّصوص الأدبيّة، سواء كانت شعرا أو نثرا.
ومثلما قامت دولة الشّعر في الجزائر، على يد أعلام اِتّخذوا الكلام الموزون والمقفى قالبا لإبداعهم، مسجّلين أسماءهم بوضوح في صفحات تاريخ الحياة الأدبية الجزائرية، كبكر بن حمّاد والإمام أفلح وعبد الكريم النّهثلي وعليّ بن أبي الرّجال ومحمد الهادي السّنوسي الزّاهري ومحمد العيد آل خليفة ورمضان حمّود ومفدي زكريا والأمين العمودي وأحمد سحنون وغيرهم كثير، فإنّنا نجد كذلك لفيفا من الأدباء آثروا الكلام المرسل على القريض، مخلّفين دُرراً ونفائس في ميدان الكتابة الفنيّة، فأرسوا بذلك قواعد دولة النثر الجزائري.
وما من شك في أنّ النّثر الجزائري، هو الآخر ذو بدايات وجذور تعود إلى القديم، ليستمر الخوض فيه إلى غاية العصر الحديث، فواكب مختلف الأحداث التي شهدتها الجزائر كالاحتلال والمقاومة والإصلاح والثّورة والاستقلال وبناء الدّولة والإرهاب وغيرها من الوقائع التي انطبع بها المجتمع الجزائري وميّزته عن غيره من المجتمعات الأخرى.
وإذا جئنا نتحدث عن النّثر الجزائريّ الحديث، فإنّنا سنشير إلى جملة من الأشكال النّثريّة التي تكوّنه، علما أنّنا نميز فيها فنونا تقليدية وأخرى جديدة، إلاّ أنّ جميعها استقطبت أقلام الكتّاب والمبدعين.[1]
وتتلخص الفنون النّثرية التقليدية في الخطب والرسائل والمقامات والمناظرات وأدب الرّحلة، وقد أثريت من قبل عدد من الكتّاب مثل الطيّب العقبي والورتيلاني وحمدان خوجة ومحمد الشّاذلي القسنطيني، مثلما سار آخرون قدما بالفنون النّثرية الجديدة التي تتمثل في المقال والرّواية والقصة والمسرحية.[2]
ويرى أصحاب الدّراسات النّقدية أنّ النّثر الجزائري الحديث، يمثّله اِتجاهان: اِتجاه محافظ وآخر مجدّد، ولكلّ منهما خصائص فنيّة، انطبعت بها كتابات روّادهما[3]، ليتواصل بعد ذلك تطوره في الفترة المعاصرة تحت وطأة ظروف اجتماعية جديدة ومغايرة عمّا كان سائدا في السّابق، علما أنّنا نلمس هذا التّطور فيما أنتجه فريق من الكتّاب الذين واكبوا المرحلة الجديدة التي شهدتها الجزائر، إذ لم تعد موضوعات الثورة ومنجزاتها هي المسيطرة على أقلامهم، وإنّما توجهوا إلى قضايا المجتمع وما صار يكتنفه من تناقضات، مثلما تجسّده لنا أعمال الطّاهر وطار وابن هدوقة ووسيني لعرج وأحلام مستغانمي.
ومع ذلك نؤكد على أنّ الحديث عن النّثر الجزائريّ الحديث، لا يكتمل إلاّ بوقوفنا عند كتابات العلامة المصلح محمد البشير الإبراهيمي، وإن كان يمثّل المدرسة المحافظة بل ورائدها الأوّل الذي تمكّن من الجمع في شخصه الكريم بين عدّة توجهات، ذلك لأنّه العالِم والمؤرِخ السّياسي والأديب والمصلح والمربي الذي أذعنت له هامات الفكر، اِعترافا بفضله وجهوده المنصّبة على الاِرتقاء بالعلم، ولأجله راح يعمل على تأسيس المدارس ويصحّح طرق التّعليم بنبذه لأسلوب التلقي الأعمى الذي لا ينفع وكذلك تصدّيه لآراء بعض الطّرقية التي رآها مفسدة للتّصوف الحقيقي.[4]
لقد حاز الشّيخ الإبراهيمي، بما امتلك من علم، تقدير كبار رجال الفكر الذين عرفوه واحتكّوا به، فهو عندهم العالِم الموسوعي واللّغويّ المحقّق والفيلسوف المدقّق والفقيه المتضلّع والأديب الذي له أسلوب يضارع أساليب فحول الكتّاب، فاستحقّ بذلك ثناء العلماء، كشيخ الشّام محمد بهجت البيطار الذي رآه بمثابة دائرة معارف، وإعجاب الطّلاب كجميل صليبا الذي كشف في مذكراته عن اغتباط الطلبة بدروسه، ذات الأسلوب العذب عذوبة الماء الزّلال[5]. وهذه المكانة الجليلة لشيخ العربية في نفوس أهل العلم حملت كذلك الشعراء على الإشادة بخصاله ومحامده، ومنهم محمد العيد آل خليفة.
أمـّا رفيق دربه وصنوه في الأعمال الجليلة: العلاّمة عبد الحميد بن باديس فيجعله فخر علماء الجزائر[6]، وهي شهادة عالِم جليل متبصر بعقول الرّجال، تؤكّدها أكثر وترسّخها جملة الجهود العلمية التي قام بها شيخنا، رغم أنّه يصرّح في مقولة له أنّه لم يضع المؤلفات والتصانيف حيث يقول "لم يتّسع وقتي للتأليف والكتابة مع هذه الجهود التي تأكل الأعمار أكلاً ولكنّني أتسلى بأنّني ألّفتُ للشّعبِ رجالاً وعملتُ لتحرير عقوله تمهيدا لتحرير أجساده، وصحّحت له دينه ولغته فأصبح مسلماً عربياً"[7]
أثر البشير الإبراهيمي في الحياة الأدبية
إنّ المتتبع لجهود البشير الإبراهيمي تتجلّى له حقيقة مفادها أنّه لم يبرز فقط في ميدان الإصلاح والمقاومة، وإنّما ساهم كذلك في إثراء الحياة الأدبية في الجزائر، عن طريق العديد من الآثار التي خلّفها وراءه في شتى المجالات.
ففي الميدان اللّغوي لم يكتف بالحرص على تعليم النشء اللّغة العربية، والعمل على أن تأخذ مكانتها الشّرعية في المجتمع الجزائري كلغة أمّ، وإنّما خصّها كذلك بالعديد من الدّراسات، تتمحور موضوعاتها حول قضايا لغة القرآن، في مستوياتها الأساسية كالمستوى الصّوتي الذي تناوله من خلال رسالة تطرّق فيها إلى مخارج الحروف وصفاتها بين العربية الفصيحة والعاميّة، إضافة إلى المستوى الصّرفي حيث تعرّض للأوزان والضمائر والأبنية، فوضع كتاب "أسرار الضمائر في العربية" وكتاب "نظام العربيّة في موازين كلماتها" وكتاب "الصّفات التي جاءت على وزن فَعَلَ" وكتاب "النُّقايات والنُّفايات في لغة العرب"[8]
وعدا المجال اللّغوي، أثرى البشير الإبراهيمي ميدان التأليف بالكثير من المصنّفات، أشهرها رسالة الضّب التي نزع فيها منزع الجاحظ في كتابه "الحيوان"، فقد عرض لنا حقائق علمية عن هذا الحيوان، كاشفا فصيلته وصفاته وحضوره في حضارات الأمم، مبيّنا إشارة العرب إليه في أمثالهم وأشعارهم.[9]
ولم يقتصر باع الشيخ على التأليف وإعداد الأبحاث والدّراسات، وإنّما راح يبدع في بعض الفنون الأدبية كالرّواية التي أبدع فيها نصًّا سمّاه "كاهنة الأوراس"، والمسرحية التي وضع فيها نصًّا عنوانه "رواية الثلاثة"، وهي عمل مسرحي شعري، يقع في ثمانمئة وواحد وثمانين بيتا، أعدّه وهو في منفاه بمدينة آفلو[10]، وهذه الرّواية، تكشف مقدرة البشير الإبراهيمي على قرض الشّعر، فقد نظّم أرجوزة سمّاها "ملحمة"، وهي تقع في ستة وثلاثين ألف بيت، وذات مواضيع متعدّدة، يتّصل بعضها بتاريخ الإسلام والبعض الآخر بمشاكل المجتمع الجزائري.[11]
وهذه الأعمال الأدبية تؤكد عمق ثقافة صاحبها، وأصالة فكره، المصقول بالثقافة العربية الإسلامية ولذلك نجدها ترسخ انتماءه إلى العروبة وتثبت انصهاره في قوميته.
والواقع أنّ ثقافة الإبراهيمي تلك، تقوم على تنوع المعارف وتعدّدها، فقد أقبل على ينابيع التراث العربي في عصوره المختلفة، حيث حفظ دواوين شعرية لفحول الشّعراء الجاهليين والإسلاميين، كما أحصى ألوانا من فنون النثر من خطب ومقامات وحكم وأمثال، الأمر الذي أعانه على اكتساب لغة ناصعة البيان، ترقى في أساليبها إلى اللّغة العربيّة في أزهى عصورها وأنقى فصاحتها وأفتن جمالها، وهذا ما نلمسه في ذلك العدد الهائل من الخطب التي كان يلقيها في مناسبات كثيرة، والمقالات التي دجّج بها مختلف الجرائد الوطنية والعربيّة، فضلا عن الرّسائل التي خصّ بها بعض رفاقه وخلاّنه.
وما من ريب في كون هذه النّصوص النّثرية التي حبّرها البشير الإبراهيمي في فنون الخطابة والمقالة والرّسالة، تجسّد دوره الفعّال في إرساء أسس النّثر الفنّي في الجزائر من خلال توظيفه للأساليب الراقية، ذات اللّغة الجزلة والصّور المشحونة بالدّلالات والإيحاءات، فشكلت كتاباته نموذجا راقيا للبيان العربي في صوره المشرقة،[12] ممّا دفع ببعض الدّارسين إلى الحديث عن خاصّية فنّية، يصطلح عليها بالأدبيّة.
الأدبيّة وصلتها بالنص
شغل النّص حيّزا كبيرا في الدّراسات النّقدية الحديثة والمعاصرة حيث اهتمّ المنّظرون بتحديد ماهيته وإيجاد المناهج المناسبة لمقاربته مقاربة علمية صحيحة.
وممّا تتفق بشأنه تلك الدّراسات أنّه نسيج من الكلمات، يترابط بعضها ببعض كالخيوط التي تجمع عناصر الشيء المتباعدة في كيان كليّ متماسك،[13] ممّا يعني أنّ كاتبه يقوم بضمّ عناصر لغوية، ويربط بينهما لتصير كلاّ منسجما ومترابطا، ولأن توالي العناصر اللّغوية، هو أساء بناء النّص اعتبره معظم النقّاد بنية لغوية، ذات مدار مغلق، أي مكتفيا بذاته ولا صلة له بسياقه.[14]
ولم تقف الجهود عند حد كشف حقيقة النّص، وإنّما راحت تبحث فيما يجعل النّص نصا أدبيا، فتنوعت لأجل ذلك الأبحاث وتعددت، مهتدية في الأخير إلى مصطلح الأدبية، وهو لفظ وليد النّقد الحديث، أطلقه الدّارسون النقّاد على ما يجعل الخطاب العادي ممارسة فنّية إبداعية، وقد أبدعه رومان جاكبسون سنة 1919 م من خلال عبارته المشهورة "موضوع علم الأدب ليس هو الأدب ولكن الأدبيّة أي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيّا".[15]
ومنذ ذلك الحين تضاعفت الأبحاث المتّصلة بالأدبية، كاشفة صلتها بالأدب الذي لا يكون كذلك إلاّ بها، بمعنى أنها مجموع الصّفات التي يتصف بها الأدب وتشكّل جوهره.
فالنّص الأدبي إذن يتوفر على صفات ومميزات وخصائص تصنع فرادته[16] وتسوّغ لنا نعته بالأدبية التي بدورها تجعل القارئ مفتنا بهذا النّص دون غيره من النّصوص.
ولأنّ الأدبية تمثل ما اشتمل عليه النّص من مميزات وعناصر فيه، فإنها تطلب من خلال لغته وصوره الأدبية إضافة إلى إيقاعه، وهذا لا يتأتى إلاّ عن طريق القراءة النّسقية، لأنّها وحدها الكفيلة بكشف نظامه ونسقه الذي يجعل منه عملا متميزا.[17]
ولذلك يتفق النّقاد على أنّ القراءة النّسقية هي مقاربة داخلية للنص، بغية الوقوف على مكوناته الذاتية التي تحوّل الخطاب من سمته العادية إلى ممارسة فنّية، تظهر من خلالها جماليته التي لا تتحقق إلاّ عن طريق الصياغة، فهي وحدها تحدّد قيمة النّص الفنّية أي أدبيّته، فكلما أحسن الكاتب الرّبط بين مكونات النص وأجزائه، كلّما تحققت الأدبية، إذ أنّها لا تعود إلى عنصر ما في النّص، ولا إلى مجموعة عناصر، دون الأخرى ولا إلى صورة فنّية بذاتها، أو انزياحات ما، تبدو هنا وهناك، بل هي وليدة جميع أجزاء الخطاب الأدبي، أي وليدة التركيبة الكليّة.
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أجمع الباحثون على ريادته في ميدان النثر الفنّي، ذلك لأنّه سما بأسلوبه إلى مرتبة عالية في البيان العربي، بما وظّفه من لغة فخمة جزلة، وأساليب بلاغية متنوعة، إضافة إلى قدرته على توليد المعاني، وغيرها من المميزات التي جعلته يرتقي إلى مصاف البلغاء المشهورين كالجاحظ.
مظاهر الأدبية في كتابات البشير الإبراهيمي
من خلال تتبعنا لمفهوم الأدبية عند النّقاد، توصّلنا إلى أنّها تمثل كلّ السّمات أو المميّزات أو الخصائص أو الصّفات التي تجعل خطابا ما ينعت بالأدبية. وبالنسبة لكتابات الشّيخ محمد البشير الإبراهيمي فإنّها تطفح وتزدهي بمثل هذه الأوصاف، ممّا جعلها خطابات غير عادية، وإنّما ممارسات فنّية إبداعية، تتجلى فيها تلك الفرادة التي أشار إليها تودوروف.
وقبل أن نكشف عن السّمات المميّزة لمادته الأدبية، نشير إلى أنّ جميع الدارسين والنّقاد، يجمعون على أنّ صاحب البصائر أوتي فحولة أدبية قلّما تتأتّى لكاتب غيره، بل لكأنّ أبا عثمان الجاحظ قد تمثل فيه، لما حققه في ميدان النثر الفنّي، فخطبه ورسائله ومقالاته تمثل أرقى أساليب اللّغة العربيّة، وتشي بقدرة عجيبة على تحبير النّصوص وزخرفة القول، وتمثل دليلا على موهبة أدبيّة فذّة. يقول في هذا المقام عبد المالك مرتاض:
"يسمو أدبه إلى ذروة الفنّ الأدبي، ونحن نحسب أنّ هذه الفترة لم تعرف كاتبا ينحو منحى أبي عثمان الجاحظ في كتابته دون أن يبدو عليه تكلّف أو ضعف أو جدب في القريحة أو ضحالة في المفردات اللّغوية كمحمد البشير الإبراهيمي".[18]
كما يراه الباحثون صاحب أسلوب عربيّ أصيل، يستمد أصالته من التّراث الأدبي القديم، القائم على حسن السّبك وجودة الحبك وبراعة التحبير، وكل ما تتطلبه معاني الأصالة التي أشار إليها أحمد حسن الزّيات: "وملاك الأمر ألا تكتب كما يكتب النّاس، ملاكها أن تكون أصيلا في نظرتك وكلمتك وفكرتك وصورتك ولهجتك".[19]
ولأنّ دراسة الأدبيّة في أيّ خطاب تعتمد على النظر في جملة من العناصر وهي: اللّغة والأسلوب والإيقاع، فإنّنا سنتتبّع هذه العناصر في نثريات الإبراهيمي، بهدف الوقوف على الأدبية فيها.
ينطلق النّقاد من حقيقة ثابتة، تتمثل في أنّ الخصائص المميّزة لأسلوب الأديب تظهر من خلال طريقة تفاعله مع اللّغة؛ لأن أسلوبه ليس سوى نتيجة للتفاعل بين ذاته واللّغة.[20]
واللّغة عند الإبراهيمي ذات ثلاثة مستويات: المستوى الشّعري والمستوى الخطابي والمستوى التقريري.
وممّا لا شكّ فيه أنّ المستويين الخطابي والتقريري لهما علاقة وثيقة لأنّ اللّغة فيهما تعتمد على المباشرة والمنطق، وتتخلّى عن بعض المتطلبات البلاغية، مكتفية بعرض الحقائق ولذلك فإنّها ذات دلالات محدودة ومقاصد واحدة لا تتعدى المعنى الظّاهري.
ومن هنا فإنّ الأدبية ستتجلى في المستوى الشّعري، حيث نجد لغته مشحونة بالذاتية، مثلما يظهر في هذا النّص: "يا عيدُ بأيّة حال عُدْت؟ وهذه فلسطين - التي عظّمت حرماتك ثلاثة عشرة قرنا ونصف قرن، وتأرّج ثراها بالأثر العاطر من إسراء محمّد، واطمأنّت - من أوّل يوم - قلوب أبنائها بهدي القرآن".[21]
فاللّغة هنا تساير الموقف الانفعالي لصاحبها، تنمّ عن مشاعر حزينة، وممّا زاد في تعميق الانفعال، استعانته بالتعبير الشعري: "عيد بأيّة حال عُدْت يا عيدُ".
والملاحظ أنّ لغة كاتبنا في مستواها الشّعري، تقوم على خاصية الانزياح اللّفظي والدّلالي، وهي من أبرز مظاهر أسلوبه، يلجأ إليها بهدف التأثير الجمالي والفنّي كما في قوله: "إنّ بين جنبيّ ألما يتنزى، وإنّ في جوانحي نارا تتلظّى، وإنّ بين أناملي قلما سِمته أن يجري فجمح".[22]
فالدّلالة الأصلية للفعل "جمح" إمّا للمرأة حين تهجر بيت الزوجيّة، أو للفرس في حالة سرعة واِنفلات، ممّا يعني أنّ الاستعمال أعطى دلالة للفعل لأن الجموح لا يكون للقلم، وإنّما جاء كذلك من أجل التعبير عن دلالة نفسيّة تتمثّل في جياشان الخواطر، إضافة إلى التعارض بين سمات الفعل "جمح" والقلم، وهذا منبع شعرية النّص.
ومن ذلك أيضا قوله "ورضيتُ فوق الرّضى بأبوتك لي أن رضيت ببنوتي لك، ويمينا لو تبرّجت لي المواطن في حللها وتطامنت لي الجبال بقللها لتفتنني عنك لما رأيتُ لك عديلا ولا اتخذتُ لك بديلا".[23]
ففي هذا المقطع نجد لفظين خرجا عن دلالتهما المعجمية ليلجا سياقا جديدا فاكتسبا دلالة مغايرة، مشحونة بالمعاني النّفسية، حيث كشف الفعل الأول عن قداسة الانتماء إلى الوطن، كما دلّ الفعل الثاني على عزّة النفس إبائها.
وبالإضافة إلى ما تقدّم، نجد الإبراهيمي يحسن اختيار ألفاظه ويعمد إلى تركيبها فنّيا، مثلما نراه في هذا المقطع حيث يقول:
"أيْ أبنائي المعلّمين: هناك أمم تقدّمتكم في العلم والمعرفة والنّظام، فخذوا من مبادئها العبرة، وخذوا من مصايرها العظة، وإنّ عبرة العبر لكم فيها أنّ العلم، وإن تشعبت أغصانه، وتفرعت أفنانه، وأسلس لها عصية حتى فتحت به مغلقات الكون، لم يغن عنها فتيلا مما تغني الأخلاق والفضائل"،[24]
فلفظة "فتيلا" أصدق دلالة من الألفاظ القريبة منها كـ: قليلا أو يسيرا أو شيئا، ذلك لأنّ القصد هو بيان أنّ النهضة لا تستغني عن الأخلاق والفضائل، فالعلم أعرج دونها.
وهذا الاختيار الدّقيق، تفسّره كذلك تلك المباني الصّرفية التي ينتقيها كبنية اِفتعال الواردة في قوله: "وكأنّنا استبدلنا بجنسيتنا الواحدة جنسيات متعدّدة، كلّها غريبة عنّا، وكلّها مجمعة على اهتضامنا وهضمنا".[25]
فصيغة اهتضامنا تدل على الجهد والمجاهدة التي يبذلها الاستعمار من أجل سلخ الأمّة الجزائرية عن مقوّماتها، ومن ثمّ فإنّها تدل على تكاثر الأحداث وتكثفها.
ومن الصّيغ كذلك توظيفه لاِستفعل في سياق حديثه عن دور جمعية العلماء المسلمين حيث يقول: "واستمرأت القراءة فآمنت بها وأنست واستوبلت الأمّية فكفرت بها واستوحشت منها"،[26] فصيغة اِستمرأ تدلّ على التّلذذ والإشباع التعليمي، أمّا صيغة اِستوبل فتدل على الشعور بالقرف والاِشمئزاز، وكذلك صيغة اِستوحش التي توحي بالخوف والشّر.
الأسلوب
يشير الدّارسون إلى أنّ أسلوب الإبراهيمي، يتميز بخاصية التّوليد الدّلالي، وهي ذلك التّمدّد الأسلوبي لفكرة ما، حيث يتسع محيطها الأسلوبي ليشمل أكثر من عبارة، وذلك للتّعرف على حجمها الأسلوبي.[27]
إنّ احتفاء الكاتب بهذه الميزة، يعكس عنايته بالفكرة واهتمامه بالمعنى بحيث يوصله بأوضح السّبل وأحسنها وأجملها، علما أنّ الإبراهيمي يستخدم التوليد بعدّة أشكال كالأوصاف والنّعوت كما في قوله: "أمّا عن النّاس وأحوالهم فقد عرفت هذا الشعور الفياض من الأحياء المستضعفين بحقّهم في الحياة، وهذا الإصرار الدّائب على المطالبة به، وهذا المنطق الحكيم الذي يترجم تلك المطالبة وهذا البغض المتأجّج للاستعمار".[28]
يحضر في هذا النّص التوليد عن طريق جملة من النّعوت، تؤكّد موقف المستضعفين من الاستعمار، كما حقّق هذا الوصف إيقاعا موسيقيا نتيجة التوازن في الوحدات: الشعور الفيّاض؛ الإصرار الدّائب؛ البغض المتأجّج.
ويتّخذ التوليد عند كاتبنا أشكالا أخرى، كالجملة الفعلية التي تساعد على التمدد الأسلوبي، ويظهر هذا في قوله "نحن في بحر لجيٌ من الفتن المحيطة بالعروبة والإسلام، نغالب تيارها، ونروّض بالعزيمة زخارها، ونقاوم بالإيمان والثّبات إعصارها"،[29] فهذه الجمل أدّت وظيفة الوصف، معبرّة عن موقف الجزائريين من الاستعمار.
وغير الجملة الفعلية، يعمد الإبراهيمي إلى التّوليد عن طريق الترادف بهدف الإحاطة بالفكرة والإلمام بالمعنى، ولذلك نراه يأتي بجمل مختلفة الأساليب والتراكيب، ولكنّها تصبّ في المعنى الأساسي كما في قوله: "جرّبنا فصحت التجربة، وبلونا فصدق الابتلاء، وامتحنا فدلّ الامتحان على أنّ عرق الإيمان في قلوب هذه الأمة كعرق الذهب في المنجم".[30]
فهذا توليد بالترادف، يقوم على التكرار لأنّ الوحدات الألسنية الثّلاث هي في الأصل وحدة دلالية واحدة، لأنّها تؤكّد على أنّ الأمّة عريقة في حضارتها وتاريخها وعقيدتها.
ومن الأساليب التي تحضر بقوة في كتابات الإبراهيمي، أسلوب التّقديم والتّأخير الذي لا تظهر أدبيته فقط فيما يحدثه من خلخلة، وإنّما في الدّلالات التي تنشأ نتيجة لذلك التّصرف في مواقع عناصر الجملة. ومن أمثلته قوله: "فكلّما هاجت به النّوبة، ارتكب جريمة وسنّ لها من القوانين ما يقوّيها ويغطّيها، ويسمّيها مصلحة، وجنّد لها من الأشخاص كلّ حاكم وكلّ طامع وكلّ ذي نحلة سيئة ومن الأعمال التطبيل والتزمير والإعلان والتشهير ومن المعاني الاستمالة والتسيير والاستهواء والتغرير".[31]
فالنّص يشتمل على خاصية أسلوبية، تحضر بقوّة في خطاب البشير الإبراهيمي، تتمثل في ظاهرة تقديم المتعلّق بالمفعول به عن المفعول به لدلالة إضافية تكمن في كشف مسافة التّوتر بين أقوال المستعمر وأفعاله كما تعبّر عن الانفصام بين الذات: الوطن والأمة، وبين الآخر: المستعمر.
ومن مظاهر الأدبية في كتابات الإبراهيمي، توظيفه لأسلوب الحذف بالإيجاز، لحاجة فنّية بليغة كما نجده في قوله:
"ومن العجيب أنّ خصومنا الأقوياء الأذكياء لم يذكروا كلّ هذا حينما أقدموا على فعلتهم وأتوا بها شنعاء على الأيام فأنتجت لهم هذه الحادثة، ضدّ ما أملوا، وأتتهم بعكس ما أرادوا، وقد أملى عليهم الحقد أن ينتقموا من هذه الأمّة فانتقمت منهم الأمّة ... فكشف لهم الغيب ما لم يعهدوا أو لم يتعوّدوا".[32]
يتجلىّ المحذوف في الضمير الغائب المتّصل بالأفعال: أملوهِ؛ أرادوهِ؛ يعهدوه؛ يتعوّدوهِ. حيث أنّ دلالته في الفعلين الأوّلين، تعني الانتقام من الأمّة، وهي مخالفة لدلالته في الفعلين الثّانيين لأنّها تعني الانتقام للأمّة.
الإيقـاع
الإيقاع يطال سائر الفنون القولية شعرا ونثرا، وهو ذلك التّكوين الصّوتي الصّادر عن الألفاظ المستعملة، ممّا يجعله وليد التّشكيل الصّوتي للألفاظ المستعملة في سياق ما وفي تنظيم صوتي ما يحضر الإيقاع في خطاب الإبراهيمي، بشكل لافت للانتباه، ويقوم على توظيف بعض الفنون البلاغية كالجناس كما نراه في قوله "أتمثّله واسع الآمال إلى حدّ الخيال، ولكنّه يزجيها بالأعمال إلى حدّ الكمال ... أتمثّله مصاولا بالحجاج والإقناع ولا باللّجاج والإقذاع، مرهبا لأعدائه بالأعمال لا بالأقوال".[33]
ومن عناصر الإيقاع عنده، نجد السّجع المتوازي مثل قوله "خطّت الأقدار في صحيفتي أن أفتح عينيّ عليك وأنت موثقة، فهل في غيب الأقدار أن أغمض عيني فيك وأنت مطلقة؟ وكتبت الأقدار علي أن لا أملك من أرضك شبرا، فهل تكتب لي أن أحوز في ثراك قبرا".[34]
وإلى جانب ذلك، يعمد الإبراهيمي إلى خصائص أخرى بغية تحقيق ما يعرف بالإيقاع المعنوي، فيوظّف الطّباق والمقابلة والتقسيم، ومن التقابل عن طريق الطّباق والمقابلة قوله "فلا تنسي أنّني ما زلت ألقى الأذى فيك لذيذا والعذاب في سبيلك عذبا، والنّصبة في خدمتك راحة والعقوق من بعض بنيك برّا، والحياة في العمل لك سعادة، والموت في سبيلك شهادة".[35]
ومن التّقسيم قوله: "أتمثّله بانيا لوطنه على خمس كما بُني الدّين من قبلها على خمس: السّباب آفة الشّباب، واليأس مفسدة للبأس، والآمال لا تدرك بغير الأعمال، والخيال أوّله لذّة وآخره خبال والأوطان لا تخدم بإتباع الشّيطان".[36]
لقد أدّى حسن التّقسيم إلى ترتيب المعاني كما أفضى إلى توازن الفقرات. وفضلا عمّا تقدّم، يحقّق شيخ العربية الإيقاع الدّاخلي عن طريق تكرار نمطي، يلازم تراكيبه في قوله: "ما زلتُ أُقارع الغاصبين في ميدان، وأكافح العابثين بحرُماتك في ميدان وأعلّم الغافلين في ميدان،[37] فنحن نلاحظ تماثلا تامّا وكاملا بين وحدات الفقرة.
والشّيح البشير، يعلم علم اليقين أنّ الأدبية، تتبدّى أيضا في الصّورة من خلال المجاز أو الاستعارة أو الكناية أو التّشبيه، فلننظر إلى مكنته في استخدام هذه الألوان، ولنقف شعورا على تأثيرها فينا. يقول: "نأسى لك يا مصر. أن أنزلتك الأقدار بهذه المنزلة التي جلبت لك البلاء وجرّت عليك الشّقاء، سموّك "عروس الشّرق فكانّما أغروا بك الخطّاب ... ولو دعوكِ لبؤة الشّرق لأثاروا بهذا الاسم في النّفوس معاني الرّهبة ... عهدك التّاريخ صخرة من معدن الحقّ، تنكسر عليها أمواج الباطل ... وحذار من التّراجع فإنّ اسمه الصّحيح "الهزيمة" وحذار من التّردّد فإنّه سوس العزيمة".[38]
بمثل هذه اللّغة الشّعرية حبّر شيخ العربية نصوصه النّثرية ذات المظاهر الأدبية، فارتقى بها إلى مصاف الأقلام الجادّة الجامعة بين الفائدة والفنّية.
هوامش البحث
[1] عبد الله الرّكيبي، تطور النثر الجزائري الحديث، (الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، د ط، 1983)، ص 13 و133.
[2] محمد مصايف، النثر الجزائري الحديث، (الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، د ط، 1983)، ص 12.
[3] عبد المالك مرتاض، فنون النثر الأدبي في الجزائر، (الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، د ط)، ص 340 و359.
[4] عبد المالك مرتاض، محمد البشير الإبراهيمي، منشورات وزارة الثقافة والسّياحة، (الجزائر، الرغاية، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، د ط، 1984)، ص 20، 27، 58.
[5] محمد الهادي الحسني، البشير الإبراهيمي في عيون معاصريه، (الجزائر، عالم الأفكار للنشر والتّوزيع، د ط، 2007)، ص 06.
[6] وزارة الشؤون الدّينية، آثار الإمام عبد الحميد بن باديس، ج 6، (الجزائر، 1994)، ص 156.
[7] محمد البشير الإبراهيمي، "أنا"، ج 21، (القاهرة، مجلّة مجمّع اللّغة العربيّة، 1966)، ص 101.
[8] محمد عباس، البشير الإبراهيمي أديبا، (وهران، ديوان المطبوعات الجامعية، د ط، د ت)، ص 70-71.
[9] المرجع نفسه، ص 72.
[10] مج من الكتاب، الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بأقلام معاصريه، (شركة دار الأمّة، ط 2، 2007)، ص237.
[11] محمد الطّاهر فضلاء، الإمام الرّائد: محمد البشير الإبراهيمي، (قسنطينة، مطبعة البعث، 1967)، ص 166.
[12] إبراهيم خليل، في نظرية الأدب وعلم النص، (منشورات الاختلاف، ط1 ، 2010)، ص 220.
[13] محمد الأخضر الصبيحي، مدخل إلى علم النص، (منشورات الاختلاف، ط 1، 2008)، ص 22.
[14] تزفيتان تودوروف، الإرث المنهجي للشكلانية، تر: أحمد المديني، سلسلة المائة كتاب، (بغداد، دار الشؤون الثقافية، ط 1، 1987)، ص 12.
[15] تزفيتان تودوروف، الشعرية، تر: شكري مبخوت ورجاء بن سلامة، (سلسلة المعرفة، ط 1، 1987)، ص 31.
[16] عبد الله الغذامي، الموقف من الحداثة، (جدّة، دار البلاد، ط 1، 1987)، ص 144-145.
[17] عبد المالك مرتاض، مرجع سابق، ص73.
[18] أحمد حسن الزّيات، دفاع عن البلاغة، (القاهرة، عالم الكتب، 1967)، ص 95.
[19] عزّ الدّين إسماعيل، الشعر في إطار العصر الثّوري، (بيروت، دار القلم، ط1 ، 1974)، ص 27.
[20] البشير الإبراهيمي، البصائر، ع 12، 1947، ص 2.
[21] أحمد طالب الإبراهيمي، آثار الإبراهيمي، ج 2، (الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط 1، 1978)، ص 526.
[22] المصدر نفسه، ص 486.
[23] المصدر نفسه، ج ، ص 159.
[24] المصدر نفسه، ص 385.
[25] المصدر نفسه، ص 157.
[26] عبد الحميد بوزوينة، بناء الأسلوب في المقالة عند الإبراهيمي، (الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، ط 1، 1983)، ص 24.
[27] آثار الإبراهيمي ج2 ، ص 20.
[28] المصدر نفسه، ج 3، ص 55.
[29] المصدر نفسه، ص 273.
[30] المصدر نفسه، ج 2، ص 480.
[31] المصدر نفسه، ج 1، ص 209.
[32] عز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية في النقد العربي، ص 374.
[33] آثار الإبراهيمي، ج 2، ص 594.
[34] المصدر نفسه، ص 484.
[35] المصدر نفسه، ص 484.
[36] المصدر نفسه، ص 594.
[37] المصدر نفسه، ص 594.
[38] البصائر، عدد 178، سنة 1952، ص 1-2.
= = =
قائمة المصادر والمراجع
الإبراهيمي، أحمد طالب. آثار الإبراهيمي، ج2، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط1، 1978.
الإبراهيمي، محمد البشير. البصائر، ع12، 1947.
الإبراهيمي، محمد البشير. "أنا"، ج21، القاهرة، مجلّة مجمّع اللّغة العربيّة، 1966.
إسماعيل، عز الدين. الأسس الجمالية في النقد العربي.
إسماعيل، عزّ الدّين. الشعر في إطار العصر الثّوري، بيروت، دار القلم، ط1، 1974.
بوزوينة، عبد الحميد. بناء الأسلوب في المقالة عند الإبراهيمي، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، ط1، 1983.
تودوروف، تزفيتان. الإرث المنهجي للشكلانية، تر: أحمد المديني، سلسلة المئة كتاب، بغداد، دار الشؤون الثقافية، ط1، 1987.
تودوروف، تزفيتان. الشعرية، تر: شكري مبخوت ورجاء بن سلامة، سلسلة المعرفة، ط1، 1987.
الحسني، محمد الهادي. البشير الإبراهيمي في عيون معاصريه، الجزائر، عالم الأفكار للنشر والتّوزيع، دط، 2007.
خليل، إبراهيم. في نظرية الأدب وعلم النص، منشورات الاختلاف، ط1، 2010.
الرّكيبي، عبد الله. تطور النثر الجزائري الحديث، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، 1983.
الزّيات، أحمد حسن. دفاع عن البلاغة، القاهرة، عالم الكتب، 1967.
الصبيحي، محمد الأخضر. مدخل إلى علم النص، منشورات الاختلاف، ط1، 2008
عباس، محمد. البشير الإبراهيمي أديبا، وهران، ديوان المطبوعات الجامعية، دط، دت.
الغذامي، عبد الله. الموقف من الحداثة، جدّة، دار البلاد، ط1، 1987.
فضلاء، محمد الطّاهر. الإمام الرّائد: محمد البشير الإبراهيمي، قسنطينة، مطبعة البعث، 1967.
مج من الكتاب، الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بأقلام معاصريه، شركة دار الأمّة، ط2، 2007.
مرتاض، عبد المالك. فنون النثر الأدبي في الجزائر، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، دط.
مرتاض، عبد المالك. محمد البشير الإبراهيمي، منشورات وزارة الثقافة والسّياحة، الجزائر، الرغاية، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، دط، 1984.
مصايف، محمد. النثر الجزائري الحديث، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، 1983.
وزارة الشؤون الدّينية. آثار الإمام عبد الحميد بن باديس، ج6، الجزائر، 1994.