الهيئة العليا لإعانة فلسطين
بقلم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي –
إعانة فلسطين فريضة مؤكّدة على كل عربي وعلى كل مسلم، فمن قام به أدّى ما عليه من حق لعروبته ولإسلامه، ومن لم يؤدّه فهو دين في ذمّته لا يبرأ منه إلا بأدائه.
ومن سبق فله فضيلة السبق ومن تأخر شفعت له المعاذير القائمة حتى تزول، فإذا زالت تعلق الطلب ووجب البدار.
وقد قامت الأمم العربية والإسلامية بهذا الواجب: كل أمّة على قدر استعدادها وعلى حسب الظروف المحيطة بها لا على حسب الشعور والوجدان، فالشعور قدر مشترك بين الجميع لا يفضل فيه عربي عربيًا ولا يفوق فيه مسلم مسلمًا لأن مرجعه إلى العروبة، والعروبة رحم موصولة. وإلى الدين، والدين عهد إلهي لا ينقض. وقد يكون الشعور عند الأمم العربية أو الإسلامية البعيدة الدار، أو التي تحول بينها وبين فلسطين الحوائل أقوى منه عند الأمم القريبة الجوار، المتصلة الأسباب، الميسّرة المآرب، لقاعدة يعرفها علماء النفس وهي أن الحرمان يذكي الشعور. والأمّة الجزائرية العربية المسلمة من هذا القبيل فهي بعيدة الدار أسيرة في قبضة الاستعمار. يعد عليها الآهة تتأوهها والكلمة تقولها والبث تستريح إليه فضلًا عما فوق ذلك. ولكن الاستعمار لم يستطع أن يصل بكيده وقهره إلى مقرّ الإيمان بعروبة فلسطين ومستودع الشعور نحو عرب فلسطين. وهذان هما كل ما تملك الأمّة الجزائرية من ذخيرة معنوية.
وإذا تأخرت الأمّة الجزائرية عن إعانة فلسطين بالممكن الميسور فعذرها أنها كانت منهمكة في المطالبة بحقها في الحياة، وكانت من أجل ذلك في صراع مستمر مع الاستعمار وكانت- بتدبير الاستعمار- موزّعة القوى بين أحزاب متناحرة صارفة أكثر همّها إلى الفوز في الإنتخابات والحظوة بكراسي النيابات. صمّاء عن الدعوة إلى التآخي والاتحاد. إلى أن لعب الاستعمار بجميعهم وضربهم تلك الضربة في انتخابات المجلس الجزائري الأخيرة. تلك الضربة التي لا يحمل وزرها ومسؤوليتها إلا من هيّأ للحكومة أن تقدم على تلك الفضيحة.
كانت هذه الجريدة كتبت فصولًا متتابعة مؤثرة في قضية فلسطين فشرحت فيها كثيرًا من الخفايا وكشفت عن كثير من الخبايا وقامت عن الجزائر بالحق الأدبي لفلسطين كاملًا. وحق لهذه الصحيفة أن تفخر بأنها شاركت أخواتها العربيات في الشرق بجهد لا يقلّ عن جهودهن، وبجهاد قلمي لا يقصر عن جهادهن.
وكانت هذه الجريدة تكرّر دعوة الأحزاب إلى الاتحاد في الشؤون الداخلية ومنها الانتخابات ليتخذوا من ذلك ذريعة إلى القيام بعمل جليل مشترك في إعانة فلسطين يشرّف الجزائر العربية ويرفع رأسها ولكن خابت الدعوة. وكان مدير هذه الجريدة وإخوانه العلماء بذلوا من الجهد العملي في سبيل الاتحاد ما تفرضه عليهم عروبتهم ودينهم ووطنيتهم. ولكن خابت أعمالهم، وإن لم تخب آمالهم. ومرّت قضية فلسطين في أطوار سريعة غبنت فيها العروبة والإسلام أفحش غبن، وظُلِمَا أقبح ظلم وصرح الاستعمار بشواهد الأقوال والأحوال أنه أخو الاستعمار وناصره ومقيم قواعده، ووصلت فلسطين إلى الدرجة التي يجب فيها العون على كل عربي وعلى كل مسلم وان بعدت الدار وتكالب الاستعمار. فجدّدنا الدعوة إلى الاتحاد منذ أسابيع وكنا البادئين بالدعوة لا كما تزوره بعض البلاغات الحزبية. واتخذنا من قضية فلسطين وسيلة جديدة للاتحاد عسى أن يجتمع عليها ما تشتّت من القلوب النافرة. وكان للأخ الشيخ الطيب العقبي مساع محمودة في هذا السبيل. وكانت الأمّة التي أضناها الخلاف وكادت بسببه- تكفر بالأحزاب ورجالها- مستبشرة بهذه المساعي راجية أن تكون الحوادث لقّنت رجال الأحزاب درسًا قاسيًا يردّهم إلى الصواب فيما دعوناهم إليه هذه المرّة. ولكن رجال "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" لم يكونوا ديمقراطيين. فبعد أن قبلوا الدعوة وحضر ممثّلهم لا يحمل قيدًا ولا يشترط شرطًا. أفهمنا في اليوم الثاني باسم حزبه أنهم لا يرضون إلا بأن يكون كل شيء تحت رئاستهم. وأنه إذا لم يكن ذلك فلا يكون شيء.
وقد تشكّلت الهيئة العليا من أربعة على الصورة الآتية: ولعل التاريخ الذي غبناه مرارًا ينتقم منا هذه المرّة فيلجئنا إلى نشر كل شيء بشواهده وشهوده وأيامه ولياليه.
وهذا تركيب الهيئة العليا:
محمد البشير الإبراهيمي: رئيس
عباس فرحات: كاتب عام
الطيب العقبي: أمين مال
إبراهيم بيوض: نائبه
***
ثم تألّفت لجنة تنفيذية بالعاصمة من رجال العلم والثقافة ورجال الأعمال والاقتصاد وشباب العمل. وبدأت الهيئة العليا بإرسال برقية تأييد لسعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية وبرقيات احتجاج واستنكار للحكومات المسؤولة، وقد جاءنا منها نصوص البرقيات مع بلاغ. ونحن ننشر الجميع- كما يراه القارئ- في هذا العدد.
* "البصائر"، العدد 41، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 21 جوان 1948م.