ما هكذا عهدنا أدب صروف
بقلم: الشيخ عبد الحميد بن باديس –
وقفت في جزء فيفري الماضي من مجلة "المقتطف" الكبرى على مقال من قلم تحريرها تحت عنوان "مفاخر اور الكلدانيين" جاء فيه قول كاتبه: " لقد جاء في بعض الخرافات العربية القديمة أن عاصفة من الرمل طمرت مدينة عاد فأصبحت بعد العاصفة ولا عين لها ولا أثر".
لا نشك أن كاتب المقال ليس مسلما، كما لا نرتاب أنه لا يجهل أن قصة عاد من قصص القرآن، فتعبيره عنها بالخرافة من سوء الأدب الذي ما عهدنا في المرحوم الدكتور صروف الذي كان في علمه وفلسفته وشدة تحقيقه ديِّنًا صحيح التدين محترما لكتب الأديان، هذا من الوجهة الأدبية، وأما من الوجهة العلمية فإن الحكم على قصة مشهورة متواترة عند أمة بأنها خرافة بدون بحث ولا تدليل ليس من شأن العلماء المحصلين.
ثم- بعد هذا- نقول في تحقيق هذه القصة القرآنية: أن القرآن العظيم كما يسلك في أدلته العقلية أقرب طريق وأوضحه كذلك يسلك في تذكيره أصدق المواعظ وأبلغها. وأنه كان يخوِّف العرب أن يحل بهم ما حل بالأمم قبلهم، ولقد خلت قبلهم أمم كثيرة جاءتهم رسلهم بالبينات فكذبوا فأخذهم الله بالعذاب الشديد، ولكن القرآن كان يذكرهم ويخوفهم بمن هم أقرب الأمم إليهم ممن كانوا في أرضهم العربية، قد تواترت لديهم أخبارهم، ومثلت أمامهم آثارهم من قوم عاد سكان الأحقاف وقوم ثمود سكان الحجر. وقد كان للتذكير
بأحوال تلك الأمم التي هي في أرضهم ومن جنسهم أبلغ الأثر في نفوسهم، كما كان من حديث عقبة بن ربيعة الذي رواه أصحاب السير: تلا عليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حم فصلت إلى قوله صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، فأمسك عتبة بيده على فم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وأناشده الرحم أن يكف. وما كان محمد الرجل العظيم، والمصلح الحكيم، والرسول الكريم ليجعل تذكيره الذي يريد التأثير به على سامعيه مما لا حقيقة له ولو أنه خاطبهم بما لا يعرفونه من أخبار تلك الأمم وتيقنوه لأسرعوا إلى تكذيبه فيما يقول. فسكوتهم- وهم أسرع (1) الناس إلى مجادلته بالباطل- دليل قاطع على أن القصة كانت عندهم مما هو معلوم بالقطع من تواتر الخبر، ومشاهدة الأثر (2).
(1) في الأصل: أسرع
(2) ش: ج3، م 6، ص 166 - 167 غرة ذي القعدة 1348هـ - أبريل 1930م.