جمعية العلماء والطرق الصوفية
بقلم: التهامي مجوري-
من مشكلاتنا المزمنة في الجزائر، اجترار التاريخ في كل ما يتعلق بالشأن العام، وكأن التاريخ وحركة الناس فيه، كتلة واحدة غير قابلة للتغيير والتبديل.
ومما يصادفنا في تنقلاتنا في أنشطة الجمعية عبر التراب الوطني، عندما نذكر بعض الطرق الصوفية المنحرفة –هكذا بالقيد- بما فيها من سلبيات، يستدعي الناس مواقف الجمعية التاريخية منها؛ بل إن البعض سل سيفه للنيل من الجمعية، ولا جبهة له في محاربته لها إلا مواقفها التاريخية من الطرق الصوفية المنحرفة، في حين أن مواقف الجمعية في كل ذلك كانت مؤسسة على قواعد صلبة، منها العلمي الشرعي الديني، ومنها السياسي الثقافي الاجتماعي، ناهيك عن أن الكثير من تلك الأمور قد تغيرت وتبدلت بتغير الزمان وتبدله، ولذلك وجب التوضيح.
أولا أن صراعات الجمعية مع الطرق الصوفية تاريخ وصفحة مطوية وزائلة بزوال مبرراتها، ولم يبق منها إلا ما تعلق بالمخالفات الشرعية البدعية التي عرفت بها الطرق الصوفية المنحرفة، وجمعية العلماء اليوم تنكرها وتنكر على أهلها بما تستحق من الإنكار المقدر بقدره.
ثانيا أن جمعية العلماء في عهدها الأول، لم يكن لها موقف واحد من الطرق الصوفية كلها، وإنما كانت لها مواقف متباينة ومتنوعة، وذلك وفق منهجية علمية عملية، مبناها على موقفين علميين شرعيين أحدهما شرعي ديني والآخر سياسي؛ لأن من الطرق من كان مساندا للاستعمار بشكل من الأشكال، ومنها من كان بدعيا في أعماله، ومنها من محاربا للإصلاح أصلا ومعاديا له…
أما الموقف الديني الشرعي، فناتج عن المقررات الشرعية المعروفة، الملتزمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتهادات سلف الأمة وخلفها، التي ترفض البدعة والتكلف والغلو والميوعة..، فكانت الجمعية لا تدخر جهدا في محاربة هذه المظاهر المخلة بالدين والتدين، سواء صدر عن الطرق الصوفية أو عن غيرها؛ لأن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان موافقا لأحكامه، وذلك في الأمور البينة الانحراف والمتنكب لمقررات الشرع الحكيم، أما ما كان محل خلاف واجتهاد فالأمة بين مأجور ومعذور. وفيما يخص الطرق الصوفية كان المفترض أنها أقرب إلى الجمعية من غيرها، ولذلك جاء في الأصلين الرابع عشر والخامس عشر من أصول دعوة جمعية العلماء أن “اعتقادُ تصرُّفِ أحدٍ منَ الخَلْقِ مع الله في شيءٍ ما؛ شِرْكٌ وضَلالٌ، ومنه اعتقادُ الغَوْثِ والدِّيوان”. و”بِناءُ القِبَابِ على القبور، وَوَقْدُ السُّرُجِ عليها والذبحُ عندها لأجلها والاستغاثةُ بأهلها، ضلالٌ منْ أعمالِ الجاهلية ومُضَاهَاةٌ لأعمال المشركين، فمنْ فعله جَهْلاً يُعَلَّمُ ومَنْ أَقَرَّهُ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلى العلمِ فهو ضالٌّ مُضِلٌّ”.
أما الموقف السياسي فالبلاد كانت مستعمرة، وبعض الطلق الصوفية المنحرفة، كانت ترى أن هذا الاستعمار قضاء وقدرا، وسيخرج قضاء وقدرا، ولا حاجة لله في جهادنا وجهودنا لإخراج هذا العدو الغاصب، ودور الجمعية التنويري في هذا الجانب كان يصر على تنبيه الناس إلى خطورة هذا المنحى والمنهج المخل بحال الناس ومقاصدهم، ومفسد لعقولهم ومشوه لهم ولدينهم.
ومع كل ذلك نكرر ونقول إن اهتمامات الناس اليوم وتصوراتهم ومستوى تدينهم لم يعد بالمستوى الذي كانوا عليه..، فلا نظن أن أحدا من الناس يعتقد اليوم أن أي صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تفوق الصلاة الإبراهيمية كما كان يعتقد بعض الناس..، ولا نظن أن هناك من يعتقد في شيوخ الطرق الصوفية العصمة والفوقية التي كانت على عهد أجدادنا..، ولذلك نعتق أن ملف الطرق الصوفية اليوم ليس من الأولويات كما كان في السابق، مع الإبقاء على ضرورة الحفاظ على الدين الحق كما أوجب الله علينا، بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة.
ذلك أن العالم اليوم يريد استئصال دين الله من الوجود، ولا فرق عنده بين طرقي وغيره، فليس من الحكمة والمنطق وحسن التدين مساعدة بعضنا للشيطان على بعض.