أناشيد مفدي زكرياء (ابن تومرت)

بقلم: أبو القاسم سعد الله-

نشرت جريدة (المقاومة الجزائرية) نشيدا من نوع جديد عنوانه (بنت الجزائر)، وهو في تمجيد دور المرأة واستنهاض همتها وهمة الشباب للتضحية من أجل الجزائر وربطهم بماضيهم العربي والجهادي، فيقول الشاعر الثوري (ابن تومرت) على لسان إحدى المجاهدات:

أنا بنت الجزائر ... أنا بنت العرب

يوم نادى المنادي ... ودعا للكفاح

قد هجرت سهادي ... وتركت المزاح

وبدأت جهادي ... وغدوت الجناح

أنبري ولأعادي ... وأداوي الجراح

أنا بنت الجزائر ... أنا بنت العرب (1)

وفي نفس الفترة صدر (نشيد بربروس) لمفدي زكرياء أيضا، أي النشيد الذي نظمه في سجن سركاجي، كما يعرف محليا، وقد نشر النشيد في جريدة المجاهد التي حلت محل المقاومة الجزائرية ولكن دون ذكر اسم الشاعر، العدد 2، سنة 1956، ومطلع هذا النشيد:

يا ليل خيم، واعصفي يا رياح ... يا أفق دمدم، واقصفي يا رعود

يا دم شرشر، واثخني يا جراح ... يا غل صرصر، واحدقي يا قيود

ويتألف هذا النشيد من عدة مقاطع، وهو أيضا بدون توقيع، وكل مقطع منه ينتهي بعبارة: أنت يا بربروس (2).

وفي نفس العدد الثاني من (المجاهد) نشيد يبدو أنه لمفدي زكرياء ولكنه نشر بدون توقيع أيضا وعنوانه (أرض الجزائر في إفريقيا قدس)، يقول فيه:

سيان عندي مفتوح ومنغلق ... يا سجن بابك أم شدت به الحلق

وهو نشيد متوسط الطول موحد القافية يخاطب الشاعر فيه السجن الذي طالما هد كيان الوطنيين وكان رمزا للطغيان والتعسف.

أما قصيدة (أنا ثائر) لابن تومرت، فقد أضافت لها جريدة المجاهد عنوانا فرعيا هو (من أدب الثورة)، وجاء فيها:

ظلموني، واستباحوا الحرما ... صحت وامعتصما

لطموني، لم يراعوا الكرما

وقد انتهى النشيد بهذا المصراع:

أنا ثار في الجزائر أنا ثائر ... إن أمت: تحيا الجزائر (3)

ولابن تومرت أناشيد أخرى منها تحية العلم الوطني، ونشيد العمال. ونشيد الطلبة، وغيرها ومجموعها حوالي عشرة أناشيد.

كما حظي الطلبة بنشيد خاص من ابن تومرت، وهو نشيد يتألف من أربع قفلات، ويبدو أن الشاعر أعده بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع للطلبة المسلمين الجزائريين في تونس (1960)، فقد جاء فيه تمجيد قوي لدور الطلبة في الثورة وفي بناء الجزائر المستقلة:

نحن طلاب الجزائر ... نحن للمجد بناة

نحن آمال الجزائر ... في الليالي الحالكات

كم غرقنا في دماها ... واحترقنا في حماها

وعبقنا في سماها ... بعبير المهجات (4)

وعقب نشيد من جبالنا ظهر نشيد (قسما) الذي وضعه مفدي زكرياء سنة 1955 على الأغلب، وهو نشيد نموذجي تمثل مبادى الشاعر فيه الثورة وعظمتها فعبر عن أهدافها بلغة قوية وحماس مزلزل مستوحى من حب الوطن وتجربة الشاعر السياسية وبغضه للاستعمار. ذلك أن مفدي زكرياء كان قد دخل ميدان السياسة ومارسها مبكرا وانتصر لحزب الشعب وزعيمه مصالي الحاج، وله صلات بالقادة السياسيين في المغرب العربي عموما، وقد دخل السجن وتعرض للقمع في سبيل هدفه الوطني، فلا غرابة أن ينفجر حماسه للثورة وأن يتميز تعبيره عنها بالصدق والتلقائية والقوة والفخامة، ومنه هذا المقطع:

نحن جند في سبيل الحق ثرنا ... وإلى استقلالنا بالحرب قمنا

لم يكن يصغى لنا لما نهضنا ... فاتخذنا رنة البارود وزنا

وعزفنا نغمة الرشاش لحنا ... وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

فاشهدوا ...

وهو نشيد من عدة مقاطع ينتهي كل مقطع منها بعبارة: فاشهدوا ... وقد جاء في مقدمة النشيد أنه النشيد الرسمي للثورة الجزائرية وأنه من تلحين الفنان المصري محمد فوزي(5)، وبعد الاستقلال صادق الجزائريون على أن يكون (قسما) هو النشيد الرسمي للدولة.

وقد بقي ميدان الأناشيد مفتوحا في وجه الشعراء الشباب أيضا، فنظم عدد منهم أناشيد لا تقل حماسة وقوة عن الشعراء المخضرمين، وكان الموضوع دائما هو الثورة أو حدث من أحداثها أو بطل من أبطالها، وتختلف أناشيد الشعراء الشباب قوة وضعفا حسب نضج التجربة الشعرية عتد كل منهم، أما الحماس والصدق فكلهم كانوا مدفوعين برغبة صادقة في التعبير عن الثورة والاعتزاز بها وكأنهم اكتشفوا فيها وطنهم، بل هم في الواقع اكتشفوا فيها أنفسهم، ومن هؤلاء عبد السلام حبيب وأبو القاسم خمار ومحمد الصالح باوية وصالح الخرفي وأبو القاسم سعد الله ...


الهوامش:

(1) جريدة المقاومة الجزائرية، عدد 3، 3 ديسمبر 1956، انظر اللهب المقدس، مرجع سابق، ص 93، مع ملاحظة أن هناك فرقا في بعض الأبيات بين المنشور في المقاومة والمنشور في الديوان، وقد أعادت المقاومة نشر هذا النشيد في عدد 16، 3 يونيو 1957 مع اختصار لازمته، ويبدو أن الشاعر قد راجع قصائده المنشورة في المجاهد قبل طبع ديوانه، لذلك يلاحظ القارى المقارن أن هناك فرقا في بعض الكلمات والتعابير بين المنشور في الجريدة والمنشور في الديوان، مثلا في قصيدة اقرأ كتابك نجد كلمة بالنار أصبحت بالحق في قوله: إني رأيت الكون يسجد خاشعا ... للنار للرشاش إن نطقا معا، ص 67، والمجاهد 31 بمناسبة أول نوفمبر 1958.

(2) اللهب المقدس، مرجع سابق، ص 88.

(3) المجاهد 44، 14 يونيو 1959، ويذهب الجابري إلى أن اسم ابن تومرت كان يوقع به أحد الأدباء الجزائريين في تونس، وهو محمد العريبي، وبعد وفاته أصبح يوقع به مفدي زكرياء، الجابري، النشاط الثقافي والعلمي ... في تونس.

(4) المجاهد 74، 8 أغسطس 1960. (1) المجاهد 44، 14 يونيو 1959، ويذهب الجابري إلى أن اسم ابن تومرت كان يوقع به أحد الأدباء الجزائريين في تونس، وهو محمد العريبي، وبعد وفاته أصبح يوقع به مفدي زكرياء، الجابري، النشاط الثقافي والعلمي ... في تونس.

(5) مفدي زكرياء، ديوان اللهب المقدس، المكتب التجاري، ط 1، بيروت، 1961، ص 71، أنظر عن تاريخ قسما وظروف نظمه وتلحينه كتاب أناشيد للوطن للأمين بشيشي، الجزائر، 1998، ص 343 - 357، جاء في الديوان أنه نظم في سجن سركاجي في 25 أبريل 1955 في الزنزانة رقم 69.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.