من رسائل ابن باديس المخطوطة
بقلم: د. عمار طالبي -
كتب ابن باديس رسالة إلى الشيخ ابن الطيب الطاهر العبيدي، ولكنه لم ينص فيها على تاريخ كتابتها إليه، وإنما ذكر له أنه قام برحلة إلى بشار وتلمسان والجزائر، وذكر زيارته للعلماء والصالحين مثل أبي مدين الغوث، والشيخ محمد السنوسي صاحب العقائد الأشعرية دفين تلمسان، والشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن، دفين الجزائر العاصمة، والشيخ عبد الرحمن الثعالبي شيخ مدينة الجزائر وبها ضريحه، في أعلى القصبة، وأنه دعا لنفسه وللمؤمنين.
وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
إلى حضرة علم العلم والفضل، ومعلم الكرم والنبل، التقي الطاهر الأثواب، السرّي البارع الآداب، مستحق الشكر منا، بما له علينا من سابق (الأمداد) العلامة الشيخ سيدي ابن الطيب الطاهر العبيدي، أدامه الله بدرا طالعا في هالة درسه، وغيثا هامعا يُحيي رفع العلم من بعد طمسه، حتى يبدل وحشة قطره بأنسه، ويجني من بساتين تلاميذه ثمرات غرسه، آمين.
وبعد، سلام كما تفتحت الأزهار، في نسمات الأسحار، وتحية تحيي قديم التذكار، وإن نطت[1] الدار، فإنني كتبت إليكم من حضرة (وقع شطب حوالي ثلاث كلمات) قدومي من رحلتي لبشار، قدوما لناحية الجزائر وتلمسان، (وقع شطب حوالي أربع كلمات) من العلماء والصلحاء وأعيان الزمان، فتشرفت[2] كثير من العلماء والصالحين، ومن أعظم الجميع قدرا، وأشهرهم ذكرا، سيدي أبي مدين الغوث، وسيدي محمد السنوسي، بتلمسان، وسيدي محمد بن عبد الرحمن، وسيدي عبد الرحمن الثعالبي، بالجزائر، ودعونا لنا وللمؤمنين عامة، ولإخواننا أمثالكم خاصة، بما نرجو من الله تعالى فيه القبول، وبلوغ المأمول، وذكر لكم هذا لما أعلمه منكم من محبة الصالحين، وإن أمكنتني الفرص إن شاء الله تعالى كاتبتكم عن هذه الرحلة، بمزيد تفصيل، ووافي كتابكم في قيامي بهذه الرحلة، فلما قدمت، وقبلته، قدمته على غيره وقبلته، وكان ما داخلني من السرور بحلو خطابه، مخففا ما غشيني من الجهد لي عتابه.
ولك العتبى يا سيدي فيما ذكرت، ومنك الفضل فيما منه ابتدأت وتفضلت، فقد بلغتني القصيدة الغراء، التي راقت، ورقـّت واستوجبت الحمد واستحسنت، نظرت إلى أوصافك الكريمة فحليتني بها، ونسبتني إليها، والله يصدّق ببركة محبتك الخالصة ما ظننت، ويجازيك بالخير الجزيل على ما فعلت.
هذا وإني ما أخرت الجواب متهاونا -استغفر الله- ولا متكاسلا، ولكنني حسبت أني أجبتكم فيمن أجبت، حتى جاء كتابكم فعلمت أنني غالط فيما ظننت، فبادرت بهذا متأملا على حلمك، معتمدا على فضلك، والعفو يا سيدي من شيم أمثالك، لا أحرمني الله من أفضالك، وأقول:
إن كنت قصرت في الكتابة والله ما حلت عن ودادي
وإنما كان ذاك مني عن غفلة ليس من مرادي
فسامحوا طاهري بفضل وحسبكم مسكنا فؤادي
ويعفو من العبد وجماعته، والسلام عليكم وعلى جماعتكم وأهلينا كلهم نديكم، وركبته داعيا لكم بالخير طالبا منكم مثله أخوكم، وشاكر فضلكم ومملوك إحسانكم.
عبد الحميد بن باديس
وكتب رسالة أخرى إلى الشيخ محمد بن سيدي مولى القرقور، بتاريخ 14 ذي القعدة الحرام عام 1350هـ ونصها:
حمدا وصلاة وسلاما
بسم الله الرحمن الرحيم
قسنطينة 14 ذي القعدة الحرام 1350هـ
الأخ الكريم الشيخ سيدي محمد بن سيدي مولى القرقور
السلام عليكم، ورحمة الله وبركاته
أما بعد فقد أحاطت بي ديون، بسبب ما أنا قائم به من المشاريع الخيرية العامة، لا بسبب شخصي، ولما ثقل عليّ حملها التجأت –بعد الله- إلى خواص أحبائي، الذين أثق بمودتهم، وتقديرهم للأعمال، وكتمهم للأسرار، فجعلت على كل واحد منهم ألف فرنك، إن شاء الله عطية وإعانة على الخير، وإن شاء سلفة إلى مدة عام.
وأنا أنتظر جوابكم، شاكرا، سواء أجبتم أو اعتذرتم، دمتم سالمين.
والسلام من أخيكم عبد الحميد بن باديس.
مشاريعه كثيرة وخاصة صندوق الطلبة الذي منه يأويهم ويؤمن معيشتهم.
[1] بعدت.
[2] كلمة غير واضحة، ولعلها: بزيارات (بمبادات).