إما سنّة وإما بدعة
بقلم: محمد البشير الإبراهيمي –
نشرت جريدة لسان الدين: (دين العليويين) في العدد 22 مقالًا تحت عنوان "المصلحون يحاربون لا إله إلا الله" تعرضت فيه لجنازة مرّت في تلمسان وتهافتت فيه على الافتراء والبهتان أيما تهافت وزوّرت فيه ما شاءت أن تزور.
ونحن ما كنا لنتعرّض لها كما هو دأبنا مع مثيلاتها من عيون الاستعمار وفضول الخرافات لولا ما يحتّمه علينا واجب أداء شهادة لله ولرسوله وللمؤمنين.
وما كنا لنتعرض لهذه السفاسف والجزائر تجتاز ظرفًا من أحرج ما مرّ عليها منذ الاحتلال، ووقتًا عصيبًا عصفت فيه بنا وبمقدساتنا عواصف المستعمرين وذيولهم من المنتسبين للجزائريين.
ولكن ما الحيلة وهؤلاء القوم من إخواننا- وإن أبوا- لا يريدونها إلا شحناء ولا يبتغونها إلا عوراء. والشحناء نستعيذ بالله من اسمها والعوراء نعوذ بالله منها وحتى من وصفها.
المسألة بيننا لا تتجاوز أحد أمرين: إما سنّة نحن وهم سواء في امتثالها والإذعان لها. أو بدعة نحن وهم سواء في تجنبها وقتلها. هذا باعتبار الإسلام الجامع بيننا. أما إذا كان الطرف الآخر لا يدين بما ندين فما كان لنا أن نأخذ من على غير ملتنا بما وجب علينا أخذ أنفسنا به.
الأمر- يا لله لهذا الدين- بيننا وبين إخوان لنا في الدين والجنس والوطن. إخواننا فيها وإن كانوا لا يراعونها ولا يراعون عهدها وميثاقها الذي واثقنا الله به.
من باب ما هو معلوم من الدين بالضرورة إذا قلنا إِن تشييع الجنائز على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بما يناسب جلال الموت ورهبته، والذي يتناسب وينسجم مع التشييع هو الخشوع والتذكر والاعتبار بمن حملوا على الأعواد. والخشوع معروف هو غير الصراخ والعويل والضجيج والتهويل وقد شيّع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وبناته، وشيّعه أصحابه من بعده وشيّع الصحابة- رضوان الله عليهم- بعضهم بعضًا كذلك على هيئة واجمة رهيبة تأثيرها في مشاهديها تأثير ما بعده من تأثير.
إنهم يقولون إن ذكر الله في تشييع الجنائز يلهي باقي المشيّعين عن لهو الحديث، نحن معهم على هذا بشرط أن يكون الذكر تفكرًا واعتبارًا لا طبلًا ومزمارًا. أما ما هم عليه من رفع أصواتهم في التشييع بلا إله إلا الله وبما سوّلت لهم أنفسهم وزين لهم شياطينهم فهو منكر أنكره الله ورسوله وأصحابه والأيمة المرتضون.
إن لا إله إلا الله لا توضع في غير مواضعها يا قوم! فما لكم إذا قيل لكم لا تضعوها في غير محلها، ومنه الجهر بها في التشييع قلتم متجرئين إننا نحارب لا إله إلا الله؟ كبرت كلمة تخرج من أفواهكم ...
تقولون إننا نلهي بها الناس عن الفضول، فكان كلامكم هذا أصلًا من أصول الفضول، وقد شاهدنا الناس لا يكثر كلامهم والتعرض لشؤون دنياهم في الجنائز إلا عند ما يغمرون بضجيجكم وصخبكم؛ ثم هل لمخلوق- أيًّا كان- أن يزيد في دين الله ما ليس منه؟ كلا!
وما لنا ولهذا الموضوع وقد فرغ منه الناس كتابة وبحثًا، وهدى الله بذلك خلقًا كثيرًا كتب الله لهم النجاة من هؤلاء الذين سيقول أتباعهم القليلون- والحمد لله-: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا).
ولو كانوا ممن يبتغي إلى الله سبيلًا كما يزعمون لكفاهم أن ينظروا كتاب الجنائز من موطأ مالك - رضي الله عنه - أو من البخاري أو مسلم أو غير هذه من كتب الحديث الصحيحة ولكنهم إشربوا حب البدعة حتى الثمالة. فما لنا نجادلهم بالحديث وبالكتاب المنير؛ وهم لم ينقادوا حتى للفقهاء الذين يدعون أنهم لهم مقلدون؟!.
أما علمت أن القوم يحاجونك في مشروعية البردة بما لا يليق إلا بهم كأنهم بذلك- يكشفون عن منتهى عهدهم بالدين وبالسنّة وكأنهم بذلك يقولون إنما نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون.
افتتحوا أضحوكتهم في موضوع ديني محض بقولهم "من عهد ملوك بنى زيان والأتراك إلى يومنا الحاضر وسكان (تلمسان) يشيعون جنائزهم كسائر البلاد الإسلامية بذكر [لا إله إلا الله محمد رسول الله] وبقراءة القرآن وتلاوة (البردة). انصتوا يا معشر أقطار السماوات والأرض! لقد قامت عليكم الحجة فلا تشيّعوا جنائزكم بعد اليوم إلا بالنهيق، والعواء والنباح، وصياح الديكة، وثغاء الشاء. ولكن حذار زئير الأسد! وما زئير الأسد إلا سخط الله على من يغيّر ما بدين الله ويعبث بسنّة رسول الله وينحط بلا إله إلا الله محمد رسول الله إلى دركات لا تليق بجلالها وكمالها.
أما وقد جارينا هذه الجريدة إلى هذا الحد في هذيانها المحموم فلا يسعنا إلا أن نقول لها: أما تعرضك لما سميته صاحب نادي (طنجة) ومحششة نهج (لا مورسيير) فإنه في غير محله من مقال تنافحين فيه عن "لا إله إلا الله" ... !
ولوكنت منصفة تضعين لكل مسمى ما يليق به من الأسماء لقلت غير مخطئة (صاحب نادي الشباب الوطني الإصلاحي) الذي أيقظه الله على عبث الطرق والطرقية، فأصبح باسم الله ثم بمن بعثهم الله من رجال الإصلاح جند هدى بعد أن كان بفضل غواية حزبك جند ضلال وأصبح شوك قتاد يسد على الطرقية مذاهبها ويشوك مواكبها.
وادّعيتم أن بعض المصلحين ندموا على تشييع الجنازة بالسنّة وجاءوا إلى أغْواثِكُم وأقطابكم يعتذرون فطردوهم!
ما هذا الكذب الأزرق، أمن ذاق حلاوة الإيمان يسلوها؟ أمن هو على هدى من ربه يرضى أن يقف على شفا جرف هارٍ ينهار به في جهنم؟ اعد نظرًا يا عبد قيس ........ إن كان لك إلمام بالأدب العربي.
وقد هددتنا (لسان دينهم) باجتماع الطرقيين وعقد حلف بينهم ضد هجمات المصلحين وانتظرنا ما تقرّره دول الحلفاء! وطال انتظارنا، وإلى هذه الساعة ما اجتمع لهم شمل ولا تألف لهم ما شتته الله. ونحن نقول لهم لم تجتمعوا يوم كنتم ولا ثاني لكم في هذا الوطن تعيثون وتقتلون هذه الأمة وتأسرون! فكيف وقد غشيكم من المصلحين نور لا أنتم قادرون على طمسه ولا هو آئل إلى نقصان ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كرهتم.
هداكم الله وأزال الغشاوة عن أبصاركم وبصائركم.
وختامًا انه والله وألف والله قسمًا لا حانثون فيه ولا آثمون، ليحزننا أن نتعرض لمثل هذا الموضوع والجزائر- الوطن العزيز- تتقلب على جمرات، والعدو الكاشح يطعنها في كل ما تأتيه طعنات، ونحن من وراء ذلك، ومن أمامه ومن فوقه ومن تحته، سخرية الساخر، وهزء الهازئ، وأضحوكة الضاحك فلا حولَّا وَلا قوة إلا بالله.