من رسائل ابن باديس المخطوطة
بقلم: د. عمار طالبي -
كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس رسالة خطّية إلى السيدة الجليلة رئيسة جمعية دوحة الأدب في 9جمادى الثانية 1357هـ/ أوت 1938م، وقد علم عن هذه الجمعية بما نشرته مجلة "الرابطة العربية" عنها.
وهذا نصها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله.
قسنطينة 9 جمادى1357هـ/ 6 أوت 1938م.
حضرة السيدة الجليلة رئيسة جمعية دوحة الأدب المحترمة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فاسمحي لي يا سيدتي أن أتقدم إلى حضرتك بهذا الكتاب عن غير تشرّف سابق بمعرفتكم، غير ما تربطنا به الروابط العديدة المتينة التي تجمع بين القطرين الشقيقين، الشام والجزائر.
يسرّك يا سيدتي أن تعرفي أن بالجزائر نهضة أدبية، تهذيبية، تستمد حياتها من العروبة والإسلام، غايتها رفع مستوى الشعب العقلي والأخلاقي، ومن مؤسسات هذه النهضة جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة، ولما علمت إدارتها بجمعيتكم المباركة بما نشرته عنها مجلة "الرابطة العربية" رغبت أن ترسل بعض البنات ليتعلمن في مدرسة الجمعية، فهي ترغب من حضرتكم أن تعرّفوها بالسبيل إلى ذلك.
تفضلي سيدتي بقبول تحيات الجمعية وإخلاصها.
والسلام من رئيس الجمعية عبد الحميد بن باديس.
العنوان بالحرف الإفرنجي.
Ben Badis
13A, Lambert, Constantine, Algérie
وهذه رسالة أخرى كتبها إلى السيد أحمد قصيبة، المقيم بالأغواط، كتبها في 20 محرم 1358هـ/ 12 مارس 1939م، يشكو فيها ما تعانيه العربية والإسلام من ظروف قاسية، ومن عسر ومضايقات مرة، ويدعوه للحضور إلى نادي الترقي للتشاور مع إخوانه فيما يجب القيام به وهذا نصها:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله.
حضرة الأخ الفاضل السيد أحمد قصيبة –الأغواط- أيها الأخ:
لم يمرّ ظرف عسير على الإسلام والعربية بالقطر الجزائري كهذا الظرف الذي نحن فيه، تعليمها الحقيقي معطل، ورجاله يلقون عذاب الهون، من المحاكمات والحبس والتغريم، والقوانين الجائرة تشرع للتنكيل بهم، والتضييق عليهم. وقد قرأتم في عدد البصائر الأخير ما أثارته ذكري (كلمة غير واضحة) 8 مارس المشؤوم على العربية من شجون، كانت نتيجتها ذلك التيلغراف المطول لرئيس الوزارة.
سأبذل جهدي في مقاومة ذلك القرار الجائر، لاقيا ما لقيت من عنت وبلاء، واعتقادي الجازم، وأنكم لا تقصّرون عني غيرة على دينكم ولغتكم، وعزيمة في خدمتها، والدّفاع عنهما.
وعليه فإني أدعوكم باسم الإسلام والعربية، إلى الحضور بالجزائر يوم الاثنين السابع والعشرين من مارس الجاري على الساعة التاسعة صباحا، بنادي الترقي، للمفاوضة مع إخوانكم فيما يجب علينا سلوكه في دفع التهم الباطلة التي تسببت عنها هذه المضايقات المتكررة (ضدّ) العربية ورجالها، وللاتفاق على الوسائل القانونية، للدفاع عن التعليم الديني العربي. إنني أسمع في كل مكان مررت به، وأقرأ كل يوم مئات الشكاوى المتصاعدة من قلوب محروقة، ونفوس متأثرة، فأسكّنها بما أمرنا الله به من الثبات على الحقّ، والصبر على المكاره، وعسى أن (يكون) في اجتماعكم ما يزيد هذا الخلق تثبيتا في النفوس.
وقد كتبت لإخوانكم رؤساء الشعب وغيرهم، وحضضتهم على الحضور، ويقيني أنكم تصبرون.
وبما أن الحضور واجب عمومي، فلتستعينوا بإخوانكم أعضاء الشعب على نفقات السفر.
والله يحفظكم.
عبد الحميد بن باديس.
وضع ختم الجمعية أسفل الرسالة.
أرأيت أيها القارئ الكريم هذا الجهاد، وهذا الإصرار على الدفاع عن الإسلام ولغته، والمقاومة الصارمة للقانون الجائر: (سأبذل جهدي في مقاومة ذلك القرار الجائر، لاقيا ما لقيت من عنت وبلاء) إنه ثبات ورسوخ قدم صدق، وصبر نفس على ما تلقى من محن وقساوة ومظالم الجائرين من حكام فرنسا، وزبانيتها الطاغين.
لم يغفل في ندائه عن أمر نفقات السفر، والاستعانة بأعضاء الشعب لتدبير أمرها، إنه جهاد وأي جهاد، وثبات وأي ثبات لقلب هذا الجيل الراسخ الإيمان، والمبادئ، عنها لا يحول، ولا يتزلزل.
رحمك الله يا ابن باديس في الخالدين.
ملاحظة: ما وضع بين قوسين اجتهاد في قراءة ما هو غير واضح خطّه.