الشيخ سعدي الطاهر حراث التبسي (1401-1341 هـ/1981-1926م)
بقلم: البدر فارس-
الشيخ سعدي الطاهر أحد تلامذة ومُقربي الشيخ “العربي التبسي” في معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، ومِن أنشط خريجي جامع الزيتونة العريق في خدمة العُروبة والإسلام والجزائر، ومِن أهم مُعينيه في المعهد، وكان من أحد المُجاهدين الأبطال الكبار الذين أنجبتهم الجزائر قلَّما أنجبتهم النساء، وواحد مِن أفصح خُطباء ومُتكلمي اللغة العربية في الجزائر الحديثة المُستعمرة.
مولده ونشأته وتعلمه
وُلِدَ الشيخُ سعدي الطاهر حراث التبسي بِدوار “بجّن” بلدية العقلة مِن أعمال دائرة الشريعة ولاية تبسة، يوم السابع من شهر جويلية سنة 1926م في عائلة مُتدينة مُحافظة، كانت تشتغل بالرعي والزراعة.
وينتسب عشائريًا إلى قبيلة “أولاد حراث” الشديدة المِراس بين سائر قبائل “النمامشة”.
إلتَحقَ بكتاب القرية حيث تلقى تعليمه الأول فيها قبيل سنة 1937م، وفي تلك السنة غادَرَ تبسة إلى تونس الشقيقة ليلتحق بجامع الزينونة العريق، الذي تابَعَ فيه الدراسة -مع بعض الانقطاع- أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يستطع إتمام دراسته فيه إلَّا في سنة 1948م لِينال شهادة التحصيل بامتياز كبير.
مهامه ونشاطاته ووظائفه بعد عودته من تونس
وبعد نيله لشهادة التحصيل الزيتونية في سنة 1948م عادَ إلى بلدته تبسة، لِيلتحق بالتدريس في مدرسة الشريعة الحُرة سنتي 1951-1950م التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لِينتقل بعدها للتدريس في مدرسة أُخرى تابعة لجمعية العلماء بمدينة عنابة، حيث كلَّفه الشيخُ العربي التبسي بتأسيس مدرسة التربية والتعليم بمدينة عنابة.
ونظرا لعلمه وكفاءته عُيِّنَ أستاذا في معهد “عبد الحميد بن باديس” بقسنطينة ليصبح مُدرسًا في هذا المعهد وذلك سنة 1952م، ويظل مُدرسًا فيه إلى عام 1955م، وهو العام الذي لبى فيه نداء الشيخ العربي التبسي لِطُلاب ومُدرسي وشُيوخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للالتحاف بِصفوف الثورة التحريرية المُباركة.
وليعلم القارئ الكريم أنَّ الشيخ العلَّامة “سعدي الطاهر حراث” عندما كان أُستاذًا بمعهد “عبد الحميد بن باديس” بقسنطينة تخرجَ على يديهِ مجموعة من الطلبة الأكفاء الذين أصبحوا فيما بعد إطارات سامية في الدولة الجزائرية؛ من وُزراء، وسُفراء، وديبلوماسيين في السلك الوزاري، وضباط ساميين في الجيش الوطني، وأساتذة في مُختلف المؤسسات التعليمية بالجزائر، نظرًا لِكفاءاتهم، وذلك بعد أداءهم لِواجبهم الجهادي أثناء ثورة التحرير.
ومن بين تلاميذه الذين تتلمذوا على يديه؛ الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حيث يقول عنه في إحدى المقالات التي نشرها في إحدى الجرائد بمناسبة ذكرى وفاة أستاذه وشيخه تحت عنوان: “نسيه المؤرخون… وخلَّدهُ التاريخ”: “تتلمذتُ عليه في معهد عبد الحميد بن باديس، فكان بالنسبة إليَّ وإلى زُملائي المُدرس الذي نأخذ عنه جمال العربية ورقة التعبير.
والشيخ الطاهر حراث سعدي، لِمن لا يعرفه مِن الجيل الصاعد، هو رجل تعددت جوانب العظمة في شخصيتِه، ففاضت على ميادينٍ شتى مِن حياته، فهو الحافظ لِكتابِ الله، وهو الزينوني الحاصل على شهادة التحصيل، وهو الأديب البارع، الذي يفيض عقله بالحكمة وفكره بالبيان ولسانه بالفصاحة، يمزج، في براعة بين الشعر والنثر. ويصب ذلك كله في مِحرابِ الفهم الصحيح للإسلام، دون جُمود أو تطرف.
نشأ الشيخ الطاهر حراث سعدي في أحضانِ العلم والصلاح والإصلاح، فشبَّ مُتوازن الشخصية مُعتدل السلوك الخُلقي، تتسم شخصيته بالصرامة في غير إجحاف، وبالحدة إزاء الظالمين”.
ويُضيف الدكتور عبد الرزاق قسوم وصف جُحود المؤرخين في حقِّ أستاذه “الطاهر حراث سعدي” قائلًا: “… هذا العالم العامل، الذي أفنى عمره في سبيل الجزائر، والعربية والإسلام، فأغفله المؤرخون، وتنكروا لِتضحياته كما فعلوا مع الكثير مِن العلماء العاملين، مِن أمثال: الشيخ الصديق سعدي، والشيخ حمودي بن ساعي، والمؤرخ محمد الشريف ساحلي وغيرهم… لكن التاريخ قد خلَّدَ، في صحائفه الغراء، ذِكرهم”.
نشاطه الجهادي أثناء قيام ثورة التحرير
ولقد لَعبَ الشيخ المُجاهد “سعدي الطاهر حراث” -رحمه الله- دورًا كبيرًا في تجنيد طُلاب المعهد الباديسي في صفوف الثورة التحريرية.
حيث جُنِدَ الشيخ “سعدي الطاهر حراث” في جيش التحرير الوطني سنة 1955م وهو بقسنطينة، عندما قررت قيادة الثورة الاستعانة بطلاب اللغة العربية وحفظة القرآن لتجنيد الشعب وتنظيمه، وفي هذا الصدد والمضمون يقول السفير السابق للجزائر بالعراق وسوريا، والمُجاهد والباحث الدكتور “عثمان سعدي”: “الشيخ “سعدي الطاهر حراث” من هؤلاء طلاب اللغة العربية وحفظة القرآن الكريم، جندتهم الثورة لتأطير جيش التحرير الوطني الذي تكوَّن من جنود فلاحين أُميين، عملوا على تجنيد الشعب لأن من يحفظ حزبًا من القرآن الكريم قادر على تجنيد الشعب أفضل من حامل الدكتوراه من الجامعة”…!!. ثم عَمِلَ الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” ضِمن نشاط سري على تجنيد الطلبة بالمعهد، وفي 1956م اكتُشفت الخلية واغتيل الأمين العام للمعهد “رضا حوحو”، فصعد “الطاهر حراث” للجبال بالناحية السادسة للولاية الأولى وحكم عليه بالإعدام سنة 1957م غيابيا.
ثم نُقِلَ لتونس حيث عُيِّنَ مُشرفًا على علاقات جبهة التحرير، ثم كُلِّفَ من الحكومة المؤقتة على الإشراف على شؤون اللاجئين الجزائيين بتونس.
وهكذا أثناء هذه الثورة المُباركة شغلَ الشيخ سعدي الطاهر حراث مَناصب ثورية وعسكرية هامة، مِن مسؤول توجيه داخل مدينة قسنطينة، إلى مسؤول بالمنطقة السادسة بالولاية التاريخية الأولى، إلى أنْ عُيِّنَ بتاريخ 20 جويلية 1957م واليا مُشرفًا على علاقات جبهة التحرير الوطني بتونس العاصمة، ثم مُنسقًا عامًا لجميع الولايات داخل الجمهورية التونسية منذ سنة 1958م، كما عُيِّنَ بعدها مُنسقًا عامًا لجميع الوزارات داخل تنظيم الحكومة الجزائرية المُؤقتة منذ 1960م إلى سنة 1962م.
مهامه ووظائفه بعد الاستقلال
كما شَغلَ الشيخ «سعدي الطاهر حراث» من بعد الاستقلال مَناصب سياسية هامة، فعُيِّنَ مُحافظًا لحزب جبهة التحرير الوطني بولاية عنابة سنة 1965م، ثم ترَكَ العمل الحزبي والسياسي والتحَقَ بالتربية والتعليم، وأصبحَ مُديرًا لثانوية عبد الحميد بن باديس ثم لثانوية رضا حوحو بقسنطينة إلى سنة 1980م، إلى أن صارَ مُفتشًا عامًا للغة والأدب العربي إلى تاريخ وفاته، كما كانت له نشاطات دينية ودعوية عديدة، فقد عُيِّنَ -رحمه الله- رئيسًا لبعثة الحج الجزائرية العديد من المرات.
وليعلم القارئ الكريم أنَّ في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، اقترح على الشيخ «الطاهر حراث» منصب وزير التربية والتعليم، ولكنه أعتذرَ ورفضَ هذا المنصب…!!.
ولقد تُوفي الشيخ «سعدي الطاهر حراث» بعد مرضٍ عُضال يوم 04 أفريل سنة 1981م بمدينة قسنطينة، ودُفِنَ ببلدته «العقلة» في مَوكبٍ جنائزي مهيب.
لقد كان الشيخ «سعدي الطاهر حراث التبسي» أحد تلامذة ومُقربي الشيخ العربي التبسي في معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، ومِن أنشط خريجي جامع الزيتونة العريق في خدمة العُروبة والإسلام والجزائر، ومِن أهم مُعينيه في المعهد، وكان من أحد المُجاهدين الأبطال الكبار الذين أنجبتهم الجزائر قلَّما أنجبتهم النساء، وواحد مِن أفصح خُطباء ومُتكلمي اللغة العربية في الجزائر الحديثة المُستعمرة، رحمه الله.
«الطاهر حراث» أديبا وشاعرا
كان الشيخ «سعدي الطاهر حراث» عالمًا عاملًا بعلمه، وشاعرًا مُتميزًا، ومفكرًا لا يخلو تفكيره من الإبداع والإقناع.
وكما قُلنا سابقًا فإنَّ الشيخ كان من أفصح خُطباء ومُتكلمي اللغة العربية في الجزائر الحديثة المُستعمرة، وهذا ما أثَّرَ في مُيولِه الأدبي والشعري؛ فلهذا نراه قد تميَّزَ بكتابةِ القصائد، ومنها القصائد القصيرة.
ومن هذه القصائد القصيرة اخترنا لكم منها قصيدتيْن… وروعة قصائده ليست فقط في سهولتِها السَّلِسَة، وخواطرِها الصادقة، وعاطفتِها الحارة فحسب، فهي مع ذلك كله خَواطر ألهمتها شعوره الرقيقة النبيلة الصادقة الفيَّاضة
أما بالنسبة للقصيدة الأولى فعنوانها: «خواطر ضرير»، يصف فيها معاناة الكفيف الفاقد للبصر، فيقول:
وأتخذ العصا أبدا دليـــلا°°° بأن النور في الظلماءِ تاها
شعرتُ وكنتُ منكسرا ذليــلا °°° بأن النفس قد فقدت مُناهـــــا
هواجس ما استطعت لها بديلا °°° تلح عليَّ يؤلمني بكاهـــــــا
مشاعر ما عرفتُ لها مثيــــلا °°° سوى حزني سوى ألمي حكاها
وأما بالنسبة للقصيدة الثانية فعنوانها: «صحراؤنا»، حيث يقول فيها:
هناك حيث المساء الجميلْ °°° وحيث الهواء النقي العليلْ
وحيث الظلال وحيث النخيلْ °°° هناك حيث صفاء الأصيلْ
هناك حيث صحراؤنا الفاتنه °°° هناك هناك حيث الرمالْ
هناك حيث الغزال الشرودْ °°° وحيث المُحال وحيث الصمودْ
هناك الكنوز هناك المرادْ °°° هناك علت صيحة للجهادْ
صفاته وأخلاقه
لقد اتصفَ الشيخ المُجاهد “سعدي الطاهر حراث” بِمجموعة من الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، مِن عُلو الهمة، وخشية ربِّه، والحزم، والعزم، وإقامة الحق، ونشر العدل، والجود والكرم، والصبر واحتسابه، والمُروءة والشهامة، والحلم والوفاء، والشجاعة والجهاد، والتواضع والبطولة، والإدارة القوية، والقُدرة على حل المشكلات، وعلى التخطيط والتوجيه والتنظيم والمُراقبة، وغير ذلك من الصفات، التي جَعلت منه بطلًا من طينة الأبطال، فهذه الصفات الربانية التي اتصف بها الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” هي صفاتٌ لا يتصف بها إلَّا القلة القليلة من الكثرة الكثيرة من عباد الرحمن الذين اصطفاهم على جميع مخلوقاته الأُخرى، يقول الله تعالى: “ثم أورثنا الكِتابَ الذين اصْطفيْنا من عِبادِنا” (سورة فاطر، الآية: 32).
وبسبب ما أودَعَ اللهُ فيه من الصفات الربانية، استطاعَ الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” أنْ يكون أحد الأبطال المَغاوير الذين أنجبتهم الجزائر العزيزة في عصرها الحديث أثناء ثورة نوفمبر المجيدة، فقد استطاعَ تجنيد الكثير من الجنود الذين ضحُّوا بالغالي والنفيس من أجل استرداد الجزائر لسيادتها وحريتها واستقلالها، لِتبقى هذه التضحيات الجِسام رمزًا تاريخيًّا للمُقاومة والثورة التحريرية الكُبرى، ولِتُنير أمام الأجيال اللاحقة مَعالم دَربِ النِّضال والجِهاد الذي شَقَّه ملايين الشهداء الأبرار بدمائهم الزَّكية، وعبَّدوه بأجسادهم الطَّاهرة لِيكون مَعبرًا للجزائر ولِشعبها إلى الحرية والاستقلال.
فقد توجَ جهوده الفذة بنتائج كبيرة على مستوى الفرد، والمُجتمع، والدولة وأصبحَ مَشروعه المُقاوم للاستعمار الفرنسي مَنارًا للعالمين على مَجدِ الإسلام والعروبة، وقد كشفت صفاته الحميدة وأخلاقه الكريمة عن مَصدر قُوَّتِه العظيمة، وانتصاراته العسكرية والسياسية المُذهلة، وإنجازاته الوظيفية الكبيرة قبل وبعد الاستقلال.
ولقد كان الشيخ “سعدي الطاهر حراث” في جهاده ضد الغازين المُحتلين لبلاده المُتمثلين في الاستعمار الفرنسي شديد المُواظبة على الجهاد، عظيم الاهتمام به. ولقد كان الجهاد وحبّه والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاءً عظيمًا، بحيث ما كان له حديث إلَّا فيه، ولا نظر إلَّا في آلته، ولا اهتمام إلَّا برجالِه ولا مَيْل إلَّا على ما يذكره ويحث عليه، ولقد هاجَرَ في مَحبة الجهاد في سبيل الله أهله وسكنه وسائر ملذاته…!!.
وكان الشيخ “سعدي الطاهر حراث” يُشجع ويحث الجزائريين على الجهاد في سبيل الله، فقد كان القُدوة الحسنة لجميع شُرفاء الجزائر في ذلك الوقت في اتباعِ درب الجهاد، فلقد كسا الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” الجزائريين في ذلك الوقت، ثوب الجهاد، وهُم بِدورهم كسوا أبناءهم به، حتى أضحى لبنًا أرضعته الأُمهات للأبناء، وحُلَّة ألبسها الكِبار للصغار…!!.
ولقد كان موقفه مِن تجنيد الكثير من الجنود ليكونوا صفًّا مرصوصًا في وجهِ المُستعمر الغاشم مِن المَواقف الماجدة الخالدة، باقية في الأعقاب خلال الأحقاب، تُعلِّم أصحاب المبادئ والدعوات كيف يكون الإيمان العازم، والجهاد الحازم، والتضحية في سبيل العقيدة والفكرة، والتعفف مِن مَغانم الدُّنيا وأغراض الحياة… يقول الله تعالى: “والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آوَوْا ونَصروا أولئكَ هُم المؤمنون حقًّا لهم مَغفرةٌ ورِزقٌ كريمٌ” (سورة الأنفال، الآية: 74)، ويقول كذلك: “والذين جاهدوا فينا لَنهدينهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمع المُحسنين”
(سورة العنكبوت، الآية: 69).
كرمه وشخصيته التي احترمها حتى الرؤساء!!
كما قُلنا سابقًا فإنَّ الشيخ اتصَفَ بالكرم، وهي صفة القيادة الراشدة؛ فهذه القيادة لا تتم إلَّا بالتحلي بهذا الخُلق العظيم، الذي يُعتبر أحد الركائز الرئيسية لِأُمهات الأخلاق، ولا يمكن لِأُمَّةٍ أن تعز وتسود إلَّا إذا وُجِدَت نزعة الكرم في أبنائِها، لِأنَّ هذه النزعة هي التي تبعث فيهم النخوة، والشهامة، والعطاء.
فطرائف الكرم والجود هي غير مُستغربة من عالمٍ جليل ومُجاهدٍ مِقدام ذي مُروءة مثله، إذ كان يعطي في حالة الضيق ما يُعطيه في حالة السعَة.
ومن الأمثلة على ذلك والتي عشتُها أنا شخصيًّا، ورأيتُ ذلك الجود والكرم اللذان كان يتصف بهما الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” عندما قُمتُ بزيارة لِأخي “عبد الناصر” بمدينة قسنطينة في بداية سنة 1979م، حيث كان لي الشرف أن ألتقيْتُ بالشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” هُناك عندما كان مديرًا لثانوية “عبد الحميد بن باديس” بقسنطينة، فدعاني لِتناولِ وَجبة الغداء مع أبنائِه، وعند تواجدي بمنزله قال لِأحدِ أبنائِه: “أتعرف من هذا؟ إنَّه “البدر ابن الشيخ الإمام الحبيب فارس”، الشيخ الذي أهداكَ عند ولادتك في بداية الاستقلال طاقم لباس للأطفال الصغار قيمته 11 ألف فرنك”، مُعبرًا عن امتنانِه لِجودِ وكَرمِ “الشيخ الحبيب فارس”.
وكذلك من صفات الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” الحميدة، أنَّه كان مَحبوبًا ومُحترمًا من جميع الناس، حتى أنَّ الرؤساءَ الذين تعاقبوا على السلطة في الجزائر كانوا يكنّون له كُل التقدير والاحترام، وذلك لشخصيته المُتميّزة والثائرة؛ المُتميّزة في جهادها قبل وبعد الاستقلال، والثائرة على الأوضاع المُزرية التي عاشتها بلادنا من بعد الاستقلال.
ومِن بين هؤلاء الرؤساء الذين كانوا يكنّون للشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” كُل التقدير والاحترام، الرئيس الراحل “هواري بومدين”؛ حيث يُروى أنَّه في أواخر السبعينيات من القرن الماضي عندما قامَ الرئيس الراحل “هواري بومدين” بزيارة تفقدية لـ”جامعة الأمير عبد القادر” بقسنطينة، وعندما عَلِمَ أنَّ “ثانوية عبد الحميد بن باديس” قريبة للجامعة، قررَ زيارة صديقه “سعدي الطاهر حراث” مدير الثانوية المذكورة، وعند وُصولِه للثانوية دخلها مُرتجلًا دون حِراسةٍ ليجعلها مُفاجأة لصديقه الشيخ “الطاهر حراث”.
وليعلم القارئ الكريم أنَّ الشيخ “سعدي الطاهر حراث التبسي” كانت له علاقة حميمة مع والدي الشيخ الإمام “الحبيب فارس التبسي” التي أصفها بالعلاقة الروحية، حيث كان يتردد الشيخ “الطاهر حراث” على منزلنا كثيرًا، حتى أنَّ جميع أفراد عائلتنا كانت تتعرف على صوتِه عند دخوله المنزل وتحفظ اسمه عن ظهرِ قلبٍ… فالَّلهم أرحمهم جميعًا برحمتك الواسعة، يا أرحم الرحمين.
الندوة الفكرية الوطنية الأولى حول الشيخ المجاهد “سعدي الطاهر حراث” بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لوفاته
الشيخ “سعدي الطاهر حراث التبسي” هو حكاية مَوطن… تاريخ وطن… ومسيرة رجل، هو عالم عامل… مُجاهد ثائر… مُربيًا فاضل… يُعتبر من رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر ومن رجالات الفكر والأدب ومن فطاحلة اللغة والخطابة… هو رجاحة عقل وفيض حكمة… هو رجل فصاحة وبيان… رجل صلاح وإصلاح… صاحب شخصية تعددت جوانب العظمة فيها، نسيته المدينة فخلَّده التاريخ…
مشاربه ومَناقبه… فكره وأفكاره… مسيرته وسيرته… تاريخه وجهاده… شخصيته وآثاره… أُميطَ عنها اللثام وسلَّطت حولها الأضواء… من خلال ندوة فكرية وطنية هي الأولى من نوعها في تبسة التقى فيها رفقاؤهُ وتلامذته ليعدّدوا جوانب من تاريخه العلمي والجهادي والتربوي، ويُذكِّروا الأجيال الصاعدة بِمسيرته ويقرؤا صفحات من سيرته.
الندوة احتضنتها ثانوية ” سعدي الطاهر حراث” بمدينة “العقلة” وأشرَفَ والي ولاية تبسة السيد “عطا الله مولاتي” على افتتاحها بمعية السيد رئيس المجلس الشعبي الولائي والسُّلطات الإدارية الأمنية والعسكرية، وحضرها إلى جانب غفير من المُواطنين وثُلة من آبائنا المُجاهدين بعض من أُسرة الشيخ المُحتفى بروحه، وكان ذلك يوم الثلاثاء الثالث من شهر أفريل سنة 2018 .
السيد والي ولاية تبسة وفي كلمته الافتتاحية رحَّب بالحضور وبالضيوف وأثنى على تاريخ الرجل ومن خلاله تاريخ المنطقة مُثمنا جهاد الآباء والأجداد ساردًا نفحات ثورية وعبقات تربوية من مسيرة الشيخ.
ومن على المنصة قدمت عديد المداخلات لأساتذة ودكاترة ومؤرخين وباحثين في تاريخ الحركة الوطنية قدموا من ولايات عدة، منهم من عايش الشيخ وعاصره، ومنهم من تتلمذ على يديه، مِن أمثال الوزير السابق الأستاذ” سيد أحمد بن فريحة” والدكتور والدبلوماسي السابق” مصطفى بوطورة” والبروفيسور “عبد الله بوخلخال” والدكتور المؤرخ” محمد عباس” وتلميذة الشيخ الأستاذة” فريدة لبعل” والأستاذ” محمد زروال”
وغيرهم من الذين أسهبوا في تناول جوانب من سيرة الرجل وتاريخه.
يُذكر أنَّ هذه الندوة الفكرية جاءت بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لرحيل الشيخ “سعدي الطاهر حراث”، ونُظمت تحت سامي إشراف السيد والي الولاية بمُبادرة من قطاع الثقافة بالولاية ممثلا في المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية تبسة وتدوم يومين، استهلها السيد الوالي ومرافقيه بقراءة فاتحة الكتاب ترحمًا على روح” الشيخ المجاهد الطاهر” الطاهرة بمقبرة “العقلة”- 87 كلم شمال غرب تبسة-