وقفة مع العلامة المجاهد المصلح أحمد توفيق المدني
بقلم: عبد الحميد عبدوس-
العلامة المجاهد المصلح أحمد توفيق المدني قامة سامقة من قامات الثقافة العربية الإسلامية، وقائد من قادة العمل الإصلاحي الجزائري، ورمز من رموز النضال المغاربي، فهو جزائري الأصل تونسي المولد، مغربي النصرة، سخرروحه وقلمه ووقته للدفاع عن قضايا أمته. لقد تعددت مواهبه وتنوعت مساهماته فهو وزير ودبلوماسي ومؤرخ وكاتب صحفي ومؤلف مسرحي وناشط سياسي.
ولد أحمد توفيق المدني سنة 1899 بتونس التي انتقلت إليها عائلته الجزائرية بسبب مشاركة والده وجده في انتفاضة المقراني والشيخ الحداد عام 1871، فلجأووا إلى تونس بعد القمع الرهيب الذي سلطته سلطات الاحتلال الفرنسي على المشاركين في الانتفاضة.
بدأ أحمد توفيق المدني تعليمه في تونس فدخل الكتاتيب وهو في الخامسة من عمره، وفي عام 1909 انتقل إلى المدارس الأهلية القرآنية وفي عام 1913 التحق بجامعة الزيتونة بالجامع الأعظم، وعن دراسته بجامع الزيتونة يقول في مذكراته (حياة كفاح): «..أما بجامع الزيتونة فقد اخترت لنفسي منهاجا دراسيا خاصا بي، كنت أطلب العلم لأجل العلم لا لأجل المنصب، درست على أساتذة جلة «الشيخ النخلي» في التفسير، والشيخ « محمد يوسف» في البلاغة، والشيخ «الصادق النيفر» في الفقه، والشيخ «محمد بن القاضي» في النحو والصرف. كنت ألازم الدروس عشر ساعات كل يوم دون انقطاع تبتدئ بعد صلاة الصبح وتنتهي بعد صلاة العشاء .»
بدأ مبكرا نضاله السياسي ًبتونس، وتم القبض عليه من طرف الاحتلال الفرنسي في عام 1915 ، ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، وبقي في السجن إلى غاية عام 1918، تعرّف أثناء نضاله السياسي على الزعيم عبد العزيز الثعالبي زعيم الحركة الوطنية في تونس، وهو من أصل جزائري، فشارك أحمد توفيق المدني مؤسّسي الحزب الدّستوري التّونسي.
استمر النضال السياسي والإعلامي للعلامة أحمد توفيق المدني في تونس إلى سنة1925 تاريخ إبعاده من طرف سلطات الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر،حدث ذلك بعد مقال كتبه في جريدة «إفريقيا» في 25 ماي1925 عن ثورة الريف المغربي بقيادة المجاهد الكبير الامير عبد الكريم الخطابي تحت عنوان «الحقيقة عن حوادث الريف ليحيا الريف حرا مستقلا»، بعد صدور المقال استدعي الكاتب أحمد توفيق المدني إلى محافظة الشرطة بتونس، وأبلغ يوم 6 جوان 1925بقرار إبعاده إلى الجزائر فنقل إلى مدينة عنابة ومنها التحق بمدينة قسنطينة مهد نشاط الإمام عبد الحميد بن باديس. عن لقائه بالإمام بن باديس وصحبه يقول: «… واجتمعت بالرجل العظيم عبد الحميد بن باديس. كان لقاؤنا نورانياً، ما ذكرته إلا واقشعر جلدي وتوقف نفسي لروعة ذلك اللقاء ولجسامة ما تم بعد ذلك اللقاء، كنت خلال أسبوع بتلك الديار القسنطينية أسبح في بحر من نور وأسري في سماء من أمل ورجاء وكفاح، واجتمع برجال أبرار كانوا حول ابن باديس كالحواريين حول عيسى ابن مريم… تعهدت لابن باديس يومئذ وأصحابه، أن أحرر لهم مقالاً لكل عدد من الشهاب الأسبوعي يتناول السياسة الخارجية بصفة توجيهية من باب “إياك أعني فاسمعي يا جارة” كما اتفقنا على أن يكون مقالي خلواً من كل إمضاء، حتى لا تتخذ الإدارة من ذلك ذريعة لإلحاق الأذى بالشهاب بدعوى أنني من رجال اللجنة التنفيذية بالحزب الدستوري التونسي وأنني أتعمد بمقالاتي تلك، بث الروح الحرة الدستورية بالبلاد الجزائرية».
كان هذا اللقاء قبل أن تتحول جريدة « الشهاب» في سنة 1928 من جريدة أسبوعية إلى مجلة شهرية استمرت في الصدورإلى عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 سنة.
في عام 1926 تأسّس نادي الترقّي على يد مجموعة من المثقفين ومنهم أحمد توفيق، وكان من فعاليّات النّادي الحفلات وإلقاء المحاضرات والمسامرات والتقاء المثقفين من جميع أنحاء الوطن العربي.
وفي مقر نادي الترقي تكونت اللجنة التحضيرية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان كاتب هذه الجنة هو أحمد توفيق المدني ورئيسها عمر إسماعيل. فتأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 5 ماي سنة 1931 وكان لأحمد توفيق المدني دور هام في تشكيلها وتنظيمها، فتقلد منصب أمينها العام. كتب عدة مقالات بمختلف الجرائد، كان أول مقال نشر له في شهر نوفمبر سنة 1914 بجريدة الفاروق، ثم أصبح من الكتاب البارزين في جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تولى فيها تحرير ركن «منبر السياسة العالمية» الذي كان يحمل توقيع ( ابو محمد). كما تولى رئاسة تحريرها إلى غاية سنة 1956. عن طبيعة هذا الركن الهام في جريدة البصائر يقول العلامة أحمد توفيق المدني في مذكراته ( حياة كفاح): «إذا أمسك ـ أبو محمد بقلمه وأخذ يسطر فوق القرطاس كلماته فإنه لا يضع أمامه إلا الحقائق الناصعة يستجلي أسرارها ويسبر أغوارها… لا يحكم فيها إلا فكره وضميره غير خاضع لأي تأثير أجنبي حزبيا كان أودوليا أو عاطفيا… كما لا يخاف محرر هذا القسم طائلة أي مستعمرظالم أومتسلط غاشم أو مستبد للشعوب قاهر للأمم، فقلمه وقف على مقاومة كل استعمار ومحاربة كل تسلط ونصرة كل مظلوم وخدمة كل شعب يجاهد في سبيل حريته واستقلاله.»
في سنة 1956، عين أحمد توفيق المدني في مؤتمر الصومام عضوا أساسيا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية وعضواً في الوفد الخارجي لـ جبهة التحرير الوطني، سافر مع رفيقه الشيخ عباس بن الشيخ الحسين إلى القاهرة حيث كان يقيم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين العلامة الشيخ محمد البشير، ثم صار عضواً في الحكومة المؤقتة، حيث أسندت إليه حينئذ وزارة الشؤون الثقافية في تشكيلتها الأولى.
بعد استرجاع استقلال الجزائر سنة 1962م عيّن وزيرا للأوقاف والشؤون الدينية ثم شغل منصب سفير ووزير مفوض في أكثر من بلد إسلامي. وعلى مدى ستين سنة رفع في كتاباته الصحفية لواء الدفاع عن العربية والإسلام وقضايا التحرر، كان شعاره: «حرا خلقت، وحرا أحيا، وحرا أموت»
من أهم مؤلفاته:
– كتاب «جغرافية الجزائر» صدر لأول مرة عن المطبعة العربية، 1931 يؤكد المؤرخ عبد المجيد شيخي مدير المركز الوطني للأرشيف أن كتاب المؤرخ أحمد توفيق المدني الذي ألفه في الذكرى المئوية لاحتلال الجزائر كان بمثابة جواب صارخ في تلك المرحلة الحاسمة بالتعريف بكل الجوانب التاريخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للجزائر، وتطرق فيه بالتفصيل الدقيق «للإدارة الفرنسية القمعية في تلك الفترة.
– كتاب «حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانية» صدر في طبعته الاولى سنة 1965 ثم صدر في عدة طبعات عن المؤسسة الوطنية للطباعة، الجزائر، يحتوي على مقدمة وتسعة عشر فصلا تغطي حرب الدولة الجزائرية في العهد العثماني منذ بداية العدوان الصليبي الإسباني على الجزائر إلى مرحلة استعادة المرسي الكبير ومدينة وهران وطرد الاسبان بغير عودة.
– كتاب «حياة كفاح» هو عبارة عن مذكرات العلامة أحمد توفيق المدني صدر الجزء الأول من الكتاب سنة 1976 عن المؤسسة الوطنية للكتاب، يغطي الفترة من 1905إلى 1925 من بداية النشاط السياسي إلى دخول الجزائر، ثم صدر الجزء الثاني الذي يغطي مرحلة النضال الوطني والنشاط الإصلاحي والصحفي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وجرائدها المشهورة، وصدر الجزء الثالث في سنة 1982 ويغطي المرحلة الممتدة من( 1954إلى 1962) من اندلاع ثورة التحرير المجيدة إلى استعادة الاستقلال الوطني. لم يصدر الجزء الرابع من المذكرات لأن الكاتب العلامة أحمد توفيق المدني انتقل إلى رحمة الله يوم 18 أكتوبر1983عن عمر ناهز 84 سنة.
وللكاتب مؤلفات أخرى منها:
– «مذكرات الحاج أحمد شريف الزهار» (تحقيق). المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1985م.
– «محمد عثمان باشا داي الجزائر 1766 – 1791» : سيرته، حروبه، اعماله، نظام الدولة والحياة العامة في عهده.المكتبة المصرية، القاهرة، 1937 م.
– « تقويم المنصور»، وقد قام الاحتلال الفرنسي بمصادرته يوم 24 رجب 1344 / 8 فبراير 1926 م ومنع تداوله في جميع بلدان المغرب الإسلامي.
– مسرحية « حنبعل» التي طبعت سنة 1950 وهي نص مسرحي من أربعة فصول عن البطل القرطاجني حنبعل الذي يرمز للتضحية في سبيل الوطن، قال عنها مؤلفها: «إنها جاءت استفزازا للمشاعر الوطنية ودفعا لروح المقاومة بعد سلسلة الخيبات المتوالية في ميدان السياسة بالشمال الإفريقي ونكبة فلسطين .»