وابلٌ وطَلّ
محمد الهادي الحسني

وابلٌ وطَلّ

بقلم: محمد الهادي الحسني-

الوابلُ هو المطر الغزير، والطَّلُّ هو المطرُ الخفيف، وقد جاء هذا التعبير في القرآن الكريم في الآية 265 من سورة البقرة في قوله تعالى: “ومثلُ  الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين، فإن لم يُصبها وابلٌ فطَلٌّ، والله بما تعملون بصير”.

اختار أحدُ شعراء الجزائر المعاصرين هذا التعبير القرآني ليجعله عنوانا لديوانه الشعري، الذي لم يكن “وابلا” ولكنه كان “طلًّا”. لأن هذا الشاعر لم يُكثر من قول الشعر، ولعله أكثر منه ولكن لعبت به الأيام، فبقي هذا الطَّلُّ، الذي لا يتناسب مع عمر الشاعر، ولا مع إمكاناته. هذا الشاعر عاصر وزامل أهمَّ شعراء الجزائر في هذا القرن العشرين، وكبارَ مثقفيها، فهو صديقٌ لأمير شعراء الجزائر محمد العيد، وللشاعر الداعية أحمد سحنون، وللشاعر محمد الهادي السنوسي، ومحمد الأخضر السائحي، وغيرهم، كما هو صديقٌ وزميل للشيوخ باعزيز بن عمر، وفرحات الدراجي، وعبد الرحمان الجيلالي.

لقد سعدتُ بالتعرُّف إلى هذا الشاعر الذي لم يُؤتَ بسطة في الجسم، ولكنه أوتي ظرفا وحكمة، وكان حديثُه أقرب إلى الهمس، تزيِّنه ابتسامة لطيفة، وكان يتردد علينا في المؤسسة الوطنية للكتاب لمتابعة طبع بعض كتبه.

إنه الشاعر جلول أحمد البدوي، أو أحمد البدوي جلولي، وُلد في مدينة البليدة في عام 1906، وبها حفظ جزءا من القرآن الكريم، ليتوجَّه بعد ذلك تلقاء ثنية الأحد، لينسلك في صفوف طلبة إحدى الزوايا، فأتمَّ القرآن، ونال نصيبا من علوم اللغة، والفقه.

في عام 1931 انضمَّ إلى هيئة التدريس في مدرسة الشبيبة الإسلامية في مدينة الجزائر، التي كان يشرف عليها أدبيًّا الشيخ الطيب العقبي، ويديرها الشاعر محمد العيد آل خليفة، ومن زملائه فيها الشيخ فرحات الدراجي، وباعزيز بن عمر، وعبد الرحمان الجيلالي…

بعد إعلان الحرب العالمية الثانية استطاعت فرنسا التسلُّل إلى هذه المدرسة، فانفرط عقد أساتذتها فانتقل محمد العيد إلى عين البيضاء، وانتقل فرحات الدراجي والبدوي إلى البليدة، كما غادرها الشيخ باعزيز.

وقد حدثني بالتفصيل الأستاذ البدوي عن ذلك، حيث كانت إحدى السيدات الفرنسيات حليسة تلك المدرسة، وتراقب ما يجري فيها… وللأسف فقد ضاع مني ما سجّلته.

بعد اندلاع الجهاد في نوفمبر 1954 لجأ إلى المغرب الأقصى، فعل في صفوف مناضلي جبهة التحرير الوطني، وعُيِّن أستاذا بمعاهد المغرب حتى جاء نصرُ الله فعاد إلى الجزائر ليسهم في تأسيس المدرسة الجزائرية فعمل مديرا لإحدى الثانويات، ثم أستاذا في عدة ثانويات حتى تقاعد في 1974. ومما يتميز به الأستاذ البدوي معرفته اللغة الفرنسية حتى إنه عرَّب قصيدة للشاعر الفرنسي فيكتور هيجو.

ترك الأستاذ بدوي مجموعة أعمال تأليفا وتحقيقا، وأتاه اليقين في 26 جانفي 1999. وأدعو إلى تسمية أي مؤسسة تعليمية باسمه، فهو بذلك حقيقٌ لعلمه ووطنيته. فرحمه الله رحمة واسعة.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.